في البداية..المُفتي ابن بيئته.. ما رأيك في هذا الطرح؟ بالطبع أوافق علي هذا الرأي؛ لأن المفتي يخضع لأعراف الناس وأحكامهم وطبائعهم التي تتحكم في الفتوي،لأن لكل اقليم أومكان بالعالم عاداته وتقاليده،وفي علوم الدين ما يتناسب مع مجموعة لا يتناسب مع أخري،والمشكلة ليست في اختلاف البيئات بقدر البلبلة التي يحدثها بعض الدعاة طمعا في تحقيق الانتشار والشهرة فقطعا يضر بالدين، فالداعية ليس نجم شباك، هو شخص أراد الله أن يخبر الناس بما يحقق صالحهم،ولابد أن يكون رجل الدين مُتمتعا بجاذبية وقادرا بكلمته وموضوعاته علي اعادة الثقة بين الأوساط الداخلية والخارجية لمحاربة تشويش صورة الاسلام، وأن يتمتع بأخلاق الفرسان؛ لأنه يخوض حروبا ويتعرض لكثير من الأذي، لكنه لا يتخلي عن ميدان المعركة مهما حدث، لأن هناك أفكارا كثيرة هدامة. فوضي الفتاوي وكيف نتصدي لفوضي الفتاوي في رأيك؟ الفتوي في النهاية عبارة عن علم لابد أن نأخذ مفاتيحه من دراسة اللغة العربية وأصول الفقه والتشريعات، وهي عمل مؤسسي وغير فردي،يحقق صالح الأوطان، ومشكلة الفتاوي الفردية أو غير المنسوبة لمؤسسة هي عدم انضباطها كما لا نستطيع محاسبة مُطلقها،ما يؤثر بالسلب علي المجتمع ككل،أما الفتاوي الصادرة عن المؤسسات يراعي فيها حال الناس وحال المُستفتي ما يحقق الصالح العام ويتطابق مع الشرع. الرئيس عبد الفتاح السيسي يُشدد دائما علي أهمية تجديد الخطاب الديني..ما جدوي ذلك عالميا؟ المؤسسة الرئاسية تتجه إلي النهج الاصلاحي البحت في كل المناحي، لكن الجماعات الإرهابية حاولت استغلال تلك الدعوات للترويج بشكل خاطيء إلي محاولة تسييس الدين، وللأسف الإرهاب يعمل بطبيعته علي زعزعة عقيدة الناس والتشكيك في المؤسسات،كما أن الدعوة إلي تجديد الخطاب الديني ليست جديدة فهي موجودة منذ فترة طويلة، لكن لأول مرة رئيس دولة يدعو بشكل صريح عنها، والدين بطبعه متجدد ويتوافق مع حال الناس، ومعني تجديد الخطاب الديني هو نقل الخطاب من مستوي صعوبة ادراك الناس له إلي ما يحقق مصلحتهم بأن يكون واقعيا ويحقق المأمول، ما يناقش الأفكار غير المهمة التي تعزل الناس عن واقعهم وتؤثر بالسلب علي الناحية الدعوية. وما تأثير ذلك أيضا في محاربة أفكار الجماعات المتطرفة؟ من أهم انجازات تجديد الخطاب الديني الانتقال من المحلية إلي العالمية،لأن العالم كله أصبح مفتوحا، والجماعات الإرهابية اساءت للمسلمين مع الأسف،وهذا دورالمؤسسات الدينية التي تبتعث المشايخ والعلماء الذين يجيدون التحدث باللغات الأجنبية، ويمثلون صورة وسطية للدين الحنيف لبث المزيد من دعاوي السلام التي تصدر عن الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء عن طريق المؤتمرات العالمية والملتقيات داخل وخارج مصر. تبادل الأفكار إذن..ما دور وزارة الأوقاف لجذب الشباب إلي الإسلام الوسطي ؟ وزارة الأوقاف تتخذ خطوات جادة في هذا الشأن؛علي رأسها الحد من انتشار الفتاوي عبر السوشيال الميديا، وارسال مُبتعثين حول العالم، وتنظيم العديد من القوافل التي تغطي محافظات الجمهورية، وتنظيم المؤتمرات الدولية،علاوة علي مسابقة القرآن الكريم التي تخطت موضوع الحفظ إلي الفهم والحوار مع تبادل الأفكار بين عدد كبير من شباب الدعاة وطلاب الجامعات، وعبر وسائل التواصل الحديثة والإعلام، كما يحاول الداعية الشاب الظهور بملابس بعيدة عن مظهر الأزهري التقليدي حتي يقترب ظاهريا وفكريا ومعنويا مع الجيل الجديد. لكن هناك فتاوي مُضللة تنتشر سريعا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويستند إليها هؤلاء الشباب في حياتهم اليومية؟ لا أستطيع التأكيد بشكل جازم علي ضبط الفتاوي المضللة عبر »السوشيال ميديا»، لكنه علي أية حال خطوة علي الطريق، فهناك متابعة لتلك الفتاوي من خلال مرصد الأزهر ودارالافتاء علاوة علي وجود نقلة نوعية للمؤسسات الدينية عبر منصات التواصل الاجتماعي، وزوارها في زيادة ملحوظة ويتخطون الملايين،وهذا في حد ذاته نجاح. وما الذي يعوق تجديد الخطاب الديني محليا؟ الخطاب الديني وتجديده يواجه تيارين مُختلفين،أحدهما يري أن تجديد الخطاب الديني هو تميّيع للدين، وينتظر من الدعاة تبديل الأحكام والشريعة، لكن معاذ الله أن يحدث ذلك، فلابد أن يكون الدين متوافقا مع حال الناس، لكن هناك تيار آخر يزعم أنه مُحافظ،يخاف من فكرة الخطاب الديني لأنه يتكسب من الجمود، كما يمثل عنصر تشويق عند قطاع كبير،و بين هذين التيارين لابد أن يتحمل الداعية المجدد عبء هذه المهمة الثقيلة التي يبتغي فيها وجه الله وحده. ومن المسئول عن تجديد الخطاب الديني اذن؟ المؤسسات الدينية الرّسمية، المتمثلة في المؤسسة العلمية هي الأزهر الشريف والجناح الدعوي وهي وزارة الأوقاف، والجناح الفقهي متجسدة في دار الإفتاء، لكن بعض الناس التمس فكرة الإجتهاد بشكل خاطيء،وتنوعت المذاهب،وأصبح ضرورة أن تتدخل المؤسسة والجهات المنوطة بتجديد الخطاب، ما يحقق العديد من المميزات، أهمها عدم السير علي هوي بعض الأشخاص،ووضع قواعد تحقق مصلحة الناس، علاوة علي القدرة علي محاسبة المخطيء، وهذا مهم جدا، فعندما كان العمل فرديا رأينا جماعات وتيارات تحدثوا في الدين بشكل عشوائي،وأحدثوا بلبلة، لأنهم غير منتمين لمؤسسة بضوابط علمية تحاسب المخطيء. لهذا السبب أصدرت الأوقاف والأزهر قائمة بأسماء شيوخ بعينهم للظهور في الإعلام؟ بالتأكيد أي ضوابط تضعها المؤسسات الدينية في هذا الصدد يكون الغرض منها الحفاظ علي التشريعات والأحكام الدينية وصورة الإسلام أمام الناس، وفكرة اختيار عدد من المشايخ لإصدار الفتاوي هو أحد الحلول لذلك، لكنها هي ليست حّكرا علي أحد، فالمؤسسات الدينية مليئة بالشخصيات المتميزة. وهل نجحت الأنظمة الغربية في توطيد ما يعرف ب »الإسلاموفوبيا»؟ ليس هناك أدني شك من وجود شخصيات ومؤسسات تحاول تشويه صورة الإسلام،وأيًا كانت هذه المنظمات وأفكارها، نسعي لرصدها ونحاول محاربتها،وأيًا كانت المُسميات، فتلك الأنظمة تسعي بكل ما في وسعها لنشر التطرف والمعتقدات المغلوطة عن صحيح الدين. اختيار الموضوعات من ناحية أخري أصبحنا نواجه يوميا ظواهر اجتماعية خطيرة علي رأسها الانتحار والطلاق والتحرش؟ هل هناك خطط لوزارة الأوقاف للتصدي لذلك؟ وزارة الأوقاف حريصة جدا أن يكون الخطاب واقعيا،حيث يتم اختيار الموضوعات بعناية لخطبة الجمعة، وكذلك الندوات التي تنظمها الوزارة مع المؤسسات الصحفية الكبيرة عن المشكلات المجتمعية منها الإلحاد والتكفير والتحرش، ويتم رفعها عبر موقع وزارة الأوقاف بالصوت والصورة من أجل التوثيق الرقمي؛لأن الشباب يستخدم الانترنت باستمرار، ومن ناحية أخري نقطع الطريق علي الجماعات المتطرفة التي تجذب الشباب من خلال موضوعات معينة مثل التعامل مع الآخر والخلافة والحرب والسّلم، فالوزارة كثفت من الحوارات والندوات كما أصدرت فيما بعد عددا من المؤلفات. علي ذكر المؤلفات.. هناك العديد من الكتابات المُحرضة التي يستند إليها الإرهابيون في جرائمهم؟ مارأيك في ذلك؟ المراجعات الثقافية موجودة باستمرار لوقف نشر هذه الكتب والمؤلفات في السوق، لكن لابد أن نشير إلي دور أولياء الأمور في التواصل مع ابنائهم، حتي لا يتسبب ذلك في تكوين صورة عدائية عن المجتمع ويُحدث اضطرابات كبيرة في شخصيتهم. وهل هناك علاقة بين الفتاوي المغلوطة والعمليات الإرهابية؟ بالطبع، فأي فكر متطرف وراءه جماعة ارهابية، ثم يأتي دور التمويل وتجار الدم، وليس معني ذلك أن رجل الدين الذي يحفظ القرآن ويصلي قادرعلي الدعوة في الناس والافتاء بالعكس هذا علم يستند علي المواجهات الفكرية، وليس هناك مشكلة في تبني فكرة، ولكن تعدي أي فكرة إلي منطقة ايذاء الآخرين أمر مرفوض. في رأيك هل تصلح المرأة في مجال الدعوة؟ أي إنسان يصلح لتلك المهمة، مادام مؤهلاً لها، فالبعض اختزل فكرة الدعوة إلي الدين في الصراع بين رجل وامرأة، فهي ليست مباراة كرة قدم، القضية في الكفاءة، فالرسول(ص) قال عن زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها: خذوا نصف دينكم عن هذه،وأسماء بنت يزيد كانت تخطب في النساء، والقرآن ذكر نموذجا لملكة سبأ التي طلب منها جنودها القتال لكنها عدلت عن قرارها فجأة، فأشاد القرآن برجاحة عقلها، فلدينا مشكلة في فهم النص واستدلال خاطيء بسبب الجماعات التكفيرية التي جعلت المرأة مجرد وعاء جنسي أو من الذين لديهم حساسية من الدين ويصورونه ماردا. وأخيرا..ماذا تقول للدُعاة الجُدد؟ أقول لنفسي قبلهم،المسئولية أصبحت أكثر صعوبة من قبل، بسبب التقدم التكنولوجي وانتشار الإنترنت، لذا يتوجب توافر شروط بعينها في أي داعية، أهمها الإخلاص وامكانية مّد جسور الثقة مع الناس، فمن أراد الدين لله أعطاه الله الدين والدنيا، ومن أراد الدين للدنيا،أفسد الله عليه دينه ودُنياه.