استمر هروب عناصر القاعدة من تورا بورا إلي باكستان، بعد الضربات التي تلقوها بأيدي القوات الخاصة الأمريكية. تأكد الهروب بعد أن تراجعت المقاومة بشكل كبير من جهة، ولخلو الكهوف والمخابئ الجبلية من المسلحين من جهة أخري. تلقي الأمريكيون من حلفائهم الأفغان معلومة تؤكد أن عدوهم الأول أسامة بن لادن أصبح في حالة يرثي لها بعد الخسائر الكبيرة التي أفقدته الكثير من قواته وأسلحته. وأضافت المعلومة بلسان أحد شيوخ القبائل أن بن لادن غاضب أشد الغضب من خيانة الأفغان الذين تحالفوا مع العدو الكافر وتجسسوا عليهم لحسابه ونقلوا إليه أسرارهم، وتحركاتهم، ومواقعهم(..). وتأكيداً لحالة اليأس التي يعيشها آنذاك بن لادن، تكشفت رسالة قيل إن زعيم القاعدة وجهها إلي أنصاره قال فيها: إن الله يعرف أنه أوقف حياته كلها من أجل رفعة الإسلام ونصرة المسلمين، ويعلم سبحانه أيضاً أنه لم يجد عوناً ولا مساندة من الدول والحكومات والقبائل التي تزعم أنها تدين بالإسلام (..). وقيل أيضاً إن بن لادن استدعي ابنه والمقربين منه وصارحهم بأن الأيام القادمة ستزداد صعوبة عليهم، وأنه يوصيهم إذا ما يخشاه ألاّ يسمحوا باعتقاله وعليهم أن يحققوا أمنيته في الموت شهيداً(..). بعدها.. انقطعت المعلومات عن بن لادن. قيل إنه تسلل عبر الحدود إلي باكستان. وقيل أيضاً إنه ترك تورا بورا لكنه مايزال داخل أفغانستان في كهف جبلي لا يعرف أحد مكانه. وقد عبر الجنرال تومي فرانكس أحد قادة الحملة الأمريكية عن هذه الحيرة، في كتاب أصدره فيما بعد قائلاً: [منذ منتصف ديسمبر2001وحتي منتصف يناير ونحن لا نعرف أين اختفي زعيم تنظيم القاعدة؟ قلنا إنه قتل، ثم نفينا موته! أكدنا أنه داخل أفغانستان، ثم رددنا أنه خارجها!]. استمر هذا التخبط في تحديد مكان أخطر إرهابي شنت أقوي دولة في العالم حرباً شاملة من أجل تصفيته، إلي أن فاجأنا أسامة بن لادن بالظهور »حياً يرزق« لأول مرة علي شاشة قناة »الجزيرة« قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2004 التي يخوضها جورج بوش للمرة الثانية، والأخيرة.. لعل وعسي يقلل هذا الظهور العلني للإرهابي الكبير من فرصة إعادة انتخاب جورج بوش الابن عقاباً له علي الحرب التي شنها من أجل إبادة تنظيم القاعدة وزعيمها المسئول الأول عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر2001 التي راح ضحيتها أكثر من 3000مواطن أمريكي! وعودة إلي كتاب »اغتيالات قادة ورموز أجانب بأيدي الولاياتالمتحدة« الذي أصدره الكاتب، والمؤرخ، الصحفي السويسري:إيتان دوبوبوي لنقرأ ما نقله الكاتب عن أحد المسئولين الأمريكيين عن هذا التخبط المعلوماتي الذي وقعت فيه قيادة الحرب الأمريكية ضد الإرهاب وجاء فيه: [لقد جئنا إلي أفغانستان دون أن نعرف حقيقة وقدرات القبائل الأفغانية التي تحالفنا معها للقضاء علي التنظيمات الإرهابية، بصفة عامة، وتنظيم القاعدة وزعيمه الإرهابي الأخطر أسامة بن لادن. كنّا نتصور أن هذه القبائل الحليفة أو معظمهم علي الأقل كان لديها قدرات معلوماتية حقيقية، وصفات تنظيمة وقتالية متعارف عليها.. لكننا فوجئنا، وصدمنا، بأن هؤلاء الحلفاء يمكن أن يكونوا أي شيء غير ما كنّا ننتظره منهم. والصدمة الكبري كانت في اعترافنا المخجل بعد مرور أسابيع عديدة علي بدء حربنا في أفغانستان بأن من تحالفنا معهم كانوا من العصابات الخارجة علي القانون، ومن قاطعي الطرق، وسارقي القوافل! .. وللحديث بقية.