كان شيخ القرية يجلس كل يوم بعد صلاة المغرب ليعظ الناس، وما إن يفرغ الناس من صلاة العشاء حتي يسارعوا الي راقصة البلد، أو (الغازية) - بلغة زمان - ليظلوا ماكثين أمامها حتي مطلع الفجر، ليتكرر المشهد في اليوم التالي. الشيخ يعظهم والمرأة تنسف ما وعظوا به، والشيخ قد استقرت حالته ومعيشته ومصدر رزقه علي ما يجود به هؤلاء الناس من مال وطعام وشراب وكساء، وهو مستقر الحال حامدا شاكرا، وذات يوم بهت الشيخ الذي يعظ حين جاءته الراقصة تريد التوبة علي يديه، وكفاها عذابا ولحمها الذي يتعري كل ليلة أمام العيون التي (تندب فيها حربة) وإذا بالشيخ يصرخ فيها متوسلا إليها ألا تتوقف: (ولما انت تتوبي أنا آكل منين وأعيش ازاي)!! أهدي هذه الصورة المرعبة في تجلياتها، الي الذين يعيشون من عام مضي علي أوجاعنا المستعرة، وعلي (حس) المظاهرات والاعتصامات وإذكاء النار في مستصغر الأشياء، ليتسني لهم الاستمرار والازدهار مع تدفق المال الديني والسياسي والفضائي، داخليا وخارجيا، فإذا هدأ المجتمع لحظة انتفض أياما وشهورا، وكلما هدأت نار اشتعل جحيم، تعودوا علي الهيجان العشوائي في ظاهره، المخطط له في باطنهم، سواء كانوا قوي سياسية (وهمية) أم منظمات تأكل حقوق الإنسان، أم أفرادا يلقفون ما يصنعون، وإلا ما هذه المبررات الساذجة التي تشتعل بسببها الشوارع والميادين في لحظة، إنهم يذهبون ليشعلوا نار الفتنة إذا خمدت، مثل هذا المثقف الذي لم يجد شيئا فذهب ليلهب الحماس، ويوهم بشرائط الداخلية والأمن، ويرعب الأبرياء، ويفعل ما يفعله الحاوي وصندوقه، وآخر يتواري خلف الأقنعة، ورابع خلف الأحجبة، وعاشر وراء الستائر يلاعب الصبية ببريق المال والدخانف. كلكم عالة علينا ، كلكم هربتم وتهربتم، وتركتكم النار الغبية تستعر، يا أيها (الحزبيون) .. يا أصحاب النعرات المضللة في الفضائيات.. ياأيها (الاستشاريون) الذين سقطتم في أول اختبار فوليتم الأدبار ولم تصمدوا إلا في أروقة القنوات التليفزيونية، يا أيها (الإخوان) الأعداء.. يا أصحاب (النور) المظلم.. يا أحفاد السلف أو يفترض ذلك ، والسلف منكم براء.. يا أيها المترشحون للكرسي الملعون.. وليس هو بالملعون أصلا، يا كل من لعقتم أحذية المواطنين البسطاء حتي ينتخبوكم نفاقا وعنوة وضلالا وتضليلا، يا هؤلاء وهؤلاء .. ارحلوا عن أكتافنا ، واغربوا عن عيوننا وأبصارنا، فأنتم هواء.. ولعتم البلد أنتم وكل من هلل وكبر ل (غزوات الصناديق) وكأنكم حررتم القدس، أنتم كلكم الأيدي الخفية، لا أستثني منكم أحدا، لا تقولوا الحق، وأنتم تكتمون، كلكم تختبئون في جحور السلامة ولكن علي طريقة (جحا) هل تذكرونها؟ لابد.. أنعيكم مرة ثانية:لغتكم وتفكيركم وتكفيركم ومؤتمراتكم وروابيكم وأعلامكم وخطابكم وأصواتكم وصوركم. قد كفرنا بكم وما نحن لكم بمؤمنين. ثقافة الأسئلة أخونا في الله حازم صلاح أبو إسماعيل قال: (عيب علي رجولة المصريين أن تخرج مسيرة نسائية) أين الرجولة هذه يا أخي الفاضل، مادام ليس فيكم رجل رشيد يا أهل السلطة، ويا أهل الكيكة، والقوي السياسية الوهمية، فإن للنساء الحق كل الحق، في أن يخرجن احتجاجا .. أليس كذلك ؟وليتك تتوقف وغيرك ممن هم علي شاكلتك عن البث السلبي في المجتمع الذي لم يعد قادرا علي تحمل صدمات جديدة، وأذكركم بكلمة للكاتب الراحل (يوسف إدريس):"الناس في صبرهم كالجمال تشهد وتسمع وتقاسي حتي تحين اللحظة" وقد وردت في قصته القصيرة (الهجانة) التي كتبها عام 1954 هل تذكر تاريخية ذلك العام الدامي، والدك ، يرحمه الله ، كان يدرك ذلك.