واهم من تصور إمكانه حجب نور الشمس أو إخفاء ضياء القمر، ومخطئ من لم يعرف أن حركة التاريخ تأبي إلا أن تنتصر الثورة وينجح الثوار، فلا تحاولون اجتراح المستحيل باستيعاب الثورة أو تطويقها وإجهاضها بنفس أدوات عصر مبارك وغبائها، فذلك عصر ولت أيامه ولياليه وماعادت تجدي أساليبه وأحاجيه. كان هذا رأيي دائماً وهو علي خلاف ماقد طالعته الأربعاء الماضي في هذه المساحة منسوباً إليَ وما أنا بكاتبه، ذلك أنه حدث خطأ مطبعي تسبب في وضع إسمي علي مقال للدكتور علي السمان بشأن أحداث مجلس الوزراء الدامية، بعنوان "دموع النفاق تسيل علي سقوط المجرمين والبلطجية"، وتنبه الزملاء في الأخبار للأمر وقاموا بتصحيح الإسم في الطبعات التالية. وأؤكد لكل الأصدقاء والقراء الذين أزعجهم ذلك وتصوروا أنه محاولة عامدة لإساءة علاقتي بالثورة والثوار أنه خطأ غير مقصود فلاتذهبوا بعيداً بما حدث فكل من قرأ المقال تنبه لإختلاف الأسلوب وطريقة التناول والكتابة، وأنا لا أعطي الموقف أكثر من حجمه وإن كنت أوافقكم بأن الأخبار أخطأ بعدم الإعتذار عن ذلك وأتفهم متابعتكم لحجم الترصد لشخصي والعمد في استهدافي من جهات عديدة لكني أطمئنكم بأن هذا ليس موقف الأخبار الذي كان ولايزال يحترم ما أكتب وينشر لي بكل حرية سواء قبل الثورة أو بعدها، وقد كتبت ضد النظام السابق في عنفوانه ولم يصادر لي علي مدار ثماني سنوات أكتب أسبوعيا في الأخبار إلا مقالاً واحداً ولأسباب أتفهمها وأعرف دوافعها. وأنا هنا لا أكتب رداً علي الدكتور علي السمان فهو حر في مواقفه وآرائه ولكني لا أذهب معه إلي حد توجب قتل المتظاهرين وفقأ عيونهم لمجرد إفساح الطريق للدكتور الجنزوري والمرور إلي مكتبه، فقد كان بوسعه إن يمارس عمله من معهد التخطيط كما كان يفعل أو من القرية الذكية كما كان يفعل أحمد نظيف، إلي أن يتم التفاهم مع الثوار واحتواء الموقف الغاضب دون إراقة الدماء وإصابة المئات في هجوم أساء إلي الثورة وإلي المصريين وإلي المجلس العسكري الذي لم يحسن تحديد خياراته والذي استوظف أغبي المستشارين مما أوقعه في سلسلة من الأخطاء والخطايا يصعب تفهم دواعيها ومبرراتها، ويصعب أيضاً علاج تداعياتها وآثارها. أعرف أيضاً أن هناك محاولات دءوب للوقيعة بين المجلس العسكري والثورة لجر مصر إلي الفوضي والاحتراب وهو أمر لايستفيد منه إلا أعداء الوطن وأعداء الثورة سواء في الداخل أو الخارج وهو أمر ندينه ورأينا منه معلن وسبق أن حذرنا من الانزلاق إليه بفعل سياسات التسرع وسوء الاختيار وانحيازات غير مبررة من المجلس العسكري تفاقم الأزمات حتي حين كان القصد احتوائها. إن موقفنا الداعم للثورة لايمكن المزايدة عليه، وهو في نفس الوقت لا يقلل من احترامنا وتقديرنا للمؤسسة العسكرية التي يحاول البعض تملقها باستخدام أساليب عفي عليها الزمن ولفظتها ذائقة المصريين وفطنتهم جراء خبرة طويلة في كنف نظام عمد دائما إلي "أبلسة" معارضيه وشيطنتهم مستخدماً أبواقاً دعائية فارغة فاشلة وأساليب ساذجة لا تنطلي علي أحد. نحن أمام محاولات يائسة "لتايونة" الثورة فاحذروها، فلاتزال ثورتنا عفية شابة نقية أصلية وهي ليست تقليداً أو "فالصوا" مثلما كان يطلق المصريون وصف "تايواني" علي البضائع "المضروبة" أو مثلما فعل "شيانج كاي شيك" إبان الحرب الأهلية الصينية في بداية الخمسينيات بأن أطلق مسمي جمهورية الصين علي جزيرة تايوان التي اعترفت بها الولاياتالمتحدة بعد الحرب العالمية الثانية وأعطتها مقعدا دائما في مجلس الأمن، لكنه ومع بداية السبعينيات خرجت تايوان من مجلس الأمن واستعادت الصين الشعبية مقعدها الدائم، ذلك أنه في نهاية المطاف لايصح إلا الصحيح. إذن حتماً ستستعيد الثورة مقعدها في السلطة ومهما كانت الظروف والصعوبات والمحاولات، وحتي يتم ذلك ينبغي تطليق منطق العنف والاحتكام إلي سلمية الثورة وتعقل السلطة وسياسات الاحتواء المتوازن للقوي السياسية والثورية، لا دعاوي الشيطنة والأبلسة الإعلامية التي لاتخلف وراءها إلا الفرقة والتشرذم والعنف. كنت أنتوي اليوم الكتابة عن مناقشات دارت بيننا ومجموعة محدودة من أساتذة الجامعة والسياسيين والمثقفين علي العشاء بدعوة من السيد "مارك سيفر" الوزير المفوض للسفارة الأمريكية بالقاهرة ومديرة المركز الثقافي الأمريكي بالإسكندرية، لكن الأخبار دفعتنا إلي وجهة أخري لايحتمل تأخيرها. وتبقي كلمات عبد الوهاب البياتي عنواناً لما يمكن أن يقال بحق شهداءنا الذين غيبتهم أفعال الغدر وهالت علي تضحياتهم التراب مواقف البعض وأقوالهم: قمري الحزينْ البحر مات وغيّبت أمواجُهُ السوداء قلع السندبادْ ولم يعد أبناؤه يتصايحون مع النوارس والصدي المبحوح عاد والأفق كَفَّنَهُ الرمادْ فَلِمَنْ تغنّي الساحراتْ ؟ والعشب فوق جبينه يطفو وتطفو دنيوات كانت لنا فيها، إذا غني المغنّي، ذكريات طارت، فيا قمري الحزين الكنز في المجري دفين في آخر البستان، تحت شجيرة الليمون، خبأهُ هناك السندبادْ لكنه خاوٍ ، وها أنَّ الرماد والثلجَ والظلمات والأوراق تطمره وتطمر بالضباب الكائنات أكذا نموت بهذه الأرض الخراب ؟ ويجفّ قنديلُ الطفولةِ في التراب ؟ أهكذا شمس النهار تخبو وليس بموقد الفقراءِ نارْ ؟