كل الدلائل تشير الي ان العراق مقبل خلال الاسابيع القليلة القادمة علي تطورات محورية شديدة الانحدار والانفجار. فالولاياتالمتحدة، التي سحبت فعلاً معظم قواتها المحتلة من العراق ونقلتها الي قواعد في الكويت وافغانستان أو أعادتها الي بلدها، توشك ان تسلم العراق رسمياً الي ايران ولاية الفقيه. دعك عما يقال عن السيادة العراقية والعملية السياسية والحكومة الوطنية المنتخبة. فليست هناك أي سيادة لهذه الحكومة المشلولة الفاسدة إلا علي المعتقلين. ولا داع للتفتيش عن ايران في مفاصل الدولة والمجتمع، فهي موجودة في كل مؤسسة وكل شق في جدار وكل حزب من أحزاب السلطة. أما الجيش والشرطة والاستخبارات والمخابرات والأمن فهي كلها مخترقة وخاضعة لاشراف ايراني مباشر، وليس من وراء الستار، أو عبر العملاء من ذوي الجنسيات المزدوجة. ولم تنتظر طهران جلاء آخر جندي أمريكي عن العراق في نهاية شهر ديسمبر المقبل، فبعثت فوراً الي العراق "ولياً فقيهاً" جاهزاً و"هوم ديلفري" ليكون المرجعية الدينية المنافسة لمرجعية السيد علي السيستاني الرجل الذي نفض يديه منذ أكثر من عام من حكومة نوري المالكي ونأي بنفسه عن فسادها واستهتارها وجرائمها. وليس سراً ان السيستاني رفض إستقبال المالكي مراراً وتكراراً، بل ورفض إستقبال أي مسئول في الحكومة الحالية من رئيس الجمهورية الي رئيس مجلس النواب الي رؤساء الكتل السياسية تعبيراً عن إعتراضه علي ما يجري. ومع تنامي العزلة الدولية التي تعاني منها ايران، وجدت طهران ان عليها ان تتجه نحو المشرق العربي، وبوابته الاولي هي العراق الجاهز الآن للابتلاع والتقسيم والتعجيم، وصولاً الي لبنان المخطوف فعلاً من قبل حزب الله الطائفي وفيلق القدسالايراني. واللعبة السياسية الايرانية اليوم مكشوفة أمام الجميع، فهي لا تريد هدر الوقت وإضاعة الفرص واللعب في الوقت الضائع. فكل الظروف الاقليمية الحالية مواتية للاتجاه نحو السهول والسواحل العربية بدءاً من العراق ونزولاً الي دول الخليج العربي وإنحرافاً الي شمالي أفريقيا. وبدلاً من ان يكون "الربيع العربي" حصانة وقوة للامة العربية في وجه الاطماع الاجنبية، وبضمنها ايران والكيان الصهيوني، حَوّل مساحات واسعة من الوطن العربي الي ما يشبه "الرجل المريض" العثماني في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. كيانات ممزقة أو توشك ان تتمزق، ونفوس يائسة ومحبطة ومنكسرة بعد ان كان نسيم "الربيع العربي" أملاً كبيراً بنهوض الامة من جديد وإستعادة وحدتها وقوتها واستقلالها وكرامتها. نحن الآن في مرحلة "إنعدام وزن" مثل تلك التي يعيشها رواد الفضاء. إلا ان الفرق هنا هو ان "إنعدام وزن" رواد الفضاء خطوة نحو التقدم، بينما "إنعدام الوزن" لدينا هو خطوات نحو التراجع. وموضوع مقالي اليوم ليس عن الربيع العربي، فهو عن الشتاء الساخن العراقي، وإليه أعود. لقد وصل الي بغداد (أو سيصل) ولي الفقيه الايراني، وهو "آية الله" هاشمي شاهرودي مبعوثاً من المرشد الايراني علي خامنئي، ليعلن رسمياً بدء عهد ولاية الفقيه في العراق رغم إعتراض الاغلبية الساحقة من شيعة العراق ذوي الجذور العربية الاصلية. وهذا الرجل الصفوي من مواليد النجف في العراق في عام 1949 وغادره في الثمانينيات من القرن الماضي عقب إندلاع الحرب العراقية - الايرانية. وكان يشغل قبل "تنصيبه" ولياً أو والياً علي العراق منصب رئيس الهيئة العليا لحل الخلافات بين السلطات الثلاث في ايران. كما تولي حتي عام 2009 رئاسة السلطة القضائية في النظام الايراني الذي لا يعترف بأي قضاء غير قضاء ولي الفقيه الطائفي وغير الانساني. وأسس في ايران المجلس الشيعي الاعلي في العراق وهو المرجعية الاعلي لحزب الدعوة الذي يقوده نوري المالكي. اذن هو شخصية غير عادية في النظام الايراني وقادم الي العراق في مهمة إستثنائية. المرحلة المقبلة بعد الانسحاب الامريكي هي مرحلة فك الشراكة بين طهران وواشنطن في حكم العراق. ولن يستطيع "المدربون" العسكريون الاميركيون الذين سيطلب المالكي من الولاياتالمتحدة ارسالهم الي العراق لعب أي دور لا تسمح به ايران. أما موقف حكومة المالكي من فخامة ولي الفقيه الايراني المعتمد في بغداد فقد عبرت عنه القناة الفضائية الحكومية بقولها "انه لا يأتي للشارع الشيعي فقط، وإنما لكل العراقيين". أي انه جاء ليحكم العراق كله وليس الطائفة الشيعية فقط. وكان المالكي قد إجتمع مع شاهرودي في قم في العام الماضي لبحث أوضاع العراق وصلي خلفه العصر والعشاء. إستيقظ يا ربيع العرب.. فقد وصل القطار الي المحطة وعلينا ان لا ننسي "حقيبة" الأمل.