الإقبال الضعيف. بل المتدني جداً علي التصويت في المرحلة الأولي لانتخابات مجلس الشوري هو بمثابة استفتاء شعبي كاسح علي عدم جدوي وتأثير هذا المجلس في الحياة النيابية.. وبالتالي قال الشعب كلمته بهذا الإجراء السلبي. مطالباً بإلغاء مجلس الشوري. هناك من يفتي بغير علم أو لغرض في نفسه بأن هذا المجلس موجود في معظم ديمقراطيات العالم وإن أخذ أسماء أخري.. وأزيد عليه بأنه كان أيضاً موجوداً لدينا قبل ثورة يوليو تحت اسم "مجلس الشيوخ" في مقابل مجلس النواب الذي أصبح مجلس الأمة ثم مجلس الشعب. من يقول ذلك إنما يتحدث عن مبني وأعضاء فقط دون التطرق إلي الدورين التشريعي والرقابي للمجلس. الحقيقة.. أن مجلس الشوري يفتقد الدورين معاً.. فلا هو يشرع ولا هو يراقب ويحاسب.. فقط تم وضعه في جملة مفيدة بالدستور بأن يناقش كل التشريعات قبل إحالتها لمجلس الشعب.. كما أسند إليه دور نائب المالك للمؤسسات الصحفية القومية.. يعين رؤساء مجالس الإدارات والتحرير ويعزلهم.. باعتبار أن المالك الأصلي هو الشعب. أما أعضاؤه ال 180 فنصفهم يتم انتخابهم والنصف الآخر بالتعيين.. وهو ما يجعله يفتقد عنصراً مهماً في المجالس النيابية وهو التمثيل الحقيقي للشعب.. كل الشعب.. بجميع طوائفه. وفي ظل عزوف الناس عن انتخابات الشوري نتساءل: من هؤلاء الذين سينجحون؟ وكيف سينجحون وإلي أي تيار ينتمون؟!.. هل يكتسحها التيار الإسلامي البارع في حشد أنصاره ومعارفه؟!.. وإذا حدث ذلك كما حدث في انتخابات الشعب هل نسمع البعض كما سمعنا وهو يقول إنهم خطفوا الانتخابات. وإنهم لا يمثلون إلا أنفسهم؟! أسئلة كثيرة جداً تضع مليون علامة تعجب أمام الإصرار علي إجراء انتخابات الشوري لولادة مجلس بلا دور أو جدوي أو تجسيد واقعي للقاعدة الشعبية العريضة. وهذا عكس مجلس الشعب.. الذي يأتي أعضاؤه باختيار حُر وكاسح.. فهو يشرع القوانين ويراقب أداء السلطة التنفيذية ويحاسبها. من هنا.. أري أن الإصرار علي إجراء انتخابات الشوري كان خطأ كبيراً ما كان يجب الوقوع فيه لعدة أسباب: * أولاً.. أننا في ظل ثورة شعبية لها مطالب عاجلة لابد من تحقيقها بأسرع ما يمكن لتبريد الشارع. والنيران التي في الصدور. خاصة أن جزءاً من هذه المطالب فئوية تحتاج إلي أموال.. ومن المنطق أن الإنفاق علي حاجات الناس أفيد وأفضل من الصرف علي انتخابات لاجدوي منها. * ثانياً.. ان الكثيرين وأنا منهم طالبوا بإلغاء انتخابات الشوري منذ فترة لتسريع الفترة الانتقالية واختصارها انطلاقاً من مبدأ الأهم فالمهم.. والواقع يؤكد أن "الشوري" ليس مهماً بالمرة. وكان المفروض ألا يدرج في قائمة الأمور الأولي بالتنفيذ. * ثالثاً.. ليس مستساغاً أبداً في ظل هذه القيمة المتدنية لمجلس الشوري أن تحشد قوات الجيش والشرطة لتأمين انتخابات بلا جدوي. وبلا منفعة علي المستويين القريب والبعيد. يحصل بمقتضاها أعضاء علي مكافآت ضخمة دون عمل مؤثر في حين أن خزينة الدولة خاوية والحكومة تسأل "حق النشوق".. إضافة إلي أن قوات التأمين هذه لو استخدمت في منع البلطجة والجرائم لكان ذلك أفضل. أرجو أن تكون الصورة قد اتضحت جلياً أمام المجلس العسكري واللجنة العليا للانتخابات بعد هذا العزوف الجماهيري عن المشاركة في انتخابات الشوري. واقتنع الجميع بضرورة إلغاء هذه الانتخابات. بل وإلغاء المجلس نفسه. حيث إنه لا يعدو أن يكون مجلساً استشارياً. ولدينا والحمد لله مجلس استشاري قائم بالفعل. يجب أن نبدأ فوراً في معركة الدستور.. لأنها المعركة الأهم والأفيد والأشرس التي قد تطول مدتها عما هو وارد في البرنامج. فيكون لدينا متسع من الوقت لإجراء انتخابات الرئاسة وتسليم السلطة من العسكريين للمدنيين في الموعد المحدد.. أو قبله.. وهذا أفضل كثيراً.