الفنان سامي العدل أخي الكبير لايستطيع المشي أكثر من 01 أمتار دون ان يستريح يحس آلاما رهيبة في ساقيه. سامي قد أجريت له عمليتان من قبل أحدهما في ساقه لتوسيع الشرايين واخري في القلب لاستبدال الشرايين المعلولة والاثنتان اجريتا في انجلترا. بسرعة اجريت صورا بالموجات الصوتية والتحاليل اللازمة لارسالها لطبيبه المعالج في انجلترا استعدادا لسفره. فجأة اقترح طبيب صديق ان تجري العملية في مستشفي تتبع جهة أمنية سيادية والمستشفي له سمعة كبيرة تشهد بتقدمه خاصة وان هناك خبيرا فرنسيا - كما قالوا - سوف يأتي لاجراء عمليات تشبه تلك التي يحتاجها سامي. الموضوع لايحتمل التأجيل وقد نصحنا جهابذة الاطباء في مصر. من اساتذتي أو زملائي - باجرائها فورا ودون ابطاء والا فالعواقب وخيمة - والغريب ان جميعهم نصحونا بأن نجريها بالخارج 0 والمهم استخرنا الله وقررنا ان نجريها في هذا المستشفي. أرسلنا كل التحاليل وصور الاشعة الي رئيس قسم الاوعية بالمستشفي الذي ارسلها -كما قال - الي الخبير الفرنسي وأبلغنا الطبيب المصري ان الفرنسي طمأنه بأن العملية بسيطة وسيأتي في اليوم المحدد لاجرائها .. دخل سامي المستشفي قبلها بيومين استعدادا للعملية. لن أتكلم عن التمريض او الازعاج الرهيب طوال اليوم فقد اصبح الضجيج حتي في المستشفي شيئا عاديا يأتي من داخلها وخارجها.. وصوت المؤذن يأتي من الشارع المقابل 5 مرات في اليوم ليخترق اذان المرضي والاصحاء بما يتنافي مع أبسط قواعد الانسانية والاديان التي تدعو للرحمة بالمرضي لا تعذيبهم.. الاكل اكثر من سييء والزيارة في أي وقت وأي ميعاد كأننا في سوبر ماركت ولكن كل شيء يهون في سبيل الخبير الفرنسي ونجاح العملية..جاء اليوم الموعود نزل المريض لغرفة العمليات بعد ان اخبرونا بانتظار الطبيب الفرنسي له وسط دعواتنا جميعا.. وجلسنا ننتظر.. ساعة وعاد لنا سامي يروي العجب العجاب. كشف الطبيب الاجنبي عليه في حجرة العمليات والتي يجلس خلف زجاجها اطباء اصغر ليشرح لهم الخبير ما سوف يفعله.. دون اذن من المريض كأنه كرسي او شيء ليس له حق الاعتراض - وطبعا لايستطيع هذا الخبير ان يفعل ذلك في فرنسا والا قامت الدنيا ولم تقعد فالانسان الفرنسي شيء والمصري - للاسف. شيء اخر.. المهم بعد ان سأله الطبيب عدة اسئلة اعتيادية قبل اجراء العملية اكتشف سامي ان الرجل لم يرسلوا له أية معلومات عن سامي ولا أشعة ولا تاريخه المرضي ولا اي شيء وبالتالي عندما عرف الرجل بحقيقة الحالة أعلنها - والحمد لله انه اعلنها - ان العملية لا تدخل في مجال تخصصه وعندما هاج سامي وماج مال عليه أحد الاطباء المصريين ليخبره ان هناك خبيرا ايطاليا وهو الافضل وهو يرشحه له. عاد سامي لغرفته لنكتشف ان كلا من الطبيبين رئيس القسم المصري والاخر الذي اقترح الايطالي يعملون كسماسرة للخبراء. أصر سامي ان يخرج في نفس اليوم وخرج فعلا وذهبنا لنعرف الحساب والذي أودعنا مبلغا كبيرا عند الدخول كوديعة من حساب العملية.. فوجئنا بفاتورة رهيبة هو لم يفعل اي شيء واضروه واضروا بصحته ومع ذلك يطلبون نقودا وبعد ان أخذ ورد وافقوا علي نصف المبلغ فيما يشبه الفصال عند شراء الطماطم من بائع متجول . ذهبنا الي مدينة ساحلية رائعة في جنوبلندن أثر نصيحة من طبيب مصري عالم وخبير واستاذ جراحة الحوادث في مستشفي بورموث الملكي هو الدكتور المصري الانجليزي كرم حسان الذي فعل لنا كل شيء.. قبل ان ندخل عرفنا تماما التكلفة وجميع الخطوات التي سوف تتم في نظام وسهولة ويسر.. لن أحكي عن النظافة او الاهتمام او الوجوه الملائكية المبتسمة دائما والتي تضع المريض فوق اي اعتبارات لم يسأله احد عن دينه . لم يرفع احد صوته او يعبث او حتي يظهر الزهق علي وجهه كل شيء يسير في نظام حتي اجريت العملية ونجحت بفضل الله وعدنا الي مصر الحبيبة ينتابني شعوران.. الفرحة بسلامة اخي وصديقي والذي اخذ بيدي .. بل بيد كل من دخل المجال الفني من عائلة العدل.. الفنان الجميل سامي العدل اما الشعور الاخر فهو الحزن علي ما آل اليه حال المصريين.. كان الطب المصري يضرب به المثل في الجودة والدقة والانسانية وكان مصدرا من مصادر الدخل حيث هناك ما يسمي بالسياحة الطبية فأصبح المصريون يسافرون للعلاج - ليس في لندن - ولكن في البلاد العربية واذا كان هذا حالنا - ونحن - والحمد لله نملك ان نسافر فماذا يفعل ملايين المصريين رقيقين الحال والمحتاجين الذين نراهم يجلسون امام المستشفيات تفتك بهم الامراض. ماذا فعل النظام السابق بالشخصية المصرية.. كيف دمرها الي هذا الحد حتي وصل ان يتحول اطباء الي سماسرة وكذا مهن كان من يمتهنها مبجلا ومحترما فتحول - مع الفساد العام- الي فاسد نسمع عن مهندسين وقضاة واطباء ومعلمين يرتشون والغريب انهم - سواء مسلمين او مسيحيين - يرتادون الجوامع والكنائس ويحللون الحرام.. هذا الوطن كان فعلا يحتاج الي ثورة وقد قامت ولن يتقدم ويتطور الا بنجاح الثورة حيث الحساب ولاشيء الا الحساب العسير لكل من يخطيء بدءا من رئيس الجمهورية حتي أصغر عامل في مصر يبقي ان اشكر كل من وقف بجوارنا في انجلترا من اصدقاء .. الفنان مصطفي النحاس وطبعا الاستاذ د. كرم حسان وقبل ان أنهي مقالي أتذكر قول رفاعة الطهطاوي »وجدت في فرنسا اسلاما ولم أر مسلمين وفي مصر مسلمين ولم أر اسلاما«.