مهما قلت للآخرين وهم كثيرون أن عين العقل أن ينفصل الدين عن السياسة، وأن لامعني أن يمثلك في حياتك السياسية رجل يتكلم باسم الدين ومن تحت غطاء ديني، قالوا لك: نجرب!، جربنا في ستين سنة كل الأصناف: سياسي بدون دين ، وسياسي بنصف دين، ودولة الدين لله والوطن للجميع ، وسياسة طلوع الدين! السياسة هي فن الكذب للوصول إلي ماتريد بأي ثمن بأي طريقة بأي حال ، فكيف نضع الدين معها في نفس الجملة ونصنع بهما خلطة جديدة، كيف نتكلم باسم الله في أمور الحياة اليومية بمشاكلها وأزماتها ومكاسبها، السياسي رجل له لسان ناعم طري متلون طول الوقت، أما الرجل الذي يضع دينه بين عينيه الرجل الرجل فهو لايملك إلا لسانا قادرا علي أن يقول الحقيقة طول الوقت ، لايتلون ولايتحول ولا يملك حاسة الكذب! قال مرة تشرشل ينصح مواطنيه : انتخبوا أكثر رجل قادر علي الكذب، فهو أفضل من يمثل رغباتكم ويدافع عن حقوقكم، نفس المعني تقريبا قاله نابليون في مذكراته حين كتب: أكبر كذبة في حياتي قلتها للمصريين حين أقنعتهم أنني سوف أحمي مقدساتهم وطقوسهم الدينية ومساجدهم ومصالحهم وأرواحهم! في مذكراته البحث عن الذات يكتب الرئيس الراحل أنور السادات عن أكاذيبه الكبيرة التي صنعت منه زعيما كبيرا، كذب علي الناصريين حتي أزاحهم، كذب علي الروس حتي طردهم، كذب علي أمريكا حتي هزم إسرائيل.. وهكذا ! من يملك منكم سياسيا لم يكذب بدلا من الكذبة.. ألفا، يقول لنا! .. الكذب في السياسة فضيلة السياسي البارع، ملح طعام السياسي الداهية، يكذب كأنه يتنفس، يحلف بكل الكتب السماوية دون أن يطرف له عين ، وأنا لا أرضي لرجل يعرف الله حق معرفة، يخافه ويسجد له بدموع ساخنة سخية ، يعمل كما قال الله ورسوله، لا أرضي له أن يكذب ، أنا أحترمه رجل متدين إلي أبعد حد، يخاف شعرة أو هفوة في ميزان أعماله، أدعو له الله أن تبقي علاقته بالله سبحانه وتعالي حقيقية نظيفة صادقة ، فكيف وهو قرر بملء إرادته أن يخلط دينه الصافي بالسياسة الكاذبة التي تقوم علي الصفقات المريبة! وإذا قلت لهم أرجوكم دعوا الدين لله والوطن للجميع، قالوا هم أيضا: نجرب! لقد جرب الجميع إلا نحن، كانت كل الأصناف فوق الأرض ونحن تحتها ، كانت كل الأفكار السياسية تجد لها مكان في العلن، ونحن نطرح أفكارنا في السر، وعلي الرغم أن الأمر ليس حقيقيا تماما، أو تماما ليس حقيقيا، ففي السنوات الأخيرة وقبلها كان لنا في كل مكان من يخلط الدين بالسياسة ويعرضها تجارة رابحة، فأنا أتوقف مرة أخري وليست أخيرة أمام نفس الإجابة: نجرب ! إذا نحن في الطريق أو علي عتبة سنوات : نجرب ، عصر التجربة ! .. فإذا كان ولابد أن نجرب طعما آخر للحياة السياسية في مصر، والتي تتبعها بالضرورة حياتنا الاجتماعية والاقتصادية، فأنا لا أصدق أن أعيشها تحت شعار: جربني ! .. أفهم وأصدق وأتمني وأنتظر أن تعلن كل جماعة من موقع مسئوليتها فصل الدين الذي هو لله عن السياسة التي هي للناس. أنا أحترم صندوق الإنتخابات، وأخالف من يقول إن الناس اختارت مرشحيها عن جهل أو نفوذ أو طمع أو رشوة ، هذا إتهام لا أقبله من الصفوة للمواطن البسيط الواعي، حدثت تجاوزات لاتذكر ولاتنكر، لكن الأصل أن المواطن إختار خير من يرشحه من وجهة نظره الشخصية، ويبقي علي من فاز أن يحترم المواطن ، وأن يظل وفيا علي وعوده التي قطعها وهباته التي منحها ، وإن كان صعبا ، فأهلا بالسياسة .. بأكاذيبها اللذيذة الشهية التي لاتربك المعدة ولا توجع القلب، بكل قدرتها علي التراجع عن وعود أو التهام كلام لا يودي ولايجيب، وقتها.. ماينفعش أبدا نكذب علي ربنا ونقول قال الله وقال الرسول. صلي الله عليه وسلم.