ما أن ينتهي تصعيد وتوتر بين إيرانوالولاياتالمتحدةالأمريكية، حتي يصعد آخر. ومازالت طهران تحافظ علي سياسة الرد بالمثل، ومازالت واشنطن تصر علي زيادة الضغط علي إيران، لإجبارها علي الانكماش الخارجي. والعقوبات الأمريكية المفروضة عليها، خصوصا العقوبات النفطية والمصرفية مهمتها الأولي هي إجبار النظام الإيراني علي تعديل سلوكه، خاصة أن يد إيران مازالت لها بصماتها في سوريا والعراق واليمن ولبنان. ومازالت إيران تراهن علي قوة التحمل والقدرة علي تخطي العقوبات لمواجهة العقوبات الأمريكية. وكذلك تراهن علي مناطق نفوذها وتمددها في الخارج للضغط علي واشنطن بتهديد مصالحها. ازداد الموقف سوءا بين واشنطنوطهران بشكل كبير ابتداءً من يوم الأحد الماضي بعد أن أشارت إدارة ترامب إلي أن لديها معلومات استخبارية بأن إيران والجماعات التي تدعمها في الشرق الأوسط قد تهاجم أفرادًا أمريكيين موجودين هناك، فأرسلت إدارة ترامب حاملة طائرات أمريكية وقاذفة قنابل إلي المنطقة في رسالة واضحة للحكومة الإيرانية بأن أي هجوم، سواء من قبل الحرس الثوري أو القوات التابعة للجمهورية الإسلامية أو الجيش الإيراني، سيتم الرد عليه بقوة عنيفة لا تُقاوم. وفي الوقت الذي تدرس الولاياتالمتحدة فرض عقوبات جديدة علي مبيعات إيران من البتروكيماويات، كوسيلة لإغلاق طرق الوصول إلي الموارد المالية أمام إيران، حتي تضطر طهران إلي العودة للجلوس علي طاولة المفاوضات للتوصل إلي اتفاق نووي تريده الحكومة الأمريكية، أعلنت طهران تقليص بعض من التزاماتها ضمن الاتفاق النووي، وأكد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إن بلاده ستواصل تخصيب مخزون اليوارنيوم في الداخل، بدلا من بيعه إلي الخارج. وهدد أيضا باستئناف إنتاج يورانيوم عالي التخصيب خلال 60 يوما. وأبلغ بذلك كلا من بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا وأمهلهم 60 يوما للوفاء بالتزاماتهم في القطاعين المصرفي والنفطي. يبدو أن إيران تسعي إلي الحفاظ علي توازن صعب، بالتراجع عن بعض القيود التي يفرضها الاتفاق، في الوقت الذي تحاول فيه ألا تنسحب من الاتفاق برمته. وتواجه إيران متاعب متزايدة من إعادة فرض العقوبات الأمريكية عليها. وهي تريد من الأوروبيين أن يأخذوا خطوات عملية للتخفيف عنها. وإن لم يحدث هذا، فقد تسعي إيران إلي إعادة النظر في التزامها الكامل بالاتفاق، الذي انسحبت منه الولاياتالمتحدة قبل عام. ويضع هذا الأوروبيين أمام معضلة كبيرة. فهم محاصرون بين الإيرانيين وإدارة ترامب. فهل يستطيعون الاستمرار في تأييد الاتفاق إذا لم تكن إيران ملتزمة ببنوده؟ مازال مؤيدو الاتفاق من الأوروبيين، الذين يعارضون إعادة فرض العقوبات، يسعون إلي إيجاد سبيل لإنقاذه. وبين ذلك تأسيس نظام خاص للدفع لمساعدة الشركات الدولية التي تريد الاستمرار في التجارة مع إيران علي تجاوز العقوبات. ولكنهم أيضا نصحوا إيران بالاستمرار في الالتزام بكل أجزاء الاتفاق، خاصة العناصر المتعلقة بالنشاط النووي. وقد أبدت دول عدة قلقها من التصعيد الحاصل بسبب الاتفاق النووي الإيراني وسعي أمريكا لتضييق الخناق علي إيران، وقرار الأخيرة التراجع عن تنفيذ بعض التزاماتها في الاتفاق إذا لم تحمها القوي العالمية من العقوبات الأمريكية. فاعتبرت روسيا أن إيران تعرضت لاستفزاز سبب تراجعها عن بعض بنود الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بسبب ضغوط خارجية، ملقية باللوم في ذلك علي الولاياتالمتحدة. من جهتها، قالت الخارجية الصينية إن الاتفاق النووي الإيراني يجب تنفيذه بالكامل، وكل الأطراف مسئولة عن ضمان تحقيق ذلك. أما وزيرة الدفاع الفرنسية فقد أكدت أن بلادها تريد الإبقاء علي الاتفاق النووي، . وفي ظل موجات التصعيد بين واشنطنوطهران التي أصبح سقف خطابها عاليا، يتساءل البعض عما إذا كان ثمة نذر »مواجهة» أمريكية مع إيران تلوح في الأفق، بينما رأي آخرون أن إيران ستكون »الخاسر الأكبر» في حال حدوث مواجهة. يشير بعض المحللين إلي أن واشنطن قرعت طبول الحرب جدياً هذه المرة، ووجهت رسالة واضحة لنظام طهران بأن مخططات الاحتكاك غير المباشر عبر الوكلاء فقدت جدواها، وأنها ستتحمل مسئولية أي فعل عدائي يقدمون عليه ضد الولاياتالمتحدة أو ضد حلفائها في المنطقة. . ويرون أن إيران ستكون »الخاسر الأكبر إذا قرّرت التدخل للتأثير علي أمن الملاحة في مضيق هرمز، لأن الرد الأمريكي سيكون ساحقاً علي ما يبدو، ولم يبق لها مجال إلا بتبني خيار تراجعٍ مشرّف، يتيح لها العودة إلي المجتمع الدولي، بإعلان قبولها بالشروط الاثني عشر. في المقابل يستبعد محللون آخرون شروع الولاياتالمتحدة في حرب ضد إيران، من منطلق أن أمريكا لن تُقدم علي تجربة عسكرية بعد تلطخ سمعتها في حربها التي شنّتها في أفغانستان والعراق، لذا أصبح من المؤكد أن تلجأ إلي السلاح الاقتصادي الذي هو الخيار المرحلي الوحيد أمام الرئيس الجمهوري المتخبط. ووفقا لما قاله مساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق الجنرال مارك كيميت »من أن الولاياتالمتحدةالأمريكية ليست بصدد إعلان حرب ضد إيران، والهدف من التعزيزات الأمريكية في الخليج هو الردع، فقد تُقدِم إيران نتيجة لخطأ في الحسابات وتحت ضغط العقوبات، علي تصرف غير محسوب وفي هذه الحالة نحن هناك للرد».