»مغلق للتحسينات« لافتة كبيرة ظلت معلقة علي مكتبة دار المعارف بوسط البلد »فرع عبدالخالق ثروت« لإشهر عديدة حتي كان الافتتاح أخيرا قبل أيام. ومع الحدث السعيد يمكننا ببساطة ملاحظة حجم التغيرات وطبيعة الانقلاب الذي احدثه التجديد والذي يمكن رؤيته رأي العين .. ديكورات وأرفف جديدة »وفاترينة« اعيدت صياغة الكتب فيها وفقا لسياسة جديدة حكمت توريد وتصنيف وتوزيع الكتب داخل المكتبة. كتب واصدارات دار المعارف لم تعد هي عنوان المكتبة، ثمة كتب اخري متنوعة من اصدارات دور نشر اخري »خاصة علي الاغلب«. اصدارات دار المعارف وكتبها المهمة والتي صنعت لها تاريخا عريقا كواحدة من اهم دور النشر في العالم العربي.. الارفف الشهيرة والاركان المخصصة لكتب طه حسين واخري لكتب العقاد وزكي نجيب محمود او لكتب التراث العربي علي اختلاف انواعه.. لم تعد هكذا ربما تحتاج الي البحث عنها والسؤال.. بعض اصدارات دار المعارف لا يوجد لها مكان للعرض داخل المكتبة الجديدة فوضعت في »كراتين« لتعود مرة اخري الي المخازن والنسيان.. بينما اصدارات دور النشر الاخري هي صاحبة الغلبة والحضور.. وهكذا تحولت مكتبة »دار المعارف« الشهيرة بعد التحسينات الي »موزع عام«!! ماذا حدث بالضبط؟! قصة طويلة ليس من بينها الخصخصة، برغم كل السعي والهرولة وراء البيع والشراء، وبرغم قيم السوق التي تجتاح الحكاية. صحيح ان د. محمود محيي الدين وزير الاستثمار لا يعتد كثيرا بخصخصة المؤسسات الاعلامية والصحفية باعتبارها مؤسسات سيادية ليس بسهولة بيعها وشراؤها.. لكن هناك دائما من يؤمنون بسهولة ذلك متسائلين وما المانع؟! ما حدث في دار المعارف يستوجب التوقف والسؤال.. فعلي امتداد سنوات طويلة تخرج دار المعارف من عثرة الي عثرة اخري.. الاهم ان اصداراتها من الكتب والتي شكلت دائما الصناعة الثقيلة في الثقافة.. هذه الكتب لم يعد طبعها مرة اخري ،علي سبيل المثال »كليلة ودمنة« »كتب العقاد«.. الجزء الخامس من ديوان البحتري الذي ظل ناقصا طوال الوقت، وبعض الروايات المترجمة منها »جريتا« ولاسباب رقابية! الاصدارات الحديثة من الكتب هي احدي العثرات الكبري فقد تراجعت اهميتها وتأثيرها كاشفة عن حجم الاخطاء والتهاون، وبدلا من مراجعة الامر وتصويبه والاستعانة بخبراء ومتخصصين وكفاءات لاستعادة مجد النشر كان الحل الاسهل.. وهو الاتجاه للبيع او الايجار. نفي المسئولون بدار المعارف بقوة وجود صفقات للبيع، نفوا ايضا مسألة »التأجير« مكتفين بالتصريح بأن ثمة شراكة مع شركة الجزيرة انترناشنال لتوريد الكتب الي مكتبة دار المعارف بوسط البلد. والحقيقة ليست كذلك بالضبط.. فقد تم ازاحة كل الموردين لحساب شركة الجزيرة »وهي مطبعة بالاساس« والتي قامت وحدها باحتكار توريد الكتب الي مكتبة دار المعارف. الحقيقة ايضا ان »الجزيرة انترناشينال وهي »مطبعة خاصة« قامت بالفعل بتأجير فرع دار المعارف بوسط البلد وتغيير هويته وهوية الاصدارات لتتحول دار المعارف الي مكتبة عامة أو موزع عام لكتب الناشرين الآخرين. شركة الجزيرة أو مطبعة الجزيرة لا تعنينا كثيرا فهي حرة في حركتها وفقا لقوانين السوق.. لكن ما يفزعنا حقا هو التاريخ الذي يطاح به امام أعيننا دون ادني إحساس بالخطر أو دون إحساس بالأسف أو بالاسي.