أصدرت محكمة القضاء الإداري بالمنصورة حكما تاريخيا يقضي بعزل المنتمين الي الحزب الوطني المنحل من ممارسة حقوقهم السياسية والغاء ترشيحهم للانتخابات البرلمانية، وذلك يوم الخميس 01 نوفمبر 1102، قبل اقرار اللجنة العليا للانتخابات لاسماء المرشحين بصفة نهائية. الامر الذي كان يقضي باعادة النظر في هذه الاسماء وتكشف مدي سيطرة فلول الحزب الوطني الذي كان حاكما للبلاد، علي نسبة كبيرة من المرشحين، لان الحكم لم يقتصر علي القيادات والكوادر ولكن امتد ليشمل الاعضاء، باعتبار أنهم جميعاً اشخاص طبيعيون سعوا الي تحقيق منافعهم الشخصية وأفسدوا البلاد ودمروا الوطن ونهبوه وخربوا الاقتصاد والسياسة والثقافة ودمروا العلاقات الاجتماعية بما اشاعوه من فساد كبير. واستند الحكم الي حكم الإدارية العليا بحل الحزب الوطني في أبريل الماضي، وهو ما ينسحب علي اعضائه. فضلا عما أورده من اسباب تتعلق بان اسقاط النظام بفعل الثورة الجماهيرية العظيمة يستدعي سقوط أدواته ومنها هؤلاء المنتسبون الي هذا الحزب الفاسد الذين خربوا ودمروا ونهبوا موارد البلاد وأراضيها وطبقا لقانون مجلس الدولة فأن الحكم الصادر من القضاء الإداري واجب التنفيذ ولا يوقف العمل به اي طعن عليه بأي طريقة، إلا إذا صدر حكم من الإدارية العليا بشأنه ولم يمض علي صدور هذا الحكم يومان، وهو الذي حدث دويا هائلاً في المجتمع، وانشرحت اسارير الاغلبية التي قامت وشاركت وأيدت ودعمت الثورة الشعبية بالملايين بعد حالة الاكتئاب التي تسيطر الآن علي هذه الاغلبية، بعد صدور هذا الحكم، حتي صدر حكم الإدارية العليا يوم الأثنين 41 نوفمبر، بوقف العمل بهذا الحكم أي بتنفيذه استناداً إلي عدم وجود نص قانوني، وأن الحكم بحل الحزب الوطني لم يتضمن نصا بحرمان اعضائه من الترشح. ولا شك أن حكم الإدارية العليا، كان صدمة كبيرة للشعب المصري، الذي انتصر للفلول وللفاسدين. فبعد صدور حكم المنصورة، قامت الجماهير بتقطيع لافتات اعضاء الحزب الوطني المرشحين، ووقعت مشاجرات في عموم الجماهير، الامر الذي يعكس ويؤكد حالة الرفض الشعبي لترشيح هؤلاء أو وجودهم في الحياة السياسية وهم يخوضون معركة الحياة والبقاء بكل ما نهبوه من أموال. فهاهم الفلول يصدرون الصحف، وينشئون أحزابا جديدة وصلت الي عشرة، ويحصلون علي تصريحات بالقنوات الفضائية، ويصرفون الملايين للدعاية لهذه المشروعات الإعلامية للسيطرة علي إعلام الوطن وتوجيهه بما يحقق اغراضهم ويستمرون في السيطرة علي مقادير الوطن وإذلال الشعب. وبعد كل ذلك، يأتي حكم الإدارية العليا، وقد تجاهل حقيقة الاوضاع السياسية الجديدة في الوطن حيث قامت ثورة شعبية أيدتها الغالبية العظمي للشعب، ومن ثم فان هذا الحكم الصدمة، يعتبر استفزازا للشعب وغير معبر عن آماله وطموحاته في تغيير أوضاع المجتمع، وبالتالي تنتفي عنه صفة ان الحكم صادر باسم الشعب. فأحكام القضاء تصدر باسم الشعب، وعندما يأتي الحكم ضد »المزاج العام« لهذا الشعب، فقد انتفيت عنه هذه الصفة وأصبح حكما معدوم »الشرعية الشعبية« لأنه خاليا من الغطاء الشعبي، ومصدر قوته. وأدل مثال علي مدي ما أحدثه هذا الحكم بعد ساعات من صدوره، هو تسيد هذه الرموز الفاسدة في تحالف عضوي لاغلب القنوات الخاصة وهي ملك رجال الاعمال المنتمين للحزب الوطني المنحل، وظهر هؤلاء والسعادة تملأ وجوههم، ويتحدثون بأسلوب عنتري تعودوا عليه وقت كانوا في الحكم، ليتبين لنا وللكافة أن من تداعيات الحكم هو احتمالات وقوع حرب أهلية طاحنة لأن الحكم أعطي السند لهؤلاء الفاسدين من ممارسة حقوقهم السياسية وهم أول من انكروها للآخرين، وترقبوا الحالة السياسية في البلاد في الأيام القادمة علي ضوء هذا الحكم. أما فيما يتعلق بهذا الحكم، فهو حكم في الشق المستعجل، وصدر في (6) صفحات حسبما أعلن ونشر وأذيع، وأحالة المحكمة الطعن الي دائرة الموضوع لتحديد جلسة لنظره. وباعتبار ان الحكم المستعجل لمادة ما يكتب في صفحة أو صفحتين علي الأكثر نظراً لأنه يتحدث فيما هو مستعجل، وأول مثال حكم الإدارية العليا في الشق المستعجل فيما يتعلق بنظر بطلان الاستفتاء في مارس الماضي، لم يتجاوز صفحة ونصف. ومن ثم فان الإدارية العليا تصدت للشق الموضوعي ضمن المستعجل فقيدت ارادة دائرة الموضوع، وهو ما يجعل »عوار« الحكم أمر محتملا الي حد كبير، وفي نفس الوقت فان هذا الحكم - حسبما اشار علي أحد القانونيين الكبار المحامي بالنقض المستشار حسن عمر، بأن صدور حكم الإدارية لا يمنع محاكم القضاء الإداري من أصدار أحكام جديدة تقضي بعزل الفلول، سواء في القاهرة أو المحافظات، الامر الذي ينذر بفوضي في محاكم مجلس الدولة كنا نأمل من الإدارية أن ستدركه. كما أن هذا الحكم لا يمنع المطعون ضدهم امام الإدارية العليا، ان يتقدموا للمحكمة العليا بطلب للعدول عن هذا الحكم، لأن ما أصدرته هو في الشق المستعجل، ولم يتضمن الرد علي وجه الاستعجال، وليس من دواعي الاستعجال تحدي الرأي العام أو التصدي للموضوع تحت غطاء الشق المستعجل. ومن الامور اللافتة للنظر في هذا الحكم تحديدا، أن السفير محمدحجازي المتحدث باسم مجلس الوزراء، نفي حسبما نشر في الاهرام صباح 51 نوفمبر، ان الحكومة لم تطعن علي حكم المنصورة!! والسؤال لماذا هذا النفي إذا كان لم يحدث؟! ولماذا هذا النفي إلا أذا كانت الحكومة علي رأسها بطحة؟! والامر المثير للشكوك في هذا الحكم، هو ما نشرته جريدة المصري اليوم قبل صدور الحكم، من أن ممثلا لجهة سيادية زار والتقي بمسئولين في مجلس الدولة وعلي مسئوليته الصحفية!! ومن مناقشة موضوعية لاسباب الحكم المعلنة في الشق المستعجل ظاهريا، وفي الموضوع باطنيا وضمنيا، ان حكم المنصورة تصدي للموضوع في غياب نص تشريعي يقضي بالحرمان واعتباري بالمهتمين بدور القضاء في الحياة السياسية، أرد علي ذلك بأن القضاء الإداري هو قضاء انشائي، يخلق المباديء العامة عندما يكون المشرع قد تجاهلها وهذا القضاء المصري الإداري العظيم، سبق له أن قضي بحرمان مزدوجي الجنسية من الترشح وأسقط عضويتهم في البرلمان، وقضي بحرمان من لم يؤد الخدمة العسكرية وتهرب منها، من غياب النقص التشريعي!! كما قضي بحل الحزب الوطني بعد الثورة، وقضي بأحقية المصريين في الخارج في التصويت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، دون نص تشريعي!! وتصدي بأعادة الشركات العامة التي تم خصخصتها وبيعها بأبخس الأثمان، وهي عنوان فساد مرحلة الحزب الوطني الحاكم، بغير نص تشريعي!! والصحيح أنه من الافضل أن يكون هناك نص تشريعي واضح، لكن في عدم وجود مثل هذه النصوص، لهو تأكيد علي فساد النظام وتجاهله للحقوق، وهنا فإن أمام القضاء الإداري مساحة في حرية اصدار أحكامه لكي يساهم في سد ثغرات النصوص الفاسدة اعلاء لقيمة الحريات، وإعلاءً للقيم الديمقراطية وإعلاءً للوطنية لقد كان لتجاهل الحكومة والمجلس العسكري، لحتمية صدور قانون العزل السياسي« الذي هو (أ . ب) الثورات، لمن افسدوا الحياة السياسية الاثر الكبير في ارتباك المشهد السياسي، واضطراب القضاء الذي انحاز أخيراً من خلال هذا الحكم إلي المواءمة السياسية »علي حساب قيم الثورة والحرية والوطنية. ومن ثم فإن استمرار هذا التجاهل هو نكران لحدوث الثورة. وأخيراً فإذا كانت المحكمة الإدارية العليا قد سبق لها أن اصدرت في ظل هيئة مختلفة حكمها العظيم بحل الحزب الوطني الفاسد في ابريل 1102م ولكل من يقرأ الحيثيات يكاد يستشعر حجم الفساد والافساد العمدي في نظام مبارك المخلوع، فأن السؤال أمام الإدارية العليا في ظل هيئها الجديدة التي اصدرت حكمها بوقف حكم المنصورة بعزل الفسادين، هو: من هم هؤلاء الفاسدين أذن؟! الله الشاهد، ولازال الحوار متصلا