لن تكون الانتخابات البرلمانية القادمة مثالية كما نطمح ونصبو.. لكنها في ذات الوقت لن تكون مزورة.. بل ستكون افضل من كل الانتخابات التي عشناها، وستحظي بقدر من النظافة والشفافية يفرض علينا القبول بنتائجها، وان لم تعجب البعض منا.. ولنتذكر ان الكمال لله وحده. الانتخابات البرلمانية القادمة لن تكون مثالية لانها تجري وكل القوي والاحزاب السياسية، بما فيها القديمة، لم تتضح بعد.. بل ان بعضها مازالت تخفي نواياها وراء الشعارات العامة والفضفاضة.. وبعضها الآخر لاقي صعوبات هائلة في تشكيل قوائمها الانتخابية، رغم انها كانت تصر علي استبعاد الانتخابات الفردية.. والاكثر من ذلك ان بعض هؤلاء الذين تمسكوا بانتخابات القائمة عندما قرروا خوض الانتخابات ينافسون علي المقاعد الفردية! كما ان هذه الانتخابات تجري بطريقة ونظام لا يسمح بتمكين كل الناخبين من الادلاء باصواتهم فيها، نظرا لعدم تناسب عدد اللجان الانتخابية مع عدد الناخبين الذي بلغ نحو 05 مليون ناخب بدون ناخبي الخارج.. وبذلك سنمنع عمليا نسبة من الناخبين من الادلاء باصواتهم.. وهذه هي المشكلة التي واجهتنا اثناء الاستفتاء علي التعديلات الدستورية، حينما عاد ناخبون من امام اللجان الانتخابية دون التمكن من الادلاء باصواتهم بعد غلق هذه اللجان والصناديق. كذلك تجري هذه الانتخابات في ظل محاولات لشراء اصوات الناخبين عينا هذه المرة.. من خلال تنظيم القوافل الطبية، وبيع اللحوم باسعار منخفضة، ودفع المصروفات للتلاميذ غير القادرين، وتوزيع اسطوانات البوتاجاز باسعارها المدعمة، بالاضافة إلي الوعود العديدة التي تتراوح ما بين التوظف وتوفير المساكن.. وايضا تجري هذه الانتخابات في ظل اصدار القوي السياسية المؤيدة للدولة الدينية علي استخدام الدين في استمالة الناخبين وكسبهم، بل وايضا لاضعاف منافسيهم بتشويههم وتوجيه اتهامات لهم بانهم معادون للدين. وفوق ذلك كله فان هذه الانتخابات تجري في ظل تهديدات باستخدام العنف، وهي تهديدات جعلت البعض يتمادي في تشاؤمه لدرجة التنبوء بعدم استكمال هذه الانتخابات وتأجيلها بعد الجولة الاولي لها إلي اجل غير مسمي.. والغريب في الامر ان بعض المحذرين من هذا العنف تورطوا في توجيه تهديدات باستخدام العنف خلال الانتخابات.. وحتي اذا نجحت اجهزة الدولة ومعها قوات الشرطة العسكرية في توفير تأمين مناسب للعملية الانتخابية، لن يمكن الغاء تأثير هذه التهديدات باستخدام العنف علي العملية الانتخابية وعناصرها الاساسية من مرشحين وناخبين.. وكل ذلك بالقطع سوف يؤثر علي اتجاهات التصويت في الانتخابات البرلمانية القادمة ونتائجها مما سوف ينتقص من مثاليتها التي نتمناها وننشدها.. لكن في المقابل لا يمكن اغفال ان هذه الانتخابات سوف تخلو من مظاهر سيئة كثيرة كنا نشكو منها في ظل انتخاباتنا السابقة ابتداء ان ثمة ارادة سياسية بان تكون هذه الانتخابات نظيفة وخالية من التزوير وشفافه.. وهذا ما اكده رئيس المجلس الاعلي للقوات المسلحة الذي يدير شئون البلاد، ومعه نائبه رئيس الاركان وعدد من اعضاء المجلس في مناسبات عديدة، عندما قالوا انهم يريدونها انتخابات تتباهي بها مصر تفاخر بها الدول الاخري. لذلك.. سوف تختفي ظاهرة تصويت الموتي وتصويت الناخب الواحد اكثر من مرة، لان التصويت سوف يتم هذه المرة بالرقم القومي.. وايضا سوف تختفي ظاهرة تسويد الصناديق التي كانت تحدث بشكل فج ومستفز من قبل، لان الانتخابات تتم هذه المرة تحت اشراف القضاء وتحت رقابة مجتمعية واسعة.. وسوف تختفي ايضا ظاهرة منع بعض الناخبين بالقوة من قبل اجهزة الأمن من الادلاء باصواتهم، وهو ما كان ملازما لانتخاباتنا السابقة.. كما سوف تختفي ظاهرة استبدال صناديق الانتخابات التي تحوي بطاقات التصويت الحقيقية باخري تحوي بطاقات تصويت زائفة ومزورة.. كذلك سوف تختفي ظاهرة التلاعب في نتائج فرز الاصوات ورصدها من قبل القائمين علي هذه العملية، في ظل الرقابة القضائية ويقظة كل القوي السياسية المتنافسة وعدم وجود مصلحة مباشرة لاجهزة الادارة في ذلك. وكل هذا سوف يجعل نتائج عملية التصويت اكثر صدقا في التعبير عن ارادة الناخبين، وسيمنحنا انتخابات تتسم بقدر مناسب من المصداقية والنظافة والنزاهة.. وان كان لن يحقق لنا المثالية الكاملة التي نطمح إليها في الانتخابات.. لذلك.. نتمني ان نبذل جهدا اضافيا خلال الفترة القادمة وحتي بدء العملية الانتخابية من اجل توفير اقصي قدر من الامن لها، وتذليل الصعوبات العملية التي تعترض مشاركة الناخبين فيها بزيادة اعداد اللجان الانتخابية ومد فترة الادلاء بالاصوات إلي العاشرة مساء، في ظل صعوبة اجراء الانتخابات في يومين أو ثلاثة، لان الجدول الزمني للانتخابات الذي اعلنته اللجنة العليا للانتخابات لا يسمح بذلك. ونتمني ايضا ان تكون اللجنة العليا للانتخابات صارمة في مواجهة اية خروقات أو مخالفات تحدث اثناء الانتخابات سواء خلال الدعاية الانتخابية أو خلال عملية التصويت وفرز الاصوات، وان تكون استجابة اللجنة لملاحظات منظمات المجتمع المدني التي تتابع الانتخابات سريعة، لضمان تصحيح الاخطاء في الوقت المناسب. وقبل ذلك كله نتمني ان نقبل جميعا نتائج هذه الانتخابات حتي ولو جاءت غير مرضية لنا. فكل انتخابات فيها فائزون وخاسرون.. وعلي الخاسرين السعي لعلاج اخطائهم لكسب ثقة الناخبين في الانتخابات القادمة.