قال مضمونا عبرفيه عن وحشة الحياة كلما رحل عنها نجم ساطع فقال .... مقدمة ضرورية : بين كل الفوضي الضاربة من خلافات ونزاعات، ومع الشد والجذب وتغليب المطالب والاهواء ومزايدات القوي وهبوب تيارات .. من ذا الذي يستطيع لملمة تفكيره ويركز في صميم ليعيد تأصيل الامور ويحدد اتجاه البوصلة ؟ حاولنا .. جماعة صغيرة لا تزيد عن أربعة وحاولت اعادة ترتيب المشاهد من البداية ، وفي النهاية أدركنا أن أخطر ما يصيبنا حاليا " التشتت " جرفنا فكاد أن يتوه منا الهدف الأساسي وعلاج الداء الذي أدي لكل العلل التي أصابت هذه الامة : وهو بقاء السلطة التي لا تبارح بكل هوامشها حواشيها وبطاناتها وعطاناتها أيضا .. بدون هذا العلاج الجذري الي يختزل في كلمتين اثنين : تداول السلطة بدون ان نضع الاسس المحكمة لها والضمانات تضيع كل أهداف الاصلاح الثوري ... هذا هو الهدف الذي لا قبله ولا غيره، أن تكون السلطة محكومة بالتداول دون بقاء لأحد بغير انتخاب موقوت بميعاد فهذا حجر الزاوية وغيره كله يهون .. ليأتي من يأتي طالما لمهلة محددة بالدستور يؤدي فيها فيحسن الأداء ويبقي لميعاد موقوت او ليذهب ويأتي غيره ... لا سلطة بعد الآن تأتي لتبقي مهما رفعت من شعارات وهذا هو لب الامور لأن كل شيء أخر( ملحوق ) يعني ممكن علاجه طالما الطريق سليم ولا أحد يستأثر بالسلطة والدولة مدنية يحكمها القانون والمواطنون جميعا سواسية في الحقوق والواجبات . انتهي. " الف باء سياسة " السبت : ندوة ( عنوانها كده ) - وما أكثر ندوات هذه الايام - انما تلك كانت لها خصوصية مختلفة، شعرت بكل هذا الجمع قد جاء مسكونا بالقلق، والقلق أحيانا يكون أكبر محرك للهمم عندما يتعلق بمصير : مصير أمة وأبناء ومستقبل وطن ... هذا القلق جمع كل هذا الشمل ممن لم أتوقع يوما أن تجذبه أنواء السياسة والهم العام ، فيتحرك ويأتي مشاركا بهذه الكثافة وتلك الجدية والالتزام .. أولا من أقاموها جاءوا من خارج الدائرة المعتادة التي احترفت تقريبا اقامة مثل هذه التجمعات ، هذا غيرعنصر الجدية الذي وضح في غياب عنصر الدعاية الشخصية بالنحو المعهود (بعد اختلاط الاعلام بالاعلان) ووضح أيضا غير توصيل رسالة الي كل فرد جاء وليقولها الي كل من يعرفه ولم يجيء : انها الاهمية الحيوية للمرحلة الراهنة التي ستحدد مصير البلاد، والمشاركة في الانتخابات القادمة أكثر من ضرورة ولذا يكون تفسيرالخارطة السياسية للانتخاب والتي تحولت الي ما يشبه الفزورة هي واجب قومي علي كل من يعرف أن يعرف من لا يعرف .. تنتخب حزبا أم قائمة أم افرادا مستقلين ؟ وأيهم تختار وما مميزات هذا وذاك وهل يمكن الجمع في الاختيار؟ أمور صارت اقرب الي رموز أو فوازير أمام المواطن العادي البعيد عن المعترك العام، مع ان جموع أصواته هي التي تفرق في نهاية المطاف ... و جمهور هذه الندوة كله من ذوي الامكانيات ثقافيا وماديا أي من نوعية لن يمكن التأثير عليها بنحو او آخر ثم أن المرأة فيه كانت من فئة طالما حسبوها أو حبسوها في نطاق ما يسمي بالمرفهة وانما حدث انهن جئن معهن بالازواج، اقر معظمهم بأنهم جاءوا مشدودين بأيدي الزوجات .. الجمع كله كان مستنفرا متطلعا الي مستقبل البلاد وكيف سيكون، تدركها من اللهجة والتعبير ونوعية التساؤلات ... اختيار المتحدثين الرئيسين كان موفقا من حيث أن كلا منهما له باعه في ساحة تخصصه : الاستاذة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، و د. عمرو حمزاوي أكاديمي علوم سياسية واحترف السياسة بعضوية أحد الاحزاب (آسفة اختلطت علي أسماء الاحزاب) والمرشح في انتخابات مجلس الشعب و... لابد من تنويه خاص يوجه لمن تطوعوا وقاموا بهذه المبادرة ولا اعرف اي منهم فلم أقابلهم قبلها ولا بعدها ولا حتي فرضوا وجودهم بل ومعظم االحضور ربما لا يعرفونهم معرفة شخصية : انهم ثلاثة : نازلي شاهين وشقيقها سليم شاهين ورانيا الجمال لا صلة لهم بالسياسة ولا الاحزاب ولا صلة لي بهم ولا بمعظم الحضور اللهم الا من حيث الانتماء والارتباط بالوطن والقلق علي المستقبل والمصير ... الاستاذة تهاني الجبالي وهي القاضي الدستوري أفصحت عن انتقادها المباشر للقوي السياسية التي لم نعرف عنها حتي الآن سوي الخلافات والتناحر فيما بينها من قبل البدء في صميم بل ولم تعرف بهم صميم حتي الآن ، هذا بينما وضعوا الخطر الحقيقي ماثلا كله محدقا قد يطيح بكل شيء وهم مستغرقون في الحواشي والهوامش ... أما د. عمرو حمزاوي فقد تحمل ما أصابه بالضرورة ضمنا من انتقاد الاستاذة الجبالي فلم يدافع أو يرد ربما يتفق معها من يدري .. لكنه اختار ساحته هو يجول فيها ويفسر تفاصيل في العملية الانتخابية ولذا كان كل منهما مكملا للآخر لدي جموع الحاضرين ... أهم ما خرجت به وتأكد لدي كاتبة هذه السطور فهو المصير .. وأعني به مستقبل البلاد الذي شعرت بأنه المسيطر الحقيقي علي اهتمام الحضور، و كل عبر عنه بطريقته وأسلوبه في التساؤلات والتعليقات والذي يمكن ايجازها في معني واحد وعدة كلمات : قلق جارف مسيطر وخشية علي مستقبل الابناء في هذا الوطن، كيف سيكون مصيرهم، هل سيكون المآل الي دولة مدنية كما المأمول ؟ ام عودة للقهقري وحكم الترويع أو التكفير وقوم يعيشون في سالف الزمان ؟ القلق يبلغ مداه هذه الآونة ونحن مقبلون علي انتخابات ودستور البلاد في علم الغيب ! قبل انهاء هذه الفقرة لا أملك أن اكبت شعورا يلح ويدفعني دفعا لأسطره بعد أن طفح الكيل من جرعات نفاق زائد عن الحد لشباب الثورة .. فان خصوصية الاتصال بجمع غفير وتوصيل رسالة ما عاد أسهل منه وسيلة بالتواصل الاجتماعي في التو واللحظة .. لذا فلا جدال في ان ثورة الاتصالات هي ام الثورات جميعا التي أعقبت وأدت الي القضاء علي هيمنة النظم الاستبدادية الاستعمار الداخلي للسلطة في العالم العربي بالخصوص .. هي التي فتحت الابواب والنوافذ علي العالم الخارجي واثارت الوعي ، ومن ناحية اخري سهلت الحشد والتعبئة والتجمع ولولاها ثورة الاتصالات هذه ما كانت ثورات الربيع العربي ولما أسقطت نظما وهوت متاريس وحدث كل ما حدث، تحديدا في مصر التي تناوب عليها أجيال من الشباب المناضل علي مدي التاريخ الحديث ... علي شباب هذا الجيل أن يقرأ تاريخ بلاده ليعرف كم ناضل قبله شباب أجيال وأجيال منذ عشرينيات القرن الماضي، ضد الاستعمار ثم ضد كل سلطة وسلطان وكم المعاناة والتضحيات والثمن الباهظ الذي قدمته تلك الأجيال من شباب وليدركوا كم هم محظوظون بالنضال في عصر الاتصالات ! وهج لا يخبو برحيله انطفأت مائتا شمعة في ثريا الوطن لكم أفاضت علينا بالضياء .. أستاذ أنيس كما نناديه لم يخب له فكر ولا خفت وهج علي مر السنين وهذا وحده اعجاز فالمواهب الفائقة غالبا ما تضمر وتشيخ الا فلتات نادرة، و من يقرأ رسائله اليومية الاخيرة يدرك أي اعجاز هذا الذي يجعل من محتضرعلي شفا النهاية ويملي موجز الحياة وموجز حكمتها بهذا العمق، ويودعها بهذا الذهن الذي لم يخب حتي النهاية وبقي شباب الأسلوب متوثبا في تعبيره، وأما مفاجآت تركيباته اللغوية وحيوية ذهنه فحدث ... رثاؤه في أمه لا ينسي فقد أبكي من قرأ .. ولا يمكن نسيان عبارات اللوعة والحرقة علي زوجته عندما تعرضت لأزمة صحية شديدة منذ اعوام ، فما كنا لنصدق ان هذا زوج يكتب عن شريكة حياة بل عاشق متيم يذوب لهفا علي معشوقته، كان يطلق عباراته أنينا خشية فقدانها فأطلقنا علي سلسلة الرسائل تلك " أنين " أنيس منصور ... يخطر ببالي قول سمعته يتردد نقلا عن الموسيقار محمد عبد الوهاب : تواجد امثال هؤلاء النجوم الساطعة أقرب الي الونس في حياتنا، ينكمش الونس ويخفت الضوء وتنشر الوحشة ظلها الداكن أكثر مع كل رحيل .. حقا ما أوحش الحياة بدون الونس والأنيس يا أستاذ أنيس .. كان الله عونا لزوجته وأسرته لوحشة الغياب ولك أالف رحمة ونور . أوتوبيسات أم ديناصورات ؟ ! من منا لا يسرح بل يشرد في ذروة المرور والزنقة ويكلم روحه ويندب حظ البلد الذي جعله الزحام عبرة لبلاد الآخرين .. يوم ألغيت الجاراجات بقرارات من ملاك البنايات ولم يتحرك أحد ، وزمن حكم مركزي أدي لهجرة أهالي الأقاليم يولون وجوههم شطر العاصمة حتي كادت كادت ايه اختنقت .. زمنا اعرض فيه أصحاب رؤوس الاموال عن الاستثمار في وسائل المواصلات العامة والمركبات .. زمنا ادي الي كل هذه الفوضي العارمة في الطرقات سوف تشل في القريب الحركة في أنحاء القاهرة ، ما عادت تفرق ساعات ليل عن نهار ... ألا من معجزة تحل لنا هذه الورطة المزمنة ؟ أو قرار شجاع يخلي العاصمة من كل أعباء لا ضرورة لها في قلب القاهرة ؟ قيل الميكروباصات هي السبب ، اذن لو افترضنا فهل الاوتوبيسات هي الحل ؟ بالطبع لا انما لا ما نع من تسليتكم بهذا النبأ وارد الصين عن قرب تدشين اول اوتوبيس ديناصور (والاسم أطلقته من عندي ) ولابد لك أن تستعمل خيالك أثناء المتابعة لأنه فعلا شيء مثير ... أوتوبيس يسير علي مسارات مثل خطوط الترام أو السكة الحديد وانما تكوينه فريد أقرب الي بناية متحركة .. يرتفع لأربعة امتار ونصف ومكون من دورين ويجري علي عجلات، الدور الأسفل بدون ركاب لأنه مجوف مفرغ لمرور السيارات من خلاله فلا يعوق حركة المرور .. أما الركاب فيسع منهم ألف وربعمائة راكب بالتمام جميعهم جلوس في الطابق العلوي . هذا الباص أو البناية المتحركة فيسير بسرعة 60 كيلومترا في الساعة و يشتغل بالطاقة الشمسية لا بنزين ولا تلوث ولا دياولو.. شركة صيني اسمها " لا نتشن- هواتشي " هي التي تقدمت بهذا التصميم العجيب الي معرض بكين الثالث عشر للتكنولوجيا المتطورة ويجري حاليا تصنيع هذا الباص الديناصوري ليدشن في أول خطوط تشغيله بالعاصمة بكين خلال العام القادم بخط طوله 186 كيلومترا، وتكاليف تصنيعه تبلغ 73 مليون دولار شامل خط المسار الذي يجري فوقه .. ويقال لو أن المبلغ يبدو باهظا لكنه لا يزيد عن 10٪ من تكلفة أي مترو أنفاق لذات المسافة و... دعونا ننتظر ونتتبع تطبيقها علي الطبيعة .. ما احسب ان هذا يدخل في زمام الاعلان عن سلعة ! السطر الأخير: اعط سرك لامرأة خرساء وباذن الله سوف تتكلم ... (من شكسبير بتصرف).