محمد الخولي.. لكل من لا يعرفه هو تاريخ طويل لا يكتب في كلمات .. بل يكتب بحروف من نور منذ بدأ عام 1961 مقدماً للبرامج الثقافية والسياسية بإذاعة صوت العرب التي كان لها في ذلك الوقت دور كبير في تشكيل الوجدان المصري والعربي من المحيط إلي الخليج.. وفتح العمل الإذاعي له آفاقاً واسعة لاستخراج الأديب الكامن بداخله.. ومروراً بانتدابه عام 1964 رئيساً للبعثة الإذاعية إلي صنعاء لتأسيس إذاعة تعز باليمن.. وتقديمه للكثير من البرامج الثقافية والتراجم الدولية في الكثير من إذاعات الدول العربية وليجمع بين الإعلام الإذاعي والصحافة والأدب والترجمة.. ومروراً باختياره خبيراً في الشئون السياسية والعربية برئاسة الجمهورية بمكتب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.. وليترك العمل العام ويتفرغ للكتابة والأبحاث والدراسات الإعلامية والسياسية والترجمة عام 1971 وليلتحق بعدها بمنظمة الأممالمتحدة مترجماً بعد اعتماد اللغة العربية بها لغة رسمية.. وحالياً خبير معتمد بالأمانة العامة للأمم المتحدة في مجال التحرير والترجمة الدولية.. وخبير متعامل في مجالات القانون الدولي وحقوق الإنسان باللجان المتخصصة بالجمعية العامة للأمم المتحدة.. كل هذا وغيره الكثير ألقي بظلاله علي الحوار الذي تم في منزله المطل علي حدائق نادي الصيد وعلي خلفية موسيقية لأغنيات الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب الذي يعشقه.. البداية خدعة..! الدراسات الإنمائية " المستقبليات ".. حقوق الإنسان.. الحضارات.. التاريخ بكل مراحله.. من أهم الموضوعات التي تهتم بها وبدراستها.. كيف تري مصر المستقبل.. القريب والبعيد.. في ظل المرحلة الثورية التي نعيشها حالياً وما مر بنا.. وما يمر من أحداث منذ بدء ثورة الخامس والعشرين من يناير..؟ لنتحدث أولاً عما حدث حتي نستطيع استشراف المستقبل.. البداية كانت خدعة.. أعني بذلك التعديل الدستوري.. فالشعب خدع وضلل بالاستفتاء وما صحبه من تضليل إعلامي.. والخطوة السلبية الثانية أننا بدأنا انتخابات مجلس الشعب قبل وضع الدستور أي أننا نبني السلطة التشريعية بدون دستور وهذا تناقض سياسي لم يحدث في أي دولة وإذا جاء رئيس لمصر بدون دستور فهذا مشروع ديكتاتور.. ولننظر للنموذج التونسي لنعرف كيف حدث التلفيق والتضليل.. مصر لديها تراث عريق من الممارسة الديموقراطية بدءاً من حكم الخديوي إسماعيل وحتي وضع دستور 1923 وهو أول دستور في منطقة الشرق الأوسط بأكملها فلم يكن هناك داع بعد هذا التاريخ الطويل لأن نظلم أنفسنا.. ولاننسي أن مصر هي التي أرسلت فقهاءها في القانون ليضعوا دساتير دول المنطقة العربية ففي ليبيا والعراق مثلاً مازالوا هناك يذكرون وبإكبار إسم الفقيه الدستوري المصري السنهوري.. وفي الكويت مازالوا يذكرون إسم الفقيه الدستوري د. عثمان خليل الذي وضع دستور الكويت بعد الاستقلال.. وإريتريا وضع دستورها الفقيه د. يحيي الجمل.. فبكل هذه الخبرات والتراث المصري في الفقه الستوري ننشئ ونجري انتخابات ونؤسس هيئة تشريعية بعد ثورة 25 يناير بدون دستور..! أي بدون دليل عمل ونحن الآن ندفع الثمن وعلينا أن نواجه الواقع الذي يقول إن إجراءات الانتخابات تمت في سلام وخيبت ظنون الذين كانوا يراهنون علي فشلها أو وقوع حوادث خاصة في الصعيد وشمال الدلتا.. وهذه الخطوة أي الانتخابات مهما كنا متحفظين عليها فهي خطوة لابد أن نواجهها بمنهج الواقعية السياسية.. هذا المنهج يقبل المجلس التشريعي القادم ببساطة.. لماذا..؟ لأنه أول خطوة للاستقرار.. ولدي أمل أنه يمكن ومع وجود الأغلبية من الإتجاه الذي يرفع الشعار الديني من النواب ستكون هناك أقلية ستضيف نوعاً من الدينامية أو الحيوية السياسية علي مناقشات البرلمان. والدستور.. وكيفية اختيار أعضاء اللجنة التأسيسة المختلف عليها.. الآليات السليمة للعمل السياسي في المرحلة المقبلة..؟ هذه هي الخطوة القادمة..وهناك قوة كثيرة في مصر من الفقهاء الدستوريين والمعنيين بالعمل السياسي لديهم تصورات مفيدة جداً فيما يتعلق بالدستور القادم وخاصة من خلال الفقه الدستوري المقارن الذي يستفيد من تجارب الدول الدستورية العريقة مثل فرنسا وانجلترا وألمانيا وأمريكا.. أما بالنسبة لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية أو اللجنة الدستورية فكما جاء في الإعلان الدستوري فمجلس الشعب هو الي يختارهم ولكن هناك رأيا عاما وهناك ميدان التحرير ومعارضة شعبية يكون لها تأثيرها لاستكمال عضوية الجمعية التأسيسية بما يكفل تمثيل كل أطياف الشعب والعمل الوطني وكل المصالح الجماهيرية بما في ذلك المرأة والأقباط والمعوقين والفلاحين والعمال وفئات المبدعين علي اختلافها. وهل سيوافق التيار الإسلامي المسيطر علي المجلس من جماعة الإخوان المسلمين و السلفيين.. وما هو الضمان.. وكيف سيتعامل رافعو الشعار الديني مع آليات السياسة الداخلية والخارجية.. ؟ نعم سيوافقون.. وميدان التحرير موجود..! كما أن آليات السياسة هو التورط في العمل السياسي.. وتصريحات جماعة الأخوان المسلمين الآن بدأت تتناقض مع السلفيين لإرضاء الناس.. أما تعاملهم مع آليات السياسة الداخلية والخارجية فلا يصلح معها الشعارات الدينية.. فالتعامل مثلاً مع وزارة الداخلية أو وزارة التموين والتجارة الخارجية يحتاج إلي علم وتواصل مع كل الأوضاع العالمية بكل تعقيداتها في كل القارات.. هنا لايصلح طرح الشعار الديني بل العلم والخبرة والحنكة السياسية والمهارة علي إدارة الأزمات. والشباب صانعي الثورة المصرية.. ألا تر أنهم قد ظلموا بالخروج من المشهد السياسي..؟ مع كامل احترامي لدور الشباب التاريخي.. شباب مصر الذي كنت دائماً اراهن عليه في تحقيق الكثير لمصر.. هم الذين أساءوا لأنفسهم حين انقسموا إلي تيارات وعشرات من الائتلافات والأحزاب والتجمعات بعد ثورة 25 يناير.. أقول لهم.. لا يكفي أن تكون ثورياً ولكن لابد أن تعرف كيف تدير ثمار العمل الثوري الذي قمت به. تحدثت عن انتخابات مجلس الشعب التي انتهت مراحلها.. ويتبقي انتخابات مجلس الشوري المختلف علي وجوده.. هناك من يطالب بإلغائه لعدم جدواه وتوفير ميزانيته الضخمة.. مارأيك..؟ في رأيي الشخصي أنه مهما كانت سلبيات مجلس الشوري خلال المرحلة السابقة فلسنا الآن نملك ترف أن نلغيه بجرة قلم..! عادةً الانتخابات لاتأتي بأفضل العناصر قد تكون جيدة لكنها ليست الأفضل وتوجد عناصر كثيرة فاضلة ولكنها تحجم عن الترشح فالانتخابات لها آليات خاصة والشعبية لها آليات خاصة وبالتالي نحن في حاجة إلي تعويض نقص الخبرات التي لاتأتي في مجلس الشعب ومكان التعويض يكون في مجلس الشوري من خلال التعيينات بشرط اتباع معايير موضوعية ونزيهة تمليها الإحتياجات الوطنية وخصوصاً أن ثلث الأعضاء البالغ عددهم 264 عضواً يكون بالاختيار عن طريق التعيين والثلثين بالإنتخاب مناصفة بين العمال والفلاحين وهنا يمكن تعيين أكبر عدد من الشباب من الجنسين في المجلس القادم أولاً ليعبروا عن هذا القطاع المهم جداً في مصر وثانياً ليكتسبوا خبرة من خلال الممارسة الفعلية في البرلمان وحتي نعد كوادر لنواب المستقبل.. وبهذا يمكننا الاستفادة من مجلس الشوري في المرحلة القادمة لاستكمال الخبرات التي يحتاجها العمل الوطني بشرط تلافي سلبيات الشوري في عهد السادات ومبارك من تعيين بعض العناصر من محاسيب الدولة الذين يفشلون في انتخابات مجلس الشعب إرضاءاً لهم. هذا عن رؤيتكم في تكوين مجلس الشوري.. لكن ماذا عن مهامه التي يري الكثيرون أنه يجب تغييرها.. مثل ملكيته للصحف القومية.. بمعني كيف تري مستقبل هذا المجلس؟ ملكية الشوري للصحف القومية نوع من التعسف الدستوري وهو ما يجب تغييره.. مهام مجلس الشوري في المستقبل يجب أن تنحصر في تناول القضايا القومية وقضايا العلاقات الدولية بين مصر وبقية دول العالم علي أن يكون له أيضاً رقابة تشريعية إضافة إلي ضرورة تخفيض ميزانية الجلسات إلي الربع وهذا يجب أن يصدق علي كل المجالس وكل شئ في مصر.. أري أن وجود مجلس الشوري مهم ولكن علي أن يتم إنشاؤه بالطريقة المثلي فحين ننظر إلي تجارب الدول الكبري نجد الجمعية الوطنية الفرنسية بها مجلس للشيوخ.. ومجلس العموم البريطاني يوجد به مجلس اللوردات.. والكونجرس الأمريكي به مجلس النواب ومجلس الشيوخ.. والدول الديموقراطية دائماً وعادةً مايوجد بها مجلسان.. ومن الشطارة تفعيل دور مجلس الشوري في مصر كما هو الحال في مجلس الشيوخ الأمريكي. الإرتباك السياسي عودةً مرة أخري لاستكمال السؤال الأول وقراءة المشهد السياسي خلال عام كامل علي اندلاع ثورة 25 يناير وهو الأمر الذي يصيب الكثيرين بالحيرة وعدم التصديق.. كيف تقرأ لنا مستقبل هذا المشهد بخلاف ماقلته عن خدعة الاستفتاء وإجراء انتخابات مجلس الشعب قبل وضع الدستور..؟ البداية نجاح لدرجة عدم التصديق أعني بذلك مشهد الثماني عشر يوماً من الثورة وأحسن مافي هذا المشهد أن النظام السابق تصرف بقوانينه وأولها أن استجاباته دائماً كانت بطيئة ومغرورة وهو ما ستفدنا منه.. فخيابة التصرف في هذا النظام أفادت في الإطاحة بالشريحة العليا التي كانت تتحكم علي قمة هذا النظام.. كان ميدان التحرير خلال هذه الفترة أيقونة الثورات والانتفاضات الشعبية في العالم وهذا مالمسته حين كنت في زيارة للمتظاهرين في وول ستريت بدايات الصيف الماضي ولدرجة أن المحلل السياسي العالمي " ستيفن كوك " أصدر كتاباً بعنوان " الكفاح من أجل مصر من عبد الناصر إلي ميدان التحرير " ذكر فيه ميدان التحرير بحروفه العربية علي الغلاف وهو أحدث كتاب عن الثورة المصرية في أمريكا.. وفي المرحلة الثانية وهي فترة " بداية الربيع " أو فترة الجهاد الأصغر لأنها كانت فترة بداية الهدم للنظام السابق وكان مطلوباً أن تكون مرحلة الجهاد الأكبر أي مرحلة " البناء " فبدأناها بخطأ عدم وضع الدستور رغم وجود قوي كثيرة كانت تطالب بذلك ومن هنا بدأت سلسلة الأخطاء التي أري من الناحية الموضوعية أن يتحمل تبعتها كل القوي الفاعلة في الساحة المصرية ابتداء من المجلس العسكري والنخبة المثقفة والمحللين السياسيين وشباب الثورة الذين انقسموا في تجمعات وائتلافات بدلاً من تجميع صفوفهم في أطر موحدة هذا من جانب في حين كان علي الجانب الآخر القوي الرافعة للشعار الديني تفعل العكس فتناست انقساماتها وخلافاتها وتنوعت اجتهاداتها فكان أن دخلت الانتخابات ضمن إطار موحد أو شبه موحد.. إضافة إلي أنهم ظلوا في حالة من التفاعل اليومي مع الجماهير وخاصة في الأحياء الشعبية والأرياف.. أي ان من قاموا بالثورة ذهبوا لبيوتهم ومن لم يقوموا بها ذهبوا إلي الناس في مختلف المناطق والأحياء.. ومع هذا فالحقيقة الواقعة تقول أنه في منتصف يناير أو قبل الاحتفال بالعيد الأول للثورة سيكون لدينا برلمان وهذا ليس بالقليل وبعدها سيوضع الدستور ثم نبدأ مرحلة انتخابات رئيس الجمهورية وفي آخر يونيو سيكون هناك رئيس منتخب. وهل سيسلم المجلس العسكري السلطة لرئيس مدني منتخب فعلاً.. هناك من يشكك في ذلك..؟ أري أن ذلك سيحدث فعلاً.. وأنا أصدق المجلس العسكري لأنني ألمس رغبة أكيدة من المجلس في العودة إلي الثكنات وفي التخلص من تبعة السلطة التي جعلتهم يتحملون عبئاً مزدوجاً مابين مسئولياتهم العسكرية ومابين المسئولية المدنية. ولكن.. لماذا ارتبك المشهد السياسي خلال الأشهر السابقة منذ أحداث ماسبيرو وما تبعها من أحداث متلاحقة ومؤسفة..؟ فترة الارتباك والتخبط بدأت منذ بدايات الصيف الماضي وحتي نهاية العام خاصة وأنه كانت لدينا وزارة مدنية وهي وزارة عصام شرف ومع كامل الاحترام لها إلا أنها لم تنهض بالمسئوليات الملقاة علي عاتقها خاصة فيما يتعلق بملف الإنفلات الأمني والملف الاقتصادي حيث كانت الأزمة الاقتصادية تهدد بالوصول بالوطن إلي حالة الإفلاس.. لقد هبط التصنيف الإئتماني العالمي لمصر مؤخراً هبوطاً كبيراً فسمعة الدولة أي دولة هي التي تقرر مدي استحقاقها للقروض وهو نظام معمول به في كل دول العالم ومقياس لصحة أو إعتلال النظام الإقتصادي.. ولذلك فالجهود الحالية مع صندوق النقد الدولي جهود كبيرة فإذا وافق الصندوق علي إقراضنا فهذه علامة مفيدة من ناحية سمعة مصر وقدرتها الاقتصادية وعلينا ألا ننسي أننا ورثنا تركة أو نظاماً إقتصادياً يوصف في المعجم السياسي العالمي باقتصاد المحاسيب.. وهو وصف مشهور ويعني بالمحاسيب من هم حول الزعيم أو الرئيس.. فاقتصاد مصر خلال النظام السابق كان اقتصاد محاسيب يوزع ثماره عليهم دون أن ينال جماهير الشعب من المنتجين والعاملين سوي فتات الفتات وهذا ما أدي إلي الإرتفاع المخيف لمعدلات الفقر وانخفاض معدلات التنمية الحقيقة التي تتم لمصلحة العامل والفلاح وجماهير الكسبة " الغلابة " وكان هذا ظلماً فادحاً لمصر التي حققت مع أول خطة تنمية في الستينيات واحداً من أعلي معدلات النمو في العالم بشهادة البنك الدولي حيث قاربت 7٪ سنوياً. المجلس الاستشاري لقد غبت عن مصر ثلاثين عاماً منذ بداية السبعينيات وبعد عودتك وخلال العشر سنوات السابقة تعرفت عليك الأجيال الجديدة كاتباً ومحللاً سياسياً وخبيراً إعلامياً ومترجماً عالمياً.. ومؤخراً ظهر إسمك علي سطح المشهد السياسي بعد اختيارك عضواً ومتحدثاً رسمياً بالمجلس الاستشاري.. حدثنا عن أهم ملامح هذه الفترة..؟ درست الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة ثم عملت بإذاعة صوت العرب عام 1961 مقدماً للبرامج الثقافية والسياسية في فترة من أخصب الفترات في تاريخ مصر ثم انتدبت خبيراً للشئون السياسية العربية برئاسة الجمهورية في عهد الزعيم جمال عبد الناصر منذ عام 1965 وحتي عام 1971 بقرار جمهوري.. وبقرار جمهوري أيضاً تم إنهاء خدمتي من صوت العرب ومن الرئاسة في عهد الرئيس السادات مما جعلني انطلق للعمل والدراسة فنلت ماجستيرا في الإعلام من جامعة القاهرة ودبلوم الاقتصاد السياسي من جامعة نيويورك وبدأت علاقتي بمنظمة الأممالمتحدة منذ عام 1975 مترجماً ثم كبير مترجمين وشاركت في العديد من المؤتمرات الدولية في دول العالم المختلفة بوصفي من العاملين الدائمين بالأمانة العامة للأمم المتحدة وهو ماجعلني أغيب عن مصر طوال هذه المدة والتي شهدت لي العديد من الدراسات والمؤلفات والتراجم السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية التي نشرت علي المستوي القومي والعالمي.. ورغم أنني ناصري الهوي إلا أنني لم أنتم إلي أي من الأحزاب أو التنظيمات السياسية رغبة مني في المحافظة علي استقلالي الفكري والسياسي إلي أن فوجئت باختياري عضواً بالمجلس الإستشاري من قبل المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا.. وحين سألتها عن اختصاصات المجلس أكدت لي أنه هيئة تتولي ترشيد قرارات المجلس العسكري وتقديم المشورة القائمة علي دراسات وبحوث تجعل المجلس العسكري قريباً من نبض الشارع خلال هذه المرحلة التي تمر بها البلاد وحتي 30 يونيو القادم موعد تسليم السلطة لرئيس مدني منتخب .. وهو منصب تطوعي لوجه الله والوطن حيث طلبنا في أول اجتماع للمجلس عدم تقاضي أي رواتب أو مكافآت أو بدلات حضور للجلسات ووضعنا هذا الطلب أو الشرط ضمن مرسوم إنشاء المجلس في الاجتماع الأول للأعضاء وعددهم 25 عضواً. جاءت بدايات إنشاء المجلس مع بدايات أزمة شارع مجلس الوزراء والتي جعلت عدداً من الأعضاء يقدمون استقالاتهم إضافة إلي غضب الشارع المصري من دور المجلس الاستشاري.. ماتعليقكم..؟ المجلس هيئة استشارية تطوعية وليس صانعاً للقرار.. فعملنا يقوم علي دراسة مايحيله إلينا المجلس العسكري من قضايا ونحن نقوم بإحالة القضايا والدراسات التي نقوم بها من تلقاء أنفسنا عندما نري ذلك وتعبر عن نبض الشارع وتهم الناس.. فمثلاً ملف الأمن الداخلي لم نكلف به ولكننا فتحنا الملف من تلقاء أنفسنا مع وزير الداخلية وألا يكون هناك تعامل مع المتظاهرين أو المدنيين بالعنف وتناقشنا معه في ضرورة التفاعل والتعاون مع الأجهزة المختصة بالمعلومات في مصر وعلي رأسها جهاز الأمن الوطني وهيئة المخابرات العامة والمخابرات الحربية ومعلومات وزارة الخارجية مع التركيز علي عدم جمع المعلومات فقط ولكن في التفاعل معها والتحليل العلمي لها والخروج بتنبؤات وتوقعات تتخذ شكل سيناريوهات أسوة بما يعمل به في بلدان العالم المتقدم واستباقاً لما قد يواجه الوطن من مشكلات أو أزمات بغرض الاستعداد المسبق لمواجهتها مثل تأمين المنشآت.. وقد تكرر الشئ نفسه عند دراسة الملف الاقتصادي والملف الإعلامي مع كل المسئولين عن هذه الملفات.. هذا عمل جاد نقوم به ولكن الناس تنتظر منا التظاهر أو الإستقالة. وماذا عن الملفات الأخري المسكوت عنها.. مثل " اللهو الخفي " أو الطرف الثالث " الذي يقف أمام تحقيق مطالب الثورة المصرية..؟ اللهو الخفي نوع من الإعلان عن فشل جهاز الدولة في مواجهة مايمكن أن يحاك ضدها من مخططات أو مؤامرات وهنا لابد من مصارحة الناس بما يدور.. فلا يمكن مواجهة أي مؤامرة خارجية أو داخلية بدون مصارحة الشعب ليقف مع الحكومة لمواجهة هذه المخططات.. أيضاً في موضوع الملف الأمني لايمكن أن نحققق الأمن إلا إذا تم نزع السلاح غير المرخص من أيدي المواطنين من خلال حملة قومية مع تغليظ العقوبة علي الإحراز أو الاستخدام وبغير تحقيق ذلك تظل الساحة نهباً لحالة من التداخل والإضطراب والارتباك وهذا ينعكس علي علاقات مصر الاقتصادية وينعكس ايضاً علي السياحة والإستيراد والتصدير وأيضاً ينعكس علي سياسة الإقتراض من الخارج. الارتباك الإعلامي كيف تري الصورة الإعلامية بعد الثورة.. خاصة مع تضارب المعلومات والأفكار.. ارتباك إعلامي لم نشهده من قبل..؟ الصورة الإعلامية مرتبكة خصوصاً مع الانتشار غير الطبيعي للفضائيات وتحولها من الرسالة الإعلامية المعروفة التي تتوزع إلي جوانبها الثلاثة وهي التزويد بالأخبار والمعلومات.. والتثقيف والتوعية.. والترفيه.. لقد تحول هذا كله إلي حالة واحدة أصبحت عبارة عن ميكروفونات وشاشات لعرض آراء وأفكار وأحياناً عنتريات المتحدثين ومنهم من هم راغبون في الزعامة أو متطلعون إلي أدوار يقومون بها في إطار الوضع الجديد.. فكانت النتيجة مزيداً من البلبلة وأحياناً إلي التضليل الإعلامي فضلاً عن التعتيم في مجال المعلومات .. ورغم ذلك يوجد عناصر من الإعلاميين الوطنيين مازال فيهم الأمل لترشيد هذا الآداء وإن كانوا معذورين باعتبار أن الوظيفة البديهية للإعلام هو أن يكون مرآة عاكسة لما يدور في المجتمع.. فما بالنا والمجتمع يعاني كل هذا الارتباك وتضارب في التصريحات والمعلومات غير المسئولة ووجود أفكار وأطروحات مغرضة يزيدها ارتباكاً كل ماينشر في الإعلام الإلكتروني المستجد مثل " الفيس بوك " و " التويتر " وسائر وسائل التواصل الاجتماعي . بمناسبة الحديث عن الدور الإعلامي في المرحلة الحالية.. كيف تري هذا الدور في المستقبل.. بمعني إلغاء وزارة الإعلام وتحويل الإعلام إلي هيئة مستقلة كما يطالب الكثيرون..؟ المشكلة ليست في بقاء وزارة الإعلام أو تحويلها إلي هيئة.. المشكلة في عدم وجود جهاز يرصد الأداء ويحاسب علي التجاوزات والأخطاء دون أن يصادر علي حرية الإعلام.. نحن في حاجة إلي مجلس أعلي للإعلام أو هيئة توجه الإعلام إسوة بما هو معمول به في المحطات العالمية مثل ال " بي بي سي ".. فهل إلغاء الوزارة سيصلح الإعلام.. الذي يصلح الإعلام هو وجود هيئة تراقب وتحاسب. بعد أكثر من ساعتين من الحوار علي أنغام الموسيقي الراقية.. لي سؤال أخير عن دور الفن والثقافة في تكوين الوجدان الشعبي.. وإلهاب الحماس الثوري خلال الفترة الحالية والمستقبلية.. بعد فترة ركود طويلة انهزم فيها الفن الراق علي مدي ثلاثين عاماً..؟ العمل الفني وخاصة في مجال الموسيقي هو الذي يستطيع أن يعكس ثورات الشعوب.. فعندما استمع لعبد الحليم حافظ يغني للسد العالي.. أو يشدو بأغنيته الرائعة " بالأحضان " وأتأمل كلماتهما أجد أن الشاعر الراحل صلاح جاهين في كل مقطع وسطر يتحدث عن حلم للمستقبل لنا جميعاً.. " صناعة كبري.. مزارع خضرا.. تماثيل رخام عالترعة.. أوبرا في كل قرية ".. الفن أشواق وتنمية للأفضل والأرقي.. ولهذا انتظر ومازلت في انتظار العمل الفني الراقي الذي يعكس بهجة جماهير الشعب المصري بثورة 25 يناير علي نحو ماشهدته ثورة يوليو 1952 ممثلة في إبداعات كمال الطويل وصلاح جاهين وعبد الحليم حافظ.. وما حدث خلال الثلاثين عاماً الماضية هو تغييب للوجدان المصري المبدع فقصور الثقافة أصبحت " خرابة " والمساجد بدلاً من أن تكون أماكن للتنوير والاستنارة أصبحت مراكز لإظلام العقول.. وأصبح الزي والشعر هما القضايا الأساسية ولا يوجد احد يتحدث عن التنمية والتقدم.