كان زيد بن ثابت من أكثر الصحابة إتقانا لحفظ القرآن وتفانيا في جمعه. وباركه الرسول- صلي الله عليه وسلم- بالدعاء. وشهد له الصحابة بالسبق والتقدم في العلم والحكمة. وكان ضليعا في المواريث والفقه. ولقب بالإمام الكبير وشيخ المقرئين ومفتي المدينة ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة الأنصاري من بني النجار أخوال الرسول- صلي الله عليه وسلم- بالمدينة. والملقب أبو سعيد وأبو خارجة. كان يتيما يوم قدم الرسول- صلي الله عليه وسلم- للمدينة. فقد توفي والده يوم بُعاث وسنه لا يتجاوز إحدي عشرة سنة. وأسلم وهو صغير مع المسلمين من أهله. وعكفت أمه علي تربيته وتعليمه وحثه علي الجهاد في سبيل الله. ففي غزوة بدر ذهب إلي الرسول- صلي الله عليه وسلم - يرجوه أن يخرج معهم في سبيل الله في تلك الغزوة. فلما أشفق عليه الرسول- صلي الله عليه وسلم- لصغر سنه ورده ردا كريما. حزن حزنا شديدا فوعده الرسول-عليه الصلاة والسلام- بالغزوة المقبلة. وأذن له بالجهاد في غزوة الخندق. وفي يوم تبوك أمره النبي-صلي الله عليه وسلم- بحمل راية بني النجار بدلا من عُمارة بن حزم. فقال عُمارة: يا رسول الله بلغك عني شيء. قال الرسول- صلي الله عليه وسلم:¢ لا ولكن القرآن مقدم. وزيد أكثر أخذا منك للقرآن. وعرف بالعقل الراجح وحدة الذكاء. وجودة الذهن ونعمة الحفظ الجيد والذاكرة القوية ومحبة العلم. ويروي أن بعض رجال قومه أتوا به إلي الرسول- صلي الله عليه وسلم- وأخبروه أنه قد حفظ سبع عشرة سورة من القرآن الكريم. فعرض عليه النبي- عليه الصلاة والسلام- أن يتعلم كتاب اليهود ¢التوراة¢ فقد قال له الرسول:¢ يا زيد تعلم لي كتاب يهود فإني والله ما آمنهم علي كتابي ¢. ويروي أيضا أنه تعلمه في نحو أسبوعين وأتقنه تماما. وكان يكتب له إليهم. وإذا كتبوا إليه قرأ له - عليه الصلاة والسلام ويحكي عن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت قال: قال لي رسول الله- صلي الله عليه وسلم أتحسن السريانية ¢. قلت لا. قال:¢ فتعلمها فإنه تأتينا كتب بها. قال فتعلمتها في سبعة عشر يوما. قال الأعمش كانت تأتيه كتب لا يشتهي أن يطلع عليها إلا من يثق به من هنا أطلق عليه لقب ¢ ترجمان الرسول صلي الله عليه وسلم وكان أكثر الصحابة إتقانا لحفظ القرآن. ووعاء لحروفه. وأداء لقراءته. وضبطا لإعرابه ولغاته مع فهمه لما يقرأ. فكلفه الرسول-صلي الله عليه وسلم- لعدله ورويته وبراعته وإتقانه في التعلم والحفظ وأمانته ودقته في النقل. بكتابة الوحي الذي يتنزل عليه- صلي الله عليه وسلم- وداوم علي كتابة بعضه أو كله وشهد العرضة الأخيرة للقرآن. و قال أنس: جمع القرآن علي عهد رسول الله أربعة. كلهم من الأنصار : أبي. ومعاذ. وزيد بن ثابت. وأبو زيد. وعقب وفاة الرسول-صلي الله عليه وسلم- اجتمع المهاجرون والأنصار لاختيار خليفة منهما في سقيفة بني ساعدة. فقال الأنصار للمهاجرين رجل منا ورجل منكم. ولكن زيد بن ثابت أشار عليهم برأيا سديدا جعل الناس جميعا ترضي بحكمه. قال: إن رسول الله كان من المهاجرين ونحن أنصاره وإنما يكون الإمام من المهاجرين ونحن أنصاره ولما وقعت حرب الردة قتل عدد كبير من حفظة القرآن في معركة اليمامة. فبعث إليه خليفة المؤمنين أبو بكر وكان عنده عمر بن الخطاب فقال له: يا زيد إن عمر أخبرني أن عددا كبيرا من حفظة القرآن قد قتلوا وإنه يعرض علي أن نقوم بجمع القرآن. وإنك رجل شاب عاقل لا نتهمك. قد كنت تكتب الوحي لرسول الله -صلي الله عليه وسلم- فتتبع القران فاجمعه وقال زيد: كيف نفعل شيئا لم يفعله الرسول-صلي الله عليه وسلم. ولكن عمر ظل يناقش زيدا حتي شرح الله صدره لذلك كما شرح صدر أبي بكر. وقال: فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن وأخذ يتتبع القرآن. ويجمعه من العسب واللخاف والرقاع وغيرها مما كان مكتوبا بين يدي الرسول- صلي الله عليه وسلم ومن صدور الرجال. وكان لا يكتب شيئا حتي يشهد شاهدان علي كتابته وسماعه من الرسول-صلي الله عليه وسلم- ورتبه علي حسب العرضة الأخيرة التي شهدها مع الرسول-عليه الصلاة والسلام- وأودعه عند أبي بكر حتي توفي. وبقيت في رعاية عمر. ثم عند أم المؤمنين حفصة وفي عهد عثمان بن عفان-رضي الله عنه- كان الصحابة قد انتشروا في البلاد واتسعت الفتوحات. واختلفت القراءات بين الناس وخطأ بعضهم بعضا. وكادت أن تحدث فتنة فقال عثمان: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله صلي الله عليه وسلم زيد بن ثابت قال: فأي الناس أعرب - وفي رواية أفصح -؟ قالوا: سعيد بن العاص. قال: فليمل سعيد. وليكتب زيد فاستدعاه عثمان بن عفان وكلفه بكتابة مصحفا. ولما انتهي من كتابته عرض عثمان المصحف علي صحف حفصة. فلم يختلفا في شيء. فقرت نفسه رضي الله عنه وفي رواية لمحمد بن سيرين: أن عثمان جمع لكتابة المصحف اثني عشر رجلا من المهاجرين والأنصار. منهم زيد بن ثابت. وفي روايات متفرقة منهم: مالك بن أبي عامر. وكثير بن أفلح. وأبي بن كعب. وأنس بن مالك. وعبد الله بن عباس. وعبد الله بن الزبير.وسعيد بن العاص. وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ويقول ابن حجر: وكأن ابتداء الأمر كان لزيد وسعيد. ثم احتاجوا إلي من يساعد في الكتابة بحسب الحاجة إلي عدد المصاحف التي ترسل للآفاق. فأضافوا إلي زيد من ذكر. وكان عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- يستخلفه إذا حج علي المدينة. واستعمله علي القضاء وفرض له رزقا. وهو الذي تولي قسمة الغنائم يوم اليرموك. وعن سليمان بن يسار. قال: ما كان عمر وعثمان يقدمان علي زيد أحدا في الفرائض والفتوي والقراءة والقضاء. فقد كان أحد أصحاب الفتوي الستة عمر وعلي وابن مسعود وأبي وأبو موسي. ويروي عن الشعبي انه قال: غلب زيد الناس علي اثنتين الفرائض والقرآن. وقال عبد الله بن عباس: أخذت لزيد بن ثابت بالركاب فقال تنح يا بن عم رسول الله صلي الله عليه وسلم فقلت هكذا نفعل بعلمائنا وكبرائنا. وذكر أحمد بن عبد الله العجلي: الناس علي قراءة زيد. وعلي فرض زيد. وقال الزهري: لولا أن زيد بن ثابت كتب الفرائض. لرأيت أنها ستذهب من الناس واختلف في وفاة الإمام زيد قال الواقدي وهو إمام المؤرخين مات سنة 45ه. وقال أحمد بن حنبل وعمرو بن علي سنة 51 ه. وقال المدائني والهيثم ويحيي بن معين انه توفي سنة 55 ه. والراجح انه توفي بالمدينة سنة 45ه في زمن معاوية. وعن يحيي بن سعيد قال: لما مات زيد بن ثابت قال أبو هريرة: مات اليوم حبر هذه الأمة. ولعل الله يجعل في ابن عباس منه خلف.