في يوم 29نوفمبر 1956 فوجيء العالم بالجيش الإسرائيلي يتوغل في سيناء المصرية! وبعد 24ساعة فقط كانت الطائرات الفرنسية والبريطانية تسقط قواتها بالباراشوت فوق منطقة قناة السويس! العدوان الثلاثي علي مصر قوبل بالرفض العالمي من الأصدقاء والأعداء معاً. الاتحاد السوفيتي ندد به. والولاياتالمتحدة رفضته. ودول عدم الانحياز شجبته. والأمم المتحدة أجمعت علي وقف العدوان وسحب قواته من الأراضي المصرية فوراً. عزل دول العدوان الثلاثي عن المسرح السياسي العالمي واستمرار الضغوط عليها أجبرها بعد فترة قصيرة علي الخضوع وسارعت بسحب قواتها مما عرّض الدولتين العظميين بريطانيا وفرنسا لمهانة ما بعدها مهانة أمام شعوب العالم بصفة عامة والشعبين الانجليزي والفرنسي بصفة خاصة. في المقابل.. ارتفع اسم »ناصر« إلي السماء. ويقول الكاتب إيتان دوبوي إن الشارع العربي من دمشق إلي الدارالبيضاء وجد في (الريس) بطلاً قومياً استطاع أن يهزم الدولتين الكبيرتين اللتين تناوبتا احتلال بلادهم وإذلال شعوبهم خلال قرون عديدة ماضية. وهو ما اعتبره الشارع العربي بداية لصحوة ونهضة للشعوب العربية في المشرق والمغرب. ارتفاع أسهم جمال عبدالناصر في المنطقة وخارجها أقلق الإدارة الأمريكية آنذاك ووجدت فيه خطراً يمكن أن يهدد ما خططته الولاياتالمتحدة لمصالحها في الشرق الأوسط، ولابد من مواجهته والتصدي له. فهي أي الولاياتالمتحدة لم تقلص إلي أدني حد النفوذ البريطاني والفرنسي في الشرق الأوسط، ليأتي »كولونيل« مصري ليفرض نفوذه بديلاً عنهما (..). في بداية شهر يناير 1957 بعث الرئيس الأمريكي أيزنهاور رسالة إلي الكونجرس أكد فيها أن عدم استقرار الوضع في منطقة الشرق الأوسط بتسلل النفوذ الشيوعي إلي دولها مما يهدد مصالح العالم الحر فيها. واقترح أيزنهاور برنامجاً طموحاً لتقديم مساعدات اقتصادية وعسكرية للدول الصديقة لحمايتها من مخططات الشيوعية العالمية. كما ألمح إلي استعداد بلاده لاستخدام قواتها الأمريكية في التصدي لأي تدخل عسكري تشنه أية دولة خاضعة للنفوذ الشيوعي علي دولة صديقة رافضة لهذا النفوذ. وتساءل جمال عبدالناصر نقلاً عن كتاب إيتان دوبوي عن نظرة الرئيس الأمريكي لمصر، وفي أية قائمة تصنيف وضعها فيها؟! هل في قائمة الدول المستقلة وغير المنحازة، أم في خانة الدول التي تخلت عن سيادتها وتتلقي مواقفها وقراراتها، أولاً بأول، من عاصمة الشيوعية العالمية: موسكو؟! وعندما لم يحصل ناصر علي إجابة عن سواله، أوقف كل اتصالاته مع الولاياتالمتحدة كما رفض استقبال مبعوثيها إلي القاهرة. بهذا القرار أيقنت واشنطون أن مصر لم تعد دولة صديقة. والأكثر من ذلك اعتبرتها دولة معادية خاضعة للهيمنة السوفيتية الشيوعية(..). رد فعل الولاياتالمتحدة لم يأت منفلتاً كما فعلت بريطانيا وفرنسا بعد قرار عبدالناصر بتأميم قناة السويس وإنما جاء عقلانياً في علانيته وخبيثاً في سريته. لم تجهر واشنطون بعدائها ل»ناصر« حتي لا تفقد صداقة العديد من الدول التي حصلت مؤخراً علي تحررها من الاستعمار أو تلك التي لاتزال تسعي لنيل استقلالها. فهذه الدول وتلك تجمع علي انبهارها بالرئيس المصري، و ترفض أي تآمر عليه أو نظام حكمه من أي بلد آخر حتي من الولاياتالمتحدة التي تدعمها بالأموال والعناية والرعاية، فهي علي استعداد لرفض هذه المساعدات وقطع العلاقات مع الدولة العظمي ما دامت تتحرش ببطل الاستقلال وتتآمر عليه. هكذا.. اضطرت الإدارة الأمريكية إلي التخلي عن الجهر بعدائها لجمال عبدالناصر، وفي الوقت نفسه سعت إلي آخرين من داخل مصر وخارجها للقيام بتنفيذ مخططهم في التخلص من جمال عبدالناصر(..). و للحديث بقية.