عن القدوة المُلهمة لشباب الإسلام يُحدثنا د. محمد فوزي عبد الحي، كلية اللغات والترجمة، جامعة الأزهر، ويقول: أسفرت شمس يوم بعاث عليلة، تحمل أشعتها الدم، والتقي أبناء الإخوة الأوس والخزرج ومع كل منهما حلفاؤه، يتقاتلون ويسفك بعضهم دم بعض في حرب أهلية جاهلية، وانجلي الغبار عن هزيمة منكرة للخزرج، قتل فيها جمهرة رجالهم، وكان بين القتلي ثابت بن الضحاك الخزرجي، والد زيد بن ثابت، وكان لزيد يومئذ ست سنوات، فتربي يتيما ثم كان مقدم رسول الله إلي المدينة وعُمره إحدي عشرة سنة، حيث جاء إلي رسول الله مسلما مبايعا، وكان قد حفظ من القرآن قبل هجرة النبي، فقيل للنبي هذا فتي من بني النجار، قرأ سبع عشرة سورة، فقرأ علي النبي فأعجبه ذلك منه، ثم أمره بتعلم اللغة العبرية، فقد روي أبو داود بسنده لزيد بن ثابت قال أمرني رسول الله أن أتعلم كتاب يهود أي العبرانية، وقال: »تعلّمْ كتاب يهود، فإنّي ما آمنهم علي كتابي»، ففعلتُ، فما مضي لي نصف شهر حتي حَذِقْتُهُ، فكنت أكتب له إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأتُ له. ويتابع د. فوزي: كان زيد يحفظ من ينزل من القرآن، كما كان يكتب الوحي لرسول الله، واستجمع بذلك عملا وخبرة أهلته لترؤس لجنة جمع المصحف في عهد الصديق وله من العمر ثلاثة وعشرون عاما، وذلك بمشورة الخليفة أبي بكر وقاضيه عمر بن الخطاب، وقال أبو بكر لزيد »إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك؛ قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلي الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه. قال زيد: فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل علي مما كلفني من جمع القرآن! قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلي الله عليه وسلم؟! قال أبو بكر: هو والله خير. فلم يزل يحث مراجعتي حتي شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، ورأيت في ذلك الذي رأيا، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب والرقاع واللخاف وصدور الرجال. ويضيف د. فوزي أنه بذلك يكون لزيد الفضل الأكبر في جمع القرآن وحفظه، لذلك عرف الصحابة له فضله، فكان ابن عباس يمسك بركابه احتراما وإجلالا، فيقول له زيد: » تنح يا ابن عم رسول الله»، فيجيبه ابن عباس: »هكذا نصنع بعلمائنا» وولاه عمر بن الخطاب القضاء وكان يستخلفه إذا حجّ علي المدينة، وعرف زيد بعلمه لرسوخ قدمه في علم الفرائض وحفظ القرآن وكان أحد أصحاب الفَتْوي الستة من الصحابة وهم: عمر وعلي وابن مسعود وأبيّ وأبو موسي وزيد بن ثابت.