بكل ما اوتيت من تآمرية، تعودت النظر إلي كل ما تمر به بلادي أو إقليم الشرق الاوسط الذي نعيش فيه. والسبب - ببساطة - هو اننا - بالفعل - نواجه مؤامرة كل يوم، والتعامي أو التشاغل عن تلك الحقيقة يعني الخضوع لاكثر الحسابات بلاهة، والوصول إلي نتائج مفعمة بالأغاليط. وضمن احد التصورات الاكثر سذاجة التي سادت في منطقتنا، وهيمنت علي بلدنا.. تصور ان الرئيس الامريكي الديمقراطي باراك حسين أوباما يمثل نموذجا يخالف - علي الجملة - سلفه چورچ دبليو. بوش وادارته الجمهورية التي هيمن عليها المحافظون الجدد كما تذكرون.. وبالطبع هناك فوارق شخصية بين الرؤساء، أو اساليب العمل، أو بعض التوجهات الداخلية، اما في السياسة الخارجية والأمن القومي فإن المسافات بينهم - عادة - تكون قريبة جدا.. وربما اجد في ذلك تفسيرا لمحدودية حضور عنوان: »السياسة الخارجية« في ملف الانتخابات الامريكية، اذ ينتفي الاختلاف الذي يسمح حجمه باثارة المنافسة بين خصمين، لابل تسعي كل الاطراف الاساسية في مؤسسة الحكم الامريكية إلي عدم اثارة اهتمام الناخبين بموضوع السياسة الخارجية إلا حين يتعلق الموضوع بارواح الجنود الامريكيين كما حدث في فيتنام والعراق وافغانستان، لكن من دون تعمق في الخلفيات الامنية أو الچيوستراتيچية. ومن هنا كان من الخرق الاكيد النظر إلي ان إدارة اوباما تمثل نقلة درامية عن نظيرتها في عهد بوش الابن. أوباما سار علي نفس الخط، ونفذ ذات الخطة، ولن يشرع في الانسحاب من العراق إلا حين تستتب الاجراءات الامنية التي تكفل سيطرة واشنطن علي مجريات الامور في تلك المنطقة الحساسة. نجح في قتل بن لادن، واستغل طاقة الغضب عند بعض الشعوب العربية تجاه فساد واستبداد الانظمة التي تحكمها في ركوب ثورات الربيع العربي، وتنفيذ جزء معتبر من المخطط القديم لتأسيس الشرق الاوسط الاوسع عبر الفوضي الخلاقة، ومباركة تأزم الاوضاع الداخلية في الدول المحيطة باسرائيل بالذات، وعلي نحو يحقق خطة بوش لضرب القوي التي رأي - بعد غزوه للعراق - انها تهدد مصالح تل ابيب، واعني بها القوي الراديكالية الفلسطينية أو نزع سلاحها وتقليم اظافرها، فضلا عن حزب الله الذي سيسقط - قطعا - بالقصور الذاتي لسقوط حزب البعث السوري الذي لاح اقترابه. ثم لكي تكتمل الدائرة، شهد الفضاء السياسي الدولي تصعيد لهجة تهديد ايران وتأزيم وضع برنامجها النووي، والتهديد بضربة عسكرية لها. وهناك لغط مقصود عن صعوبة اشتراك الولاياتالمتحدة في حرب أو ضربة ضد طهران توقيا لرد فعل ايراني انتحاري لم يتحدد كنهه، وتجنبا لانفاق مخيف هو آخر ما يجب ان تسمح به امريكا وسط عجز موازنتها والازمة المالية العالمية الخانقة، أو ابتعادا عن الصعوبة الفنية للضربة »وهذا ما تدعيه واشنطن«. وهناك رغبة امريكية في نفي تنسيق واشنطن مع تل ابيب لتقوم الاخيرة بالضربة نيابة عن الاولي، ومن ثم يزعم الامريكان بان العلاقات الثنائية مع اسرائيل ليست علي ما يرام، ويدعي اوباما - في تصريحاته مع ساركوزي منذ ايام - بانه »مضطر« إلي التعامل مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو كل يوم!! ومن جانبها فإن اسرائيل نفسها - بعد نفيها التوقعات بضرب إيران التي شاركت في اثارتها عبر تصريحات رئيس الدولة شيمون بيريز - حاولت التمويه علي مقصدها بضرب ايران عبر اطلاق تصريحات لنتنياهو ووزير دفاعه باراك، اكدا فيها صعوبة توجيه الضربة، وضرورة الاكتفاء بعقوبات دولية قاسية جدا تشل ايران وتتكيء علي تقرير امانو مدير وكالة الطاقة النووية الذي يشير إلي البعد العسكري للبرنامج النووي الايراني. محاولات التستر والمداراة - هنا - من جانب واشنطن وتل ابيب، ونفيهما نية ضرب ايران، توحي بشيء آخر »وأرجو - هنا - مراجعة سيناريو ما قبل غزو العراق، اذ يكاد - في بعض بنوده ان يكون نسخة طبق الاصل«. ثم ان محاولة التظاهر بتوعك العلاقة بين امريكا واسرائيل وبأن أوباما قرفان من نتنياهو ويشكو منه علانية، هي - في تقديري - عملية تمويه علي تحرك وشيك اذ ان اسرائيل وامريكا اللتين قامتا بالتصعيد في البداية، ثم حين ساد مناخ التصعيد اخذتا تتكلمان عن الصعوبة الفنية للضربة، وانعدام قدرتهما علي توقع مدي قوة وانتحارية رد فعل طهران، واخيرا راح اوباما يتظاهر بضيقه من نتنياهو. ولفتني - خلال انباء الاسبوع الماضي - خبر استقالة دينيس روس مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأوسط، كما اهتممت بتبرير الرجل لاستقالته، بأن عمله مع إدارة أوباما كان محددا بعامين، وأنه أمضي حتي الآن ثلاثة أعوام، واتفق مع زوجته علي ضرورة إنهاء هذا الارتباط والتفرغ لشئونها الخاصة والأسرية. وبالطبع فإن دينيس روس كان احد الاباطرة اليهود الثلاثة الذين سيطروا علي وزارة الخارجية في عهد الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون، وقاموا بحماية مصالح اسرائيل »واعني بهم مارتن إنديك وآرون ميللر إلي جوار روس«، وبالتالي فإن خروجه من ادارة اوباما يعني ابعاد احد ممثلي اسرائيل الكبار من الخدمة، ويوحي بان هناك ازمة في العلاقات الامريكية الاسرائيلية، ضمن سواتر التمويه علي المغامرة العسكرية القادمة في الشرق الاوسط، والتي ستقوم بها اسرائيل بالوكالة عن امريكا! روس - باستمرار - كان اقرب اباطرة الخارجية الامريكية من اليهود إلي امكانية تنويع استخدام صورته امام الجميع، سواء كممثل للتقارب الاسرائيلي الامريكي، أو كرمز للاعتدال والحكمة في التعامل مع وجهات نظر وحقوق ومصالح العرب في اي نزاع مع اسرائيل رغم انه صاحب اقتراح تعيين مبعوث امريكي لمنطقة الشرق الاوسط علي ألا يكون ميالا للعرب Arabist!! وكنت لقيت روس في جلسة حوار استمرت ساعتين منذ عشر سنوات في معهد واشنطن لدراسات الشرق الادني، وتأكد عندي احساس بازدواجية هذا الرجل، الذي حين راجعت بعض انطباعات سجلتها عن الحوار وجدتني امام حزمة من الإيماءات المتعارضة هدفها مصلحة اسرائيل فقط.. ومنها »حتي الآن لم يذكر الفلسطينيون علانية لشعبهم ما الذي قدم لهم في كامب ديفيد «.. لم يقدر عرفات ان يقول نعم لما طرح عليه في كامب ديفيد.. فضاعت فرصة ذهبية.. لا يجب ان نطلب من مصر ما لا تستطيع فعله في عملية السلام.. الاسئلة المطلوب الاجابة عليها في المسار السوري فنية والاسئلة المطلوب الاجابة عليها في المسار الفلسطينية وجودية.. انكار الهولوكوست مثل انكار آلام اللاجئين وايهما لا يساعد علي السلام.. السوريون كان امامهم فرصة مدهشة في عرض باراك الذي قدمه لهم في جنيف. انظر كيف يتلون الرجل موبخا العرب ثم متظاهرا بتفهم مطالبهم، وفي جميع الحالات هو يلعب لصالح اسرائيل. اليوم هو امام دور تمثيلي جديد حين يخرج من ادارة اوباما ليوحي بتفاقم الخلاف بين واشنطن وتل ابيب، ويمنح ساترا اضافيا لعمل خطير وشيك ستوجهه اسرائيل ضد طهران.. وكانت هذه بعض تصوراتي التآمرية!