في وداع رمضان لا بد أن نتذكر أنه شهر الرحمة، وأن من أسماء الله الحسني: الرحمن، والرحيم، وهما اسمان يقترنان كثيراً ويستوقفانني كثيراً، فهما موجودان في البسملة، وهما موجودان في الفاتحة لا تفصلهما سوي آية واحدة عن البسملة، كما نجد الاسمين في أكثر من آية أخري مقترنين، فهل لهذا دلالة؟ أصل الكلمتين واحد، وهو رَحِمَ، ورَحِمَه أي رق له قلبه وعطف عليه، وفي معجم القرآن الكريم: الرحمة من الله هي الإحسان، وتطلق الرحمة أيضاً علي ما يكون سبباً في رحمة الله من كتاب أو رسول، وهي أيضاً : النعمة علي المحتاج... في ضوء هذا يمكننا أن نفهم معني الاسمين؛ فكلمة الرحمن من الناحية اللغوية هي صيغة مبالغة تطلق علي الله سبحانه وتعالي وحده، معناها: الذي وسعت رحمته كل شيء، والذي يعطف علي البَر والفاجر من خلقه، أما اسم الرحيم فمعناه في رأي علي بن أبي طالب ينصرف إلي رحمة الله لمن تاب وآمن وعمل صالحا. وفي سورة الأنعام نجد معني عظيماً، يتكرر مرتين، ليعطي البشري لعباد الله، وهو أن الله كتب علي نفسه الرحمة. يقول سبحانه في الآية الثانية عشرة: " قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَي نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَي يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ". ويقول في الآية الرابعة والخمسين: "كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَي نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ". ويصف سبحانه رحمته بالشمول فيقول "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ" وهذه الكلمات لها تفاصيل بديعة لولا ضيق المساحة لوقفنا عندها تفصيلاً. ومن لا يرحمه الله فهو خاسر، والآيات العديدة تذكر هذا صراحة، أما الطريق لرحمة الله فهو قريب جداً: "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ". ومن الصفات التي يصف الأنبياء بها ربهم وهم يدعونه صفة "أرحم الراحمين"، وهذا الوصف من الأنبياء للذات الإلهية يدل علي أن رحمة الله من الأشياء التي يطمح إليها حتي ألأنبياء أنفسهم، وكأنه سبحانه حين ذكر في قرآنه وصف الأنبياء له بهذين الاسمين أراد أن يقول لنا: إذا كان الأنبياء وهم من هم يطلبون رحمتي، أفليس حرياً بكم أن تطلبوها أنتم أيضاً؟ وترتبط الرحمة بالمغفرة، ولذلك نجد أن أول طلب طلبه آدم وحواء بعد أن عصيا ربهما هو "قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" اللهم اغفر لنا وارحمنا.