أخشي أن يأتي يوم لا أجد فيه حبا بين الأهل والأصدقاء والناس بعضهم ببعض.. ماذا حدث وما الذي أدي إلي ظهور كل هذه العداءات بهذا الشكل المزري الذي لا يرضي عدوا أو صديقا؟! سبحان مغير الأحوال ومقلب القلوب كانت الثورة صورة براقة وملحمة من المشاعر الفياضة بين الناس رغم انهم لا يعرفون بعضهم بعضا وإنما جمعهم قلب وفكر واحد وحماس واحد ورأي واحد.. خلعوا نظاما فاسدا نثر شره في بقاع مصر.. فخرج الجميع لاقتلاع شجرة العائلة الفاسدة التي حكمت مصر ثلاثين عاما. أما الآن فقد قمنا بعد ثورتنا لنخلع الحب من قلوبنا ويتربص أحدنا بالآخر فأصبح المرء لا يدري ان كان سيعود إلي بيته أم لا فالمؤمن بقضاء الله وقدره يترك أمره لله سبحانه وتعالي وهو في طريقه إلي عمله فهو شهيد حتي يعود . أما ان يحاط به عنوة للسرقة والقتل من قبل البعض لغياب الأمن فإنه وزر يقع علي الدولة وأجهزتها الأمنية وسيصبح شعار بلدنا الحبيب بلد الأمن والأمان شعارا خداعا وزائفا نفقد معه حريتنا وكرامتنا وحسن ضيافتنا للزائرين سواء للسياحة أو للاستثمار وكلاهما يصب في مصلحة الوطن ويساعد بدرجة كبيرة في زيادة النمو الاقتصادي بما يكفله من تلبية احتياجات الجماهير وتحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس التي ظلمت في العهد البائد . إذا كان هذا المشهد الأمني المروع يقع علي مسئولية الدولة فإننا اليوم نري مشاهد أكثر إيلاما وحزنا مشاهد يتقاسم الناس فيها القتل والتدمير والخراب.. مشاهد خلت من الحب رغم ما فيها من الجيرة والقربي التي أوصي بها الله سبحانه وتعالي رسوله الكريم سيدنا محمد »صلي الله عليه وسلم« أن يحث المؤمنين علي صلة الرحم ووصاهم بالجار أيا كانت عقيدته. أشعر بالفزع والخوف علي بلدي مما أشاهده وأسمعه وأقرأه من أحداث رهيبة مثل حصار قرية لقرية وعائلة لعائلة وقتل وحرق وإشاعة الرعب في قلوب الناس المسالمين ومنع الزاد واحتياجاتهم الضرورية عنهم حتي يلاقوا حتفهم لأسباب أقل من »تافهة« ولكن يبدو أن الكراهية دبت في قلوب الناس وخلعت الحب عنهم وفقد بعض الأهالي والشباب قدرتهم علي التمييز بين الأعداء والأخوة فصار الجميع »أخوة أعداء« في وطن يعرفه القريب والبعيد أنه عنوان لأرض الرسالات السماوية والأنبياء الذين مروا بهافي ترحالهم من أرض إلي أرض باحثين عن الحب والتصديق برسالاتهم فوجدوه في أرض الكنانة أرض التوحيد والتعلق بالأنبياء وأولياء الله الصالحين.. أرض يُعرف أهلها بأنهم أهل مودة وحب وترحاب ومساعدة فهل يكون الجزاء أن نغرق وطننا في حرب وكأننا أصبحنا ميليشيات عنصرية أو قبلية أو أهلية أو حتي فردية. قراءة سريعة وموجزة لما يدور في هذه الأيام من أحداث في سوهاج وبلطيم ودمياط وما سبقها وما سيلحق بها لا نجد سوي معني واحد ان الجميع أشعلوا نيران الفتنة سواء فيما بينهم أو مع الحكومة وأصبح الحصار وقطع الطريق والتدمير والخراب وسقوط القتلي والجرحي هي عناوين نحترق بحروفها وتعود بنا إلي بداية الخليقة وفلسفة شريعة الغاب »البقاء للأقوي« وكأن الأديان والرُسل لم تأت بعد وأن طريق الهداية أصبح بعيدا عن قلوبنا وأنفسنا وأننا قبلنا في اتفاق غير معلن التحالف مع الشيطان لهدم هذا الوطن وحرقه. أخشي أن نصحو يوما لا نجد من مصر سوي حروفها وأن أرضها اشتعلت بنيران الكراهية بين أهلها وهي الأرض التي رحبت بمن فيها ومن جاء إليها، وكان عنوانها: أهلا بك في أرض السلام والحب ولافته كبيرة »ادخلوها بسلام آمنين«. هل سنبيع تاريخنا وحضارتنا وكياننا بين الأمم ونعود إلي الوراء مُرتِّدين مُرتدين لباس العنصرية والقبلية الحمقاء حاملين معول »أنا ومن بعدي الطوفان« فلا نجد حبا أو مودة وإنما سيف وقنبلة!