أتصور أن سقوط نظام الحكم في ليبيا أسعد المصريين بما يقرب من سعادتهم بنجاح ثورتهم، باعتبارها امتدادا لها في دولة جارة تجمعهما حدود مشتركة. ولا ننسي أن العلاقات بين الدولتين المتلاصقتين شهدت أسوأ علاقات بينهما خلال الأربعين عاماً الماضية، وهي فترة حكم معمر القذافي منذ قيامه في الستينيات بثورة الفاتح من سبتمبر وحتي انتهاء حكمه، واغتياله بأيدي شعبه. لتأكيد ترحيب المصريين بنجاح ثورة الشعب الليبي الشقيق، قام المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة بزيارة ليبيا وهي الزيارة التي وصفت بأنها الأكبر من نوعها منذ سقوط القذافي. بدأ المشير مباحثاته مع المستشار مصطفي عبدالجليل رئيس المجلس الانتقالي الليبي مهنئا ليبيا قيادة وحكومة وشعبا بنجاح ثورة 17فبراير، والإشادة بما تم إنجازه حتي الوقت الراهن. ومن جانبه، أشاد مصطفي عبدالجليل بالدور الحيوي الذي لعبته ثورة 25 يناير المصرية في مساندة ودعم الثورة الليبية مؤكدا أن مصر السند القوي لثورة ليبيا. ونقلت وسائل الإعلام الليبية أن »الهدف من الزيارة بحث التعاون بين البلدين مع حكام ليبيا الجدد، خصوصا ما يتعلق بإعادة إعمار ليبيا، وضبط الحدود الصحراوية الطويلة بين البلدين، خصوصا بعد انتشار ظاهرة تهريب الأسلحة المتخلفة من معسكرات جيش القذافي عبر الحدود المصرية«. ووسط هذا الترحيب الواسع هنا وهناك، ارتفع صوت ليبي يقول: »أرحب بالزيارة.. ولكن«. وتحت هذا العنوان جاء التوضيح من الصحفي الليبي المعروف: فتحي بن عيسي في مكالمة هاتفية استقبلها الإعلامي المتميز الزميل: وائل الإبراشي في برنامجه الشهير: »الحقيقة« علي قناة دريم قائلاً: [ إن هناك أزمة بالفعل بين المجلسين الانتقاليين المصري والليبي وان هناك ثلاثة أسباب للازمة أولها: ان الليبيين غضبوا عندما اصدر المجلس العسكري المصري تعليمات بغلق الحدود المصرية في وجه الليبيين ومنع دخولهم الي مصر إلا بتأشيرة، في الوقت الذي كان الثوار يحتاجون الي دعم المجلس العسكري المصري وادخال الجرحي والمصابين الي مصر. و السبب الثاني: ان المجلس الانتقالي الليبي لديه حالة غضب كبيرة من المجلس العسكري المصري بسبب سماح الاخير لقنوات العقيد الليبي معمر القذافي بالبث عبر النايلسات المصري خلال احتدام الثورة الليبية رغم أن تلك القنوات كانت تحرض علي قتل الثوار، وتبث الكراهية لدي الشعب الليبي حينها ورغم وجود حكم قضائي بمنع بثها. والسبب الثالث: هو تأخر المجلس العسكري المصري في الاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي، مما كان يهدد بتفاقم الازمة بين البلدين، وهو ما اضطر المشير طنطاوي فيما بعد إلي التدخل لازالة الخلاف]. واختتم الصحفي الليبي بن عيسي مكالمته مؤكداً أن انهاء الخلافات يتطلب العمل بمبدأ »المصارحة قبل المصالحة« لأننا أمام أزمة حقيقية يجب مواجهتها بالمصارحة وليس بمحاولة التجمّل فقط ! لم يكتف الزميل وائل الإبراشي بالاستماع إلي تحفظات الزميل الليبي فتحي بن عيسي، وإنما استضاف سفير مصر السابق في ليبيا هاني خلاف ليرد عليها فأرجع أن فرض التأشيرة علي الليبيين واغلاق الحدود كان لوقف تهريب الاسلحة بكميات ضخمة الي داخل مصر عبر سيارات ليبية. وعن عدم غلق قنوات القذافي أوضح خلاف أن تأخير إغلاقها كان إنتظاراً لحكم القضاء النهائي. وبالنسبة لتأخر اعتراف المجلس العسكري المصري بالمجلس الانتقال الليبي فقد أرجعه السفير هاني خلاف إلي وجود أعداد كبيرة من المصريين في ليبيا، ولو كنا أسرعنا بالاعتراف آنذاك فكان من الممكن إلحاق الضرر بالمصريين المتواجدين بالاراضي الليبية. تحفظات الصحفي الليبي لم تأت من فراغ. والأدلة أثبتتها. كما أن ردود مصر عليها لم تنكرها وإنما قدمت مبررات الاضطرار إليها.