مع كل تعديل وزاري كان يطل علينا اخوان عبده مشتاق من خلال أجهزة الإعلام والإعلان، لكن مع تشكيل حكومة د.الجنزوري للإنقاذ الوطني حدث العكس، فقد اعتذرت شخصيات عن المنصب الوزاري لأنها تدرك تبعاته، وتقدر المسئولية حق قدرها خاصة في هذه الفترة الصعبة من تاريخ مصر، لذلك منهم من تردد في قبول المنصب ومنهم من اعتذر، وهذا ما وضع الدكتور الجنزوري في حيرة بين ضغوط الثوار واعتراضات بعض الفئات وردود أفعال المعتصمين في الشارع والميدان. ضغوط بطلب تعيين واختيار عدد من الشخصيات والشباب الذين نكن لهم كل تقدير واحترام لدورهم الوطني والتاريخي في القيام بالثورة وتضحياتهم التي لا تقدر بكنوز ومناصب الدنيا، فطبيعة مرحلة الإنقاذ تقتضي تواجد أصحاب الخبرات، الذين قضي النظام الفاسد علي الغالبية العظمي منهم، فمنهم من هاجر أو اعتزل ومنهم من فقد الثقة. ولكن البعض مازال يمتلك الثقة في هذا الوطن الغالي ومستقبله الذي ينتظره. أكثر من اسبوعين ود. الجنزوري يبحث ويفتش بحكم خبراته وعلاقاته عن أفضل العناصر التي توافق علي القيام بهذه المهمة الوطنية والتاريخية حتي خرجت الوزارة إلي النور بتوافق وقبول. صدعنا النظام السابق الفاسد طوال السنوات الماضية بشعارات جوفاء بأن كل ما يفعله من أجل الشباب ومحدودي الدخل والفقراء.. والأكثر فقراً! النظام السابق كان يؤكد في كل مرحلة البدء فوراً في تجديد دماء وأفكار القيادات لإعطاء الفرصة للصفين الثاني والثالث وباقي الصفوف التي تتوق للعمل والعطاء برؤي جديدة وخبرات متطورة كونتها علي مدار السنوات وتنتظر الفرصة لتحقيقها، ثم نفاجأ باستمرار القيادات التي »تبرك« في مواقعها سنوات طويلة بمسميات مختلفة للتحايل علي القانون! هذه المرحلة المظلمة لن تتكرر، وأن حكومة الإنقاذ الوطني سوف تصحح هذه الأوضاع التي لا يوجد مثيل لها في العالم، وعندما تلتقط الحكومة أنفاسها لن تتواني عن التقاط الكفاءات الشابة أصحاب الخبرات، وليس أعضاء السياسات بالحزب السابق المنحل لكي تكلفها بالمهام الوظيفية والوطنية. كنت أتمني أن تكون أولي القضايا التي تناقشها حكومة الإنقاذ الوطني في أول اجتماع لها هي قضية البطالة بعد الأمن طبعا أو قضية إعادة توزيع الدخل القومي وحسن إدارة الموارد وإزالة الفروق الشاسعة والتفاوت الكبير بين أجر الوظيفة الواحدة، فمرتب مهندس في قطاع البترول يعادل أضعاف مرتب زميله المعين في أجهزة المحليات.. ومرتب محاسب في وزارة الاستثمار يفوق أضعاف أضعاف مرتب زميله في وزارة القوي العاملة أو الصحة أو الداخلية، فتحقيق المساواة في مرتب الوظيفة الواحدة في القطاع الواحد ايضا يحقق الرضا النفسي ويدفع الجميع للعمل والإنتاج ويحقق زيادته وجودته وهو ما يحقق انطلاقة اقتصادية تعود نتائجها علي المجتمع بأكمله. وثاني القضايا هي الإهدار الذي نراه تحت عيوننا يوميا والتعطيل لإمكانيات منشآت حتي لو تمت بدون أي مخالفة إنشائية فإن عدم استعمالها هو استثمار معطل لأن المبالغ التي أنفقت فيها قد ذهبت إلي البحر، فالمستشفيات والمراكز الصحية التي بنيت في مختلف المحافظات وبقيت مهجورة سنوات طويلة رغم أن أقلها استهلك عشرات الملايين من الجنيهات في الإنشاء واستكمال المشروعات القائمة، وتشغيل الطاقات العاطلة التي توقفت عن العمل والإنتاج. ونتمني من حكومة الإنقاذ أن تغلق أبواب الإهدار في المشروعات الخاطئة والبدلات والرحلات المظهرية والاستشارات غير الضرورية قبل أن تتحدث عن الدعم الذي لا يمنعها من إلغائه سوي علمها بما يقاسي منه اكثر من نصف الشعب المصري الذي يعيش تحت خط الفقر، والذي استطاع د. الجنزوري خلال توليه حكومته الأولي في الفترة 69-99 خفض نسبة الفقر 4٪ هؤلاء الفقراء يمكن أن يبيتوا دون عشاء إذا تخلت عنهم! لا نريد قرارات قديمة من الحكومة الجديدة، بل نريد آليات جديدة لمواجهة المشاكل، وليس تجديدا لقرارات قديمة أصدرتها حكومات سابقة وبقيت حبرا علي ورق في أرشيف محاضر اجتماعات مجلس الوزراء، بل نتمني أن يتم تفعيل القرارات السابقة بدلا من إعادة إصدارها في صيغة جديدة، وعلي رأسها مشكلة أنبوبة البوتاجاز ورغيف الخبز، علي سبيل المثال.. وقرار حظر استيراد السلع والمنتجات التي يوجد منها منتج محلي وقد تم اتخاذه عدة مرات في حكومات سابقة وكانت هناك قوائم بالسلع المحظور استيرادها للحكومة وسلع أخري لم نكن نعرفها من قبل وتم استيرادها لكي نتعرف عليها! كما تم استيراد العديد من السلع ذات البديل المحلي وكان الرد هو السماح بالمنافسة لإجبار المنتجين المصريين علي تحسين وتجديد وتسعير منتجاتهم.. وكانت الجهات والهيئات الحكومية في مقدمة المستوردين، وأثارت الصحف قضايا عديدة حول أثاث مكاتب بعض الوزراء وكبار المسئولين التي تم استيرادها في فترة كانت مصر تعاني فيها من أزمة نقد أجنبي! كما تسربت العديد من مكونات المشروعات العامة بحجة وجود منحة أجنبية تشترط الشراء من الدول المانحة. وإذا انتقلنا إلي قرار الامتناع عن توصيل الكهرباء عن العشوائيات بعد سبتمبر فإن إحصاء عدد المرات التي صدر فيها هذا القرار من قبل سيكون مهمة شاقة جدا لأنه من التصريحات الدورية لكل وزارة سابقة ولم يكن يصمد شهورا، وفي كل مرة يتم التراجع عنه تحت ضغط الأمر الواقع، وموعد الانتخابات البرلمانية والمحلية أيضا.. ولا نعرف لماذا الكهرباء فقط علما بأن المناطق العشوائية تتمتع منذ البداية بتوافر مياه الشرب وأحيانا الصرف الصحي والتليفونات! وإذا صدر مثل هذا القرار فسيكون تأكيدا علي أن الحكومة في قرارها الجديد تسير علي نفس الطريق الذي سارت عليه الحكومات السابقة وهو الاعتماد علي العقوبة فقط رغم اننا نعلم ان السبب الرئيسي لانتشار العشوائيات هو رخص سعر المتر المربع من الأرض الزراعية عن متر الأرض الصحراوية الذي تتحكم الدولة في بيعه، وإذا تغير الحال وأصبح ثمن متر الأرض الصحراوي أقل من الزراعي سيتوقف المواطنون مباشرة عن تبوير الأرض الزراعية، فمزايا البناء علي الأرض الصحراوية كثيرة وهي أفضل ألف مرة من البناء علي الأرض الطينية التي تتعرض للهبوط ولها العديد من المشاكل الفنية والصحية والاجتماعية حتي بعد سكنها! وإذا ظلت الحكومة تنظر هذه النظرة الضيقة للأرض الصحراوية باعتبارها مصدرا سريعا وسهلا لتحقيق السيولة النقدية للحكومة فستظل المشكلة علي ما هي عليه وسيستمر الزحف علي الأراضي الزراعية وفي كل مرة تتراجع الحكومة وتقدم المرافق تحت ضغط الأمر الواقع. وإذا كان لنا رجاء نكرر مئات المرات فهو الحد من تعيين الخبراء والمستشارين وترشيد الإنفاق الحكومي، وتمصير الوظائف التي يشغلها عمال اجانب مهما كانت قليلة العدد لأنها كثرت بشكل لافت للنظر حتي ولو كانت وظائف بسيطة، والحد من تشكيل اللجان، حتي نعطي الفرصة للعاملين بأجهزة الدولة أن يباشروا مهام وظائفهم، وتفعيل دور المجالس القومية المختلفة وإعادة تشكيلها بعناصر شابة لاكتساب الخبرات ودفع دماء جديدة في هذه المجالس حتي تحقق أهدافها، والحد من إنشاء الهيئات والأجهزة بتفعيل القائم وتحديثه وتطويره وفقا للمتغيرات منعا للازدواج وتضارب الاختصاصات والمسئوليات مثل الهيئات والأجهزة والوزارات التي تملك التصرف في أراضي الدولة، والتفتيش علي السلع الغذائية والتي تتعدد لتصل إلي عشرات الأجهزة والهيئات والوزارات! وتفتح الباب للفساد والإفساد! إصدار القرارات أسهل وأبسط ما يمكن أن تقوم به أي حكومة، المهم ان تكون القرارات واقعية وأن تكون هناك آلية لتنفيذها.