نزل القرآن الكريم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى نحو ثلاثة وعشرين عامًا، وقيل فى عشرين عامًا، وتوقف نزول الوحى بانتقال الرسول الكريم الى الرفيق الأعلى، وقد نزل بعضه فى مكة وبعضه الآخر فى المدينة. وكان الرسول كلما تلا آية أو سورة كتبها الصحابة على ما يكتب عليه فى تلك الأيام من رقاع الجلود، والعريض من العظام، الأكتاف والأضلاع، وعلى العُسب وهى قحوف جريد النخل، واللخاف وهى الحجارة العريضة البيضاء. وحين توفى الرسول الكريم سنة 11هجريًا / 632 ميلاديًا، كان القرآن إما مدونًا على صحف الكتابة التى ذكرناها، وإما محفوظًا فى صدور الرجال الذين كانوا يسمون «القراء». وفى خلافة أبى بكر الصديق -رضى الله عنه- قامت حروب الردة خاصة غزوة اليمامة التى مات فيها عدد كبير من المسلمين حافظى القرآن الكريم «القراء»، وعندئذ خاف عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- واقترح على أبى بكر الصديق -رضى الله عنه- جمع القرآن فوافقه أبوبكر وعهد إلى زيد بن ثابت -كاتب الوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم- القيام بهذه المهمة، فجمع سور القرآن وآياته من المواد المختلفة التى كان مدونًا بها، كما جمعه من صدور الرجال، واستطاع خلال سنتين أو ثلاث أن ينجز عمله على خير وجه. ظلت الصحف التى جمع فيها القرآن فى حوزة أبى بكر حتى وفاته وبعد ذلك انتقلت إلى الخليفة عمر بن الخطاب وبعد وفاته انتقلت إلى بيت حفصة ابنته وزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ولما اتسعت الفتوح الإسلامية فى عهد عثمان بن عفان -رضى الله عنه- وتفرق المسلمون فى الأمصار وعند بعضهم نسخ من القرآن وقد رتبها كل منهم ترتيبًا خاصًا واختلفوا فى قراءة بعض الآيات، فخاف عثمان من سوء العاقبة فى اختلاف المسلمين، وطلب النسخة المحفوظة عند حفصة، وعهد إلى زيد بن ثابت، وعبدالله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام بجمعها فى مصحف واحد وأمرهم بأن يستعينوا على القراءة بما حفظه القراء، وبعد أن أتموا جمع المصحف عام 30 هجرًيا / 650 ميلاديًا، كتبت منه أربع نسخ بعثها عثمان الى الأمصار الأربعة (مكة والبصرة والكوفة والشام)، وابقى اثنتين فى المدينة. وقد وصل إلينا المصحف الذى جمعه عثمان منسوخًا، وتألفت سور القرآن من 114 سورة، 88 منها مكية، و 26 مدنية، وعدد آياته 6236 آية، وعدد كلماته 77439 كلمة، وعدد حروفه 340740 حرفًا. ولم يكن القرآن منقطًا ولا مشكلًا، وقد تم تنقيطه على يد نصر بن عامر الليثى، وتم تشكيله على يد أبى الأسود الدؤالى فى عهد خلافة معاوية بن أبى سفيان.