كان الأسبوع الماضي مليئا بالأحداث والحوادث الي درجة يصعب معها التعامل مع واحدة وتجاهل الأخري. لكن القضية الأخطر من وجهة نظري هي تلك المتعلقة بالمحاولات المتتالية والمستميتة للانتقاص من هيبة القضاء المصري الذي عرف بالنزاهة علي مدي تاريخه. واذا كان المحامون قرروا دخول المواجهة بحجة المادة 18 في مقترح القانون بتعديل قانون السلطة القضائية الذي لم يقدم بعد الي المجلس الأعلي للقوات المسلحة وهي المادة التي تعطي القاضي الحق بالحكم بالحبس للمحامي الذي يتطاول علي هيبة القاضي فان ظروف المنافسة الشرسة بين المرشحين علي منصب نقيب المحامين كانت هي الزيت الذي تم صبه علي النار حيث وصل التصعيد الذي قاده بعض المرشحين لمنصب النقيب الي حد اغلاق أبواب قاعات المحاكم بالجنازير لمنع القضاة من ممارسة عملهم في تصرف لا يمكن وصفه الا بالبلطجة وهو ما ردت عليه الجمعية العمومية الطارئة للقضاة يوم الجمعة الماضي بقرار استمرار تعليق العمل بالمحاكم ورفض الاشراف علي انتخابات المحامين ورفض بيان مجلس الوزراء قبلها بارجاء صدور قانون السلطة القضائية الي ما بعد انتخابات مجلس الشعب الجديد. ولم يكتف المحامون بذلك بل انهم احتشدوا أمام نقابتهم لمنع القضاة من الخروج من مبني دار القضاء العالي في مشهد غير مسبوق في تاريخ مصر. أقول ان هناك تعديات أخري علي هيبة القضاء والقضاة أخرها تلك التصريحات التي نشرتها الصحف ووسائل الاعلام لشقيقة خالد سعيد وعمه وأبيه التي انتقدت الحكم بالسجن المشدد لسبع سنوات علي خفيري الشرطة اللذين اتهما بضرب الشاب خالد حتي الموت وأعلنوا أنهم سيأخذون القضية الي الشارع ليحكم فيها, هكذا بكل بساطة في اهانة لحكم قضائي كنا - ولا زلنا - نصفه بأنه عنوان الحقيقة. والحل الوحيد اليوم هو عودة القضاة والمحامين الي العقل والحكمة للوصول الي حل وسط لمثل هذا الخلاف الذي يراد به ضرب جناحي العدالة في مقتل وهو ما لا ينبغي السماح به مطلقا لأنه سيكون بداية الطريق نحو تخريب مصر تخريبا يستهدفه أعداؤها في الداخل قبل الخارج. ويجب اعتبار مظاهرا ت واعتصامات والتهديد بالاضراب من جانب أمناء وأفراد الشرطة هي الأخري بمثابة معول جديد لهدم الدولة المصرية بالقضاء علي أي نوع من أنواع الضبط والربط والنظام في مؤسسة الشرطة المسؤولة عن تأمين الوطن والمواطن. فعندما يصل الأمر بأمناء وأفراد الشرطة الي وضع قائمة تتضمن 21 مطلبا يجمع بين معظمها الغاء الانضباط يصبح ما يجري نوعا من العبث الذي لا يستهدف الا اسقاط هيبة الدولة. والعجيب أن وفدا من شباب الثورة وأظنهم من حركة 6 ابريل -لا أدري أي جناح- الذين كانوا ولا يزالون يعتبرون الشرطة من الأعداء حرصوا علي الذهاب الي المتظاهرين من أمناء وأفراد الشرطة للشد علي أيديهم.. ولا تعليق!. يا حمرة الخجل: معروفة تماما بالاسم هي تلك المجموعة من الاعلاميين الذين تمادوا في السخرية "الممجوجة " من أخبار القبض علي الجاسوس الاسرائيلي أمريكي الجنسية جرابيل منذ عدة أشهر وتفننوا في تفنيد كل الأدلة التي ساقتها الجهات الأمنية المسؤولة لاثبات التهمة علي جرابيل. واليوم وبعدما انتهت صفقة تبادل الجاسوس جرابيل بخمسة وعشرين من المسجونين المصريين في سجون اسرائيل لم أسمع صوتا لأحد من هؤلاء »المدعين« يعتذر عما ورد علي لسانه من حديث ثبت كذبه حول هذا الجاسوس الاسرائيلي. والأعجب أن أحدهم خرج علينا بتعليق يقول فيه: ما دام جرابيل جاسوسا فلماذا سلمناه لاسرائيل وأمريكا ؟!.. أين أنت يا حمرة الخجل ؟!. نقيب الصحفيين الجديد القديم: سعادتي كبيرة للغاية بالثقة التي منحها الصحفيون المصريون للصحفي الصديق ممدوح الولي نقيبا للصحفيين بعد انتخابات مشهودة تمنيت لو كانت المشاركة فيها أكبر. ويعود سر سعادتي الي يقيني من صدق الولي وأمانته ورغبته الحقيقية في الخدمة العامة وفهمه لكل مشاكل الصحفيين واهتماماتهم وآمالهم وطموحاتهم بعيدا عن أية توجهات سياسيةبفضل وجوده عضوا سابقا لدورتين في مجلس النقابة. كما يعود الي ما لمحته من محاولات قام بها بعض الزملاء لأسباب سياسية بالتجريح في ممدوح الولي قبل أيام قلائل من اجراء الانتخابات وأنه فضل أن لا يستخدم نفس الأسلوب في الرد وانما استعان بهدوئه ورزانته في التعامل مع الموقف. أما السبب الأخير في سعادتي فهو أن الولي زميل الدفعة 79 في قسم الصحافة بكلية الاعلام جامعة القاهرة وقد عرفته عن قرب علي مدي سنوات الدراسة وبعدها ورأيت مدي استحقاقه وبالتالي استحقاق دفعتنا لهذا الشرف أن يكون من بيننا نقيب الصحفيين عن جدارة واستحقاق. نقطتان بقيتا تتعلقان بالانتخابات الأولي خاصة بأن الانتماءات والتوجهات السياسية لم يكن لها مكان بدليل هذه المجموعة التي اختارها جموع الصحفيين من مختلف التوجهات. والثانية تتعلق بحزني علي عدم توفيق اثنين من زملاء الدفعة يستحقان أن يكونا ضمن مجلس نقابة الصحفيين الأول هو محمد بسيوني والثانية هي نجلاء محفوظ فهما يمتلكان امكانات هائلة ورغبة واضحة في الخدمة العامة. ولهما ومعهما كل الذين لم يوفقوا من خرجي كلية الاعلام أقول: خيرها في غيرها. رحيل شاب عمره 87 عاما: رحل أنيس منصور الشاب ذو السبعة والثمانين ربيعا.. رحل وهو يفيض بحيوية شاب في مقتبل العمر. لم يتوقف بلدياتي ابن مدينة المنصورة عن العطاء حتي اللحظة ما قبل الأخيرة لأنه كان يدرك معني الرمز والتاريخ. كان أنيس منصور يبدو عصيا علي الاختفاء أو الانزواء فهو متألق متفوق في كل ما اهتم به.. فلم يكن متفوقا علي أنيس منصور الصحفي سوي الكاتب أنيس منصور صاحب الحضور المتوهّج والفكر الغزير والأسلوب الرشيق والروح الخفيفة. ولم يكن يتفوق علي أنيس منصور الأديب سوي الراوي الحكاء أنيس منصور ببديهته المتوقدة. وقبل الجميع في أنيس منصور كان الفيلسوف "الشعبي " الذي جعل الحوارات الفلسفية موضوعا مستساغا لقراء الصحف وليس فقط للمتخصصين.. في سنواته الأخيرة كان منصور يبدع من أجل الابداع ولا شيء غير الابداع المتفجر الناتج عن موهبة إلهية ظل يصقلها حتي آخر لحظات حياته بالقراءة ثم القراءة فالقراءة لهذا رحل الصحفي الأسطورة أنيس منصور دون أن يصاب بأي أعراض من أمراض تصيب الذاكرة. رحم الله أنيس منصور وعوضنا عنه خيرا وتقبله قبولا حسنا بما قدم من عطاء لأمته وانا لله وانا اليه راجعون.. حفظ الله مصر وطنا للعدل والحرية والأمن والأمان.