يتم حاليا تشييد متحف الحضارة المصرية (100.000 متر مربع من المباني ويمتد المحيط الخارجي للمتحف علي مساحة تزيد علي 200.000 متر مربع) وهو واحد من المشروعات الضخمة التي ترجع فكرتها إلي 1982 .ويختلف متحف الحضارة المصرية عن غيره من المتاحف الأثرية بتبنيه لعرض التراث المصري الحضاري من عصور ما قبل التاريخ إلي عصرنا هذا بفتراته التاريخية المتعددة وبجوانبها الأثرية المادية وجوانبها اللامادية المعنوية من فنون وآداب ومعارف وتراث شعبي. متحف قاعات مخصصة للمعالم الأساسية للحضارة المصرية وتشمل فجر الحضارة، النيل، الكتابة، الدولة والمجتمع، الآثار والتراث المادي، والعقائد والمعارف.وهو لذلك طفرة غير مسبوقة في تاريخ المتاحف المصرية ليمثل متحفاً قومياً لا ينغلق علي فترة بعينها ولا ينحصر علي الشواهد المادية الأثرية فحسب. وما من شك في أن البناء المعماري، من تصميم الدكتور الغزالي كسيبه تقوم بتنفيذه شركة حسن علام بتمويل من صندوق النوبة صرح متحفي مذهل. وعلي مدي يومي 19-20 أكتوبر 2011 اجتمع لفيف من الخبراء الموفدين من قبل اليونسكو مع طاقم المتحف من المدراء والأمناء وغيرهم ليتناقشوا وليتداولوا حول رسالة هذا المتحف وما يحتاجه من آليات في المراحل القادمة. ومع أن المهندس المعماري الغزالي كسيبه فاز بمسابقة تصميم المتحف في 1983 فما زال المبني تحت الإنشاء وإن كان قد قارب علي التشطيب النهائي .وكانت منطقة عين الصيرة قد اختيرت كموقع له في 1999 وأرسي حجر الأساس في 2002 وبدأ الإنشاء في 2004. وفي 2007 بدأ نقل المجموعات الخاصة بالمتحف وكان من المتوقع إفتتاحه في 2009 . وفي عرض شيق للعروض الأساسية بالمتحف قدم الدكتور علي جبر والفنان محمود مبروك رؤية لما ستتضمنه الأقسام النوعية. كما قدم عميد دراسات التراث الشعبي الأستاذ الدكتور أحمد مرسي والدكتورة نوال المسيري بأسلوب خلاب مدخلاً إلي التراث اللامادي تعرضا فيه إلي نقطة غاية في الأهمية وهي القيم الأخلاقية والعبر والمفاهيم المجتمعية التي تمثل العمق التراثي المخزون في الأمثال والحكايات الشعبية والأغاني. وفي اعتقادي أن هذا الجانب من المتحف هو من أهم ما يمكن أن يقدمه، ويجب أن يكون متغلغلاً في جميع العروض حتي ترتبط الآثار المادية بالعمق المجتمعي للشعب المصري علي مر العصور مع اختلاف اللغة والديانة ونظام الحكم.. وتكمن أهمية هذا المنظور في وصل ما انقطع بين الآثار "كمتحف" أو عاديات نتأملها كقطع فنية أو معمارية بلا مدلولات حضارية ومجتمعية بدون علاقة بالثقافة الشعبية وما يترتب علي ذلك من قطع الجذور وقطيعه معرفية بين الحاضر والماضي، وتغليب تراث المراحل الحديثة من التاريخ علي غيرها من السوابق الحضارية التليدة. وفي محاضرة قدمتها السيدة كاثرين برجل رئيسة قسم التعليم والبرنامج العام (الخاص بالأهالي) في متحف ثقافة العالم بالسويد تظهر أهمية دور المتحف التثقيفي عن طريق عروض حية تفاعلية يشارك فيها الجمهور. ويتوافق ذلك مع ما قدمه الدكتور خالد عزب من ملاحظات قيمة عن كيفية الترويج للمتحف حتي قبل إفتتاحه الرسمي، وقد قدم اقتراحاً بالبدء في الإعداد لمهرجان عن الحرف والصناعات وأظن أن من المناسب أن يتفاعل المتحف مع الأحداث الجارية ويقيم احتفالية عن مصر الثورة يقدم فيها البعد الحضاري لثورات المصريين عبر العصور ومنها ما قام به المصريون في نهاية عصر الأهرامات وخلال حكم الرومان والأتراك والمماليك قبل ثورات العصر الحديث. والمتحف حالياً جاهز لمثل هذه الاحتفاليات التي ستساهم في نشر الوعي بمقدرات هذا المتحف وما يمكن أن يلعبه من دور في هذه المرحلة التاريخية وأن يؤكد من خلال هذه الاحتفالات علي أن المتحف ليس متحفاً تقليدياً مهمته عرض الآثار وصيانتها وعرضها وأنه ليس متحفاً للسياح وأنه في المحل الأول متحف للشعب تعرض فيه معالم تراث هذا الشعب الحضارية بأبعادها المتعددة والتي تعكس قيمه ومفاهيمه ونظرته للوجود والمجتمع والأسرة والحياة. وكان من دواعي دهشة بعض الحضور الذين لم تتاح لهم فرصة المشاركة في مشروع هذا المتحف أن تأتي مناقشة الجلسة الختامية لوضع رؤية ورسالة للمتحف بعد أن قارب المتحف علي الإنتهاء وبعد أن أختيرت المجموعات والمعروضات، وبعد أن تم تحديد موضوعات العرض، ومن البديهي أن يسبق تحديد رسالة المتحف كل هذا. ومن الضروري ألا تقتصر هذه المناقشة علي بعض العاملين في المتحف وأن تتسع لتشمل دوائر المثقفين والمفكرين والفنانين والأدباء وممثلي للشعب بأطيافه حتي يكون هذا الصرح الذي أنفقت وتنفق عليه الملايين من أموال هذا الشعب تعبيراً عن رؤية حضارية مجتمعية مما سيكون له أعظم الأثر في الإعلام عن هذا الصرح الذي لا يعلم عنه المصريون شيئاً. وأنا أطمع شخصياً في أن تكون أهم أهداف هذا المشروع هي المساهمة في تشكيل الوجدان المصري في هذه المرحلة التاريخية الحرجة التي نحن أحوج مانكون فيها الي إعادة صياغة الماضي لتعميق مفاهيم المواطنة والتراث المشترك بنواحيه المتعددة خاصة ما يتعلق بالتراث الفكري والمعرفي للشعب، وتعزيز مفاهيم التواصل الحضاري عبر العصور مع اختلاف الثقافات واللغات والأديان ودعم دور التراث لا كرصيد مجمد ولكنه كمصدر للإبداع والإبتكار والتجديد نستثمره في سبيل مستقبل أفضل. وسيتطلب تحقيق هذه الأهداف، بالإضافة إلي تحقيق ما يلزم من توثيق للمجموعات ودراستها ووضع ما يلزم لها من شروح وتفسيرات وصيانة وعرض، تأهيل الكوادر اللازمة للقيام بذلك وكان هذا مطلباً من مطالب العاملين حالياً بالمتحف وما أكد عليه الدكتور المهندس علي جبر كواحد من أهم ما يجب الاهتمام به في المرحلة القادمة.