الازمة العاصفة والدائرة حاليا، بين السادة القضاة والسادة المحامين، وهي ازمة غير مسبوقة، تمثل فتنة حقيقية في محراب العدالة ادمت قلوب العقلاء والحكماء من ابنائها.. وابناء الوطن وهزت الرأي العام بتوابعها وما آلت اليه. ولهذا دعا مجلس الوزراء اخيرا إلي اجتماع حضره السيد المستشار وزير العدل والسيد المستشار رئيس مجلس القضاء ورئيس نادي القضاة يوم الاحد الماضي للتهدئة وبحث سبل الاصلاح والعلاج ومازال النقاش دائرا، والذي يؤكد انها ازمة مفتعلة، ان تشكيل اللجنة واعداد مشروع قانون جديد للسلطة القضائية، يأتي في توقيت غريب ومناخ غير مناسب، اذ ان العلاقة بين القضاة والمحامين دوما محل تقدير وتوقير واحترام متبادل.. واذكر نفسي والزملاء الافاضل من جناحي العدالة.. بأقوال الرعيل الاول من مقام عبدالعزيز باشا فهمي رئيس محكمة النقض الاسبق، اذ اكد في خطابه عند افتتاح الجلسة الاولي من جلسات الدائرة الثانية لمحكمة النقض »ان المحامين عليهم مشقة كبيرة بين البحث والابداع، ولاشك ان عناء المحامين في عملهم عناء بالغ جدا لا يقل البتة عن عناء القضاة في عملهم، بل اسمحوا لي ان اقول ان عناء المحامي اشد في وجوه كثيرة عن عناء القاضي لان المبدع غير المرجح«، وهي شهادة تقدير من رجال القضاء تعبر عن معني التوقير والاحترام للمحاماة والمحامين. كذلك كان تقدير المحامين للقضاة، اذ اختار المحامون عبدالعزيز باشا فهمي نقيبا للمحامين، لتولي منصب النقيب بعد ابراهيم الهلباوي اول نقيب للمحامين عقب صدور قانون انشاء نقابة المحامين عام 2191، التي كانت من قبل عام 6781 »جماعة المحامين« وقد شارك سعد زغلول باشا في لجنة اعداد لائحة المهنة ولأول مرة. كذلك كان المحامون دوما مدافعين عن استقلال القضاء، اذ لم يقف الامر عند الحوارات أو المناقشات أو اقامة الندوات، وانما كان ذلك بقرارات حاسمة لجمعيتهم العمومية، حيث اصدر مجلس النقابة في 81 فبراير 0591 قرارا دفاعا عن استقلال القضاء بمناسبة انقاص مرتباتهم بما يؤثر علي استقلالهم واستقرارهم الاقتصادي والاجتماعي، كما صدر القرار في اجتماع الجمعية العمومية لنقابة المحامين بجلسة 92/21/0591 للمطالبة بالعمل علي رفع شأن القضاة وتحسين مرتباتهم واحوالهم، وكذلك اعتراض المحامين علي الكثير من التشريعات التي كانت تنال من استقلال القضاء قبل مذبحة القضاء وبعدها. هذه العلاقة الوثيقة دوما بين المحامين والقضاة تكشف عن مشاركة المحامين مشاركة حقيقية مع السلطة القضائية في تحقيق العدالة وسيادة القانون وصون حق الدفاع، وهي عين مسئولية السلطة القضائية، ولهذا عبرت عنها المادة الاولي من قانون المحاماة منذ اكثر من ثلاثين عاما، بأن المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدل وسيادة القانون، وكفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم مع السلطة القضائية، وان المحاماة مهنة حرة يمارسها المحامون وحدهم في استقلال ولا سلطان عليهم في ذلك لغير ضميرهم والقانون. فكف لنا ايها السادة ان نسمع أو نشاهد ما نراه؟ أو نقبل علي انفسنا هذا الصدام والصراع بين طرفي العدالة؟ وهي مسئولية جسيمة، وميثاق غليظ امام الله وامام الوطن والناس اجمعين، واذا كان ما وقع سحابة عارضة مفتعلة، وهي كذلك في اعين الحكماء والعقلاء وهم الكثرة والغلبة من الجناحين، فعلينا ان نتذكر دوما ذلك الزمن الجميل والقدوة الحسنة من الرعيل الاول.. ونقول لمن تسببوا فيها، عفوا أو قصدا.. عودوا ايها السادة إلي ضمائركم وإلي التاريخ وحكموا عقولكم.. سامحكم الله وغفر لكم. وعلينا جميعا ان نفطن إلي كل ذلك وألا نقع في ذلك الفخ اللعين، وان ننتبه إلي الفتن، حتي يظل بنيان العدالة قويا متماسكا برجاله الاشداء، وحكمائه المخلصين. ومهما بلغ الحال، فلسوف تظل العلاقة دوما بين القضاة والمحامين صادقة وقوية بمسئوليات راسخة واهداف مشتركة، رسالة سامية، يسعي الجميع إلي تحقيقها، اذ يستعين القضاة دوما بالمحامين حتي في قضاياهم الشخصية مهما كانت وعند الازمات أو الصراعات، وفوق هذا وذاك فالجميع بينهم زمالة متينة. وابناء دراسة واحدة في الحقوق والحريات وفي علوم القانون والفلسفة وعلم الاجتماع والاخلاق!! والحل ايها السادة يكمن في الحكماء من الجناحين.. بلجنة بينهما، ليس لاحد فيهم صالح أو مصلحة، وليس منهم طرف في خصومة أو منازعة أو صراع، يستشعر الحرج فيها من له مصلحة، علي ان تدعو هذه اللجنة لاجتماع عاجل لبحث القضايا الحالة أو الآجلة، لاحياء مواثيق الشرف والتقاليد العريقة، واصلاح ما فسد، وتوثيق العلاقة بين جناحي العدالة، ونشر ثقافة الاحترام والتقدير المتبادل ونبذ الخلاف، ويستمر ترسيخ التعاون في احياء العلوم والسوابق القضائية والتعاون في مجالات العلوم الانسانية وقواعد العدالة والاخلاق.. من اجل خير المجتمع والانسان في هذا الوقت العصيب.