شهدت الإدارة موجات وموضات اصبحت عناوين براقة أخذت وقتها ومضت مثل »الادارة بالاهداف« و»الادارة بالنتائج« وسبقتها »الثورة الادارية«.. وكلها انتهت لتخلي مكانها لاتجاه راسخ حتي لو لم يعلن عنه. وهو الادارة بالشائعات، سواء اطلقت هذه الشائعات شفويا لتصل إلي اذن المسئول عن الاختيار، أو كتبت في بعض وسائل الاعلام، أو تسللت في منشورات خاصة وسرية، وهذا النوع من الادارة مازال معمولا به حتي اليوم بعد اختفاء كل انواع الادارة السابقة. ولكن الجديد في علوم الادارة هو اكتشاف مصري مائة بالمائة وهو »الادارة بالعشم«.. نعم العشم!! هذا الفرع الجديد من علوم الادارة يطبق حاليا في مصر بعد ثورة 52 يناير.. وشيوع الانفلات الامني والاداري وانتشار ظاهرة الاحتجاجات والوقفات والمسيرات والاضرابات في كل المجالات ولكل الاسباب الحقيقية والتافهة ايضا! علمت بهذه النظرية الجديدة في علوم الادارة اثناء لقائي مع احد السادة المحافظين والذي اشتهرت محافظته بقيام ابنائها باعمال قطع الطرق وشن الحروب والمعارك مع اجهزة الامن والادارة واخيرا مع بعضها البعض لأتفه الاسباب التي معظمها مخالف للقانون بل للعادات والتقاليد. و»الادارة بالعشم« ملخصها ان المحافظ يعتمد علي علاقاته بكبار العائلات واصحاب الرأي في المحافظة بالمدن والقري وذوي النفوذ، يلجأ اليهم المحافظ أو رئيس المدينة يرجوهم بالتدخل لعقد صلح بين عائلتين أو يمنعوا مسيرة أو قطع طريق أو محاولة إشعال النار في قسم شرطة لاخراج مجرم أو قاتل أو افراد محتجزين بسبب معركة نشبت بين عائلتين أو بلطجي ارتكب عشرات الأعمال الاجرامية في حق مجتمعه أو المواطنين فيتجه انصاره لإحراق القسم! وبنفس أسلوب »الادارة بالعشم« فكثيرا ما يلجأ المحافظون ومديرو الامن بالمحافظات إلي رجال الدين المسيحي والإسلامي بعد وقوع الفتن وسقوط الضحايا.. القوة اصبحت هي القانون والمواطنون هم من ينفذ هذا القانون بأنفسهم! كل ما يحدث هو نتيجة طبيعية للنظام السابق الفاسد الذي افسد المواطن وقدم له نموذجا لسلوكيات فاسدة لن ينال حقه إلا باتباعها وجعله يؤمن بان النفاق والغش والتزوير ونهب الثروات والرشوة والمحسوبية هي الطريق السليم والواضح للحصول علي حقك وما هو ليس حقك! وان الشفافية والصراحة والعمل والاخلاص والكفاءة هي صفات عفا عليها الزمن. اما الادارة بالشائعات فهو اسلوب ترسخ في المجتمع ويطبق هذا النوع من انواع الادارة مع كل اخبار عن تعديلات ادارية أو ترشيحات برلمانية أو اختيارات المحافظين أو تعديلات وزارية أو تعيينات لهيئات أو مجالس قومية أو حتي الاندية الرياضية، وتوجد ألاعيب كثيرة تمارس في هذا السياق يكون هدفها تصفية المرشحين الاقرب لهذا المنصب أو ذاك، بحيث تضيق دائرة الاختيار امام المسئول الذي من سلطته اتخاذ قرار التغيير. ولا يتورع مثيرو الشائعات عن اختلاق الوقائع التي تمس السمعة المالية والاجتماعية باختلاق شائعات حولهم بالفساد والافساد في المجتمع!.. والغريب ان من يثيرون الشائعات ليسوا دائما خارج المناصب، أو المتطلعين إليها، بل ان هذا السلوك يمارسه بعض المسئولين ضد الاكفاء من مرؤسيهم الذين يمكن ان يكونوا بديلا محتملا لهذا لهم.. وهم يمارسون ذلك، ابتداء من توقيع العقوبات الظالمة أو الذم أو من خلال مجرد اشارة امتعاض علي الوجه عندما يسألهم احد عن هذا المرءوس الكفء. واذا تعذرت كل هذه الجهود واصبح واضحا ان الموظف الكفء قادم لا محالة يبذل المسئول جهدا لكي يحصل لهذا الموظف الكفء علي منصب في وزارة اخري بعيدا عن اختصاصه الاصلي، ويساعده في الحصول علي المنصب الرفيع، مادام كان بعيدا بالقدر الكافي الذي يبقي علي منصب المسئول آمناً!.. وحتي لمنصب اقل يتقبله الناس فيه مادام انه كان مرشحا لمنصب ارفع! هؤلاء المجهولون الذين ينشرون شائعاتهم، أو يبعثون بها بامضاء فاعل خير يساهمون في فعل الشر ضد غيرهم، كما يساهمون في فعل الشر ضد الوظيفة نفسها التي تفوز في النهاية باسوأ العناصر! وهي عادة لا تقوم علي بيانات صحيحة وسليمة وانما تعتمد علي الدس والوقيعة علي مروجي الشائعات الذين يلقون اذانا مصغية وانها مجرد ترهات وتنفيث عن احقاد ولا تؤثر علي الاطلاق عند صانع القرار الذي يجب ان يري العيوب الحقيقية في الادارة والقيادة السابقة، ومن هنا فان اختيار اي شخصية جديدة يخضع لرؤية اصحاب القرار وهذه الشخصية وقدرتها علي الإصلاح وتلافي العيوب. من هنا سيكون العداء من اصحاب المصالح المستفيدين من هذه العيوب، ومن الطبيعي ان يكون صوتهم اعلي وامكانياتهم المادية اكبر وتضحياتهم اعلي لما سيجنون في المستقبل. واحيانا ما يتجاوز »فعل الخير« حدود حرمان مرشح كفء من وظيفة يستحقها ليوقعه في مأزق قانوني أو يعرضه للسجن ظلما وهناك الكثيرون ممن تعرضوا لهذه المحنة وثبتت براءتهم بعد ان فقدوا حريتهم خلف قضبان السجن لشهور أو لسنوات! ان اصحاب المصالح من مطلقي الشائعات موجودون في كل وقت ولكنهم ينتعشون في فترات التغيير ويزدادون اصرارا وشراسة كلما وجدوا استجابة من صناع القرار، وهؤلاء يعيشون ازهي فترات حياتهم في مصر الان حيث الانفلات الامني والانفلات الجماهيري ورفضهم الامتثال لحكم القانون والادارة، وفترة الانتخابات البرلمانية والترشيحات الرئاسية والمشاكل الفئوية وعلي رأسها مشكلة طرفي القضاء بين القضاة والمحامين والفتن الطائفية غير المبررة واطلاق شائعات تصعيد هذه الخلافات والمشاكل والقضايا من بينها ان المجلس العسكري لن يترك السلطة ولن يسلمها لسلطة مدنية منتخبة علي الرغم من تأكيدات المجلس العسكري مرات ومرات، لكن مروجو الشائعات يريدون اشعال مصر وتحريك المظاهرات والمليونيات لوقف حركة البلد الكبير واصابته بالشلل في كل المجالات ونحن احوج ما نكون للعمل بأقصي طاقة ممكنة لتعويض ما فات والاسراع في عبور هذه المرحلة الانتقالية الحرجة. ولكن الاتجاهات والمصالح الشخصية والفئوية يهون عليها المصلحة العليا للوطن مقابل تحقيق مصالح ذاتية ضيقة. شعارات هابطة تهدد باشعال مصر بسبب وثيقة المباديء الدستورية، من تيارات سياسية دينية لها مآرب لا تخفي علي احد تطلق شعارات وتهدد بالمليونيات اذا لم تتم الاستجابة لآرائها وشروطها وترفض اي حوار بعدما اصابتها نزعة المغالبة التي تسود علي روح التوافق، وتملكتها شهوة الاستحواذ التي ضغطت علي المصلحة الجماعية، هذه القوي الاسلامية لا تريد وثيقة مباديء دستورية لتنفرد بتفصيل دستور علي هواها.. وتناست مصلحة الوطن العليا ولا يهمها كشف اسرار الدفاع ونشر اسرار أمننا القومي! لست ادري من يطلق بعض بالونات الاختبار التي اعتبرها شائعات هي بالونات خطير ة تهدد بعدم الاشراف القضائي علي الانتخابات البرلمانية، اضافة إلي بعض مرشحي الرئاسة والتيارات السياسية من المشاركة في هذه الانتخابات اذا لم تسحب وثيقة المباديء الدستورية! لا يمكن الحد من مخاطر وشرور مروجي الاشاعات ايا كانوا اشخاصا أو جماعات أو احزابا أو تيارات سياسية أو حزبية إلا بالالتزام بالشفافية في الرد علي هذه الشائعات من الأجهزة الرقابية والأفراد والجماعات المختلفة والمواطنين وايضا صناع القرار في هذا البلد بالبحث الموضوعي وتمسكهم باختياراتهم بعد ان يتأكدوا من سلامة الاختيار فليست هناك مبررات للعدول عن اختيار أو الغائه لمجرد ان هناك تسريبات لاشاعات حول مرشح للبرلمان أو مرشح لوظيفة. وهذه الشائعات لا تقوم علي معلومات بقدر ما تعتمد علي دهاء وخبث وحسن توقع مثيري الشائعات من اعداء مصر الذين لن يتوقفواإلا بعد ان يثبت لهم المرة بعد الاخري ان شائعتهم لا تؤثر أو توجه القرارات فشعب مصر أذكي وأوعي من تلك الفقاعات!