كثير من الأدباء تنتهي علاقتهم بأعمالهم عند صدورها في كتاب، فإذا حدث ذلك نسوها، ولم يعودوا إليها لا قارئين ولا متأملين، ولا متابعين لأصدائها عند جمهورهم؟، مما يمثل ظاهرة عجيبة في عالم الكتابة، فلماذا يفعلون ذلك؟، وما أسبابهم؟. في البداية يقول الناقد والمترجم المتميز د.حامد أبو أحمد: أنا من النوع الذي لا يعود إلي قراءة أعماله بعد نشرها، لأن الكتاب يتحول إلي كائن قائم بذاته، ولا أرجع إليه مرة أخري لأبدأ في عمل جديد، وهذا عادة يحدث في الشعر، وهناك شعراء عالميون كانوا بعيدي النظر في قصائدهم، منهم شاعر إسباني مشهور حاصل علي جائزة نوبل اسمه »خوان ريمون خمنيث»، وكان بعيد النظر في قصائده ويغير فيها، وقد يضيف ويحذف أشياء في الطبعات التالية. وتؤكد الأديبة ضحي عاصي قائلة: علاقتي بأعمالي تنتهي بعد طبعها ونزولها إلي القارئ مثل الطالب الذي حضر الامتحان، ثم قام بتسليم ورقة الإجابة، وانتهت علاقته عند هذا الحد، بالرغم من أن ذلك يحدث في » الدماغ» ولا يستلزم العودة إلي الكتاب المطبوع خاصة مع توالي رأي النقاد والقراء في العالم الخارجي، خاصة وأنه لا يوجد عمل كامل ولذلك ما الجدوي من العودة مرة أخري. أما الأديبة مي خالد فتقول: بعد أول رواية لي »جدار أخير» والتي صدرت عام 2001 ظللت مرتبطة بها جدا، وأعود إلي قراءتها من وجهات نظر مختلفة، وقد اتعبني ذلك لأنني كنت أضع نفسي أمام أنماط مختلفة من القراء، بعد ذلك قررت ألا أفعل ذلك مرة ثانية علي أساس أن الكتابة تقوم بالدور المنوط بها، فأقوم بالتحرر من عبء ما أكتب سواء كانت جيدة أم لا، وأستفيد من ردود أفعال القراء لكي أستطيع التخلص من الشخصية فالكتابة شكل من أشكال الحياة، وحياتنا مراحل ودوائر نعيشها أولا من التحرر من كل مرحلة حتي تنضج ونستمتع بالمرحلة التي تليها، ولذلك قررت أن أنسي كل ما يتألف بعملي بعد وصوله إلي المطبعة حتي لا أرتبط به، حيث انتهي وأهيئ لنفسي مرحلة جديدة وهي العمل القادم، لكي أعيش المرحلة الإبداعية القادمة ولا أظل أعيش في دائرة هذه المرحلة. بينما يقول الأديب هيدرا جرجس: عادة لا أعود إلي قراءة أعمالي بعد النشر خوفا من أن أجد أخطاء معينة في الإعداد أو النشر أو الإملاء مما قد يصيبني بالحزن، والاستياء. وعادة لا أعيد قراءة ما أكتب بعدما أسلمه إلي الناشر وأكتفي بمتابعة ردود أفعال القراء وأنفصل تماما عن النص بعدما أقر بنهايته، وقد تستغربين أنه ربما وبعد مرور ستة أشهر أبدأ في كراهية النص فقد أصبح صفحة انطوت، والسبب أنه بمجرد التفكير ولوم نفسي في أن العمل كان من الممكن أن يصدر بشكل أحسن يجعلني أضيق، كما أنني أكون قد تجاوزت النص، وشرعت في آخر، أو فكتابة الجديد يشغلني أكثر، وهذا هو الذي يحفزني علي الكتابة فلا أريد أن أعيش حالات مضت، والنص لم يعد ملكي فهو كذلك حتي اللحظة الأخيرة، قبل الطباعة، أما بعد ذلك فيصبح بين يدي القارئ وقد يحبه أو يكرهه. في حين تقول الأديبة عبير درويش: بعد صدور الكتاب أحيانا أقوم بقراءته وتنتابني الوساوس وأقول ربما كنت أستطيع أن أكتب أحسن من ذلك، ولكن هذا لم يحدث في كل كتاب أصدرته، ولكني عادة أعود إلي الكتب التي تتناول أجزاء من سيرتي الذاتية مثلما حدث مع »تعاريج» أي الأشياء ذات الجذور في الواقع، لكن القصص التي فيها خيال إبداعي فأتركها وتنقطع علاقتي بها. وفي الختام يقول الأديب سمير الفيل: أنا من الكتاب الذين إذا انتهوا من الكتابة سواء نشر النص في كتاب أو علي مواقع التواصل الاجتماعي، فلا أعود إليه مرة أخري، لكني استفيد من الآراء التي تقال في أعمالي القادمة، ولكني أحيانا أعود إليه لأعرف كيف كانت الشخصية، وكيف كان مسارها، أي من أجل زيادة الخبرة في نصوصي القادمة، فبعد نشر العمل أكون قد انتهيت من دوري، ولكن أحرص علي متابعة ردود أفعال القراء من خلال ندوات نقدية في أماكن متفرقة، وهذا يفيدني في تقييم العمليات السلبية والجيدة في نفس الوقت، فعين القارئ أكثر استشرافا لجميع أطرافه الفنية، أما الناقد فهو يضيء النص ويقدم إلي الكاتب خط سير لأعماله القادمة.