منذ طفولتي وحتي اليوم ظلت زيارتي لفلسطين الحبيبة أحد أحلامي المؤجلة التي تمنيتها طويلا، ففي الصغر كانت تلك أمنيتي لأن صديقتي الوحيدة كانت فلسطينية ورحلت فجأة من المدرسة التي تزاملنا بها في البحرين بعد استشهاد والدها أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وكم تشاركنا معاً الأحزان والأفراح وكنا وقتها رغم صغر سننا نتحدث بلسان كبار المحللين الإستراتيجيين في الشأن الفلسطيني والصراع العربي الإسرائيلي وأحلام الوحدة العربية. واستمر عشقي لفلسطين فكنا ننظم حفلات وفاعليات كثيرة يذهب ريعها لدعم القضية الفلسطينية وتقمصت في ذلك الوقت شخصية كوكب الشرق أم كلثوم وعدد من الفنانين المصريين العظام الذين جابوا العالم دعما للجيش المصري في حربه مع إسرائيل. ثم التقيت بالزعيم الراحل ياسر عرفات في إحدي تلك الفاعليات وأنا أغني » زهرة المدائن » وقال لي مبتسما بوجهه الطيب »ضلك غني لفلسطين». كلمات نقشت في الذاكرة والقلب جعلتني أعيش دائما معاناة الفلسطينيين والعرب جميعا أمام مؤامرات الصهاينة وجرائم الاحتلال الإسرائيلي المستمرة منذ ظهور هذا الكيان السرطاني في قلب وطننا العربي. وعرفت قيمة سلاح القلم مع أولي كلماتي التي نشرت علي صفحات الأخبار. وكانت فرصة ذهبية منحتها لي أستاذتي الرائعة الراحلة سهير جبر عندما عرضت عليها أولي قصصي الإنسانية الواقعية القصيرة من وحي ما يحدث في فلسطين فتحمست جدا للفكرة وجعلتها أحد أفكار التطوير لملحق »العالم بين يديك» تحت عنوان ثابت اخترته بعناية.. وهنا ولدت »قصة صورة» والتي أعتبرها أعظم ما كتبت حتي الآن.. هذه الزاوية الصغيرة التي امتلأت بالمشاعر والكلمات القوية التي كانت في قوة الرصاص. وكانت أول قصة عن مظاهرة للحيوانات في غزة تستنكر ظروف المعيشة الصعبة في ظل الاحتلال وتستجدي منظمات حقوق الحيوان حول العالم أن تنقذها بعد أن فشلت منظمات حقوق الإنسان في أن تعيد حق الفلسطينيين. وتوالت القصص التي كانت معظمها عن فلسطين. وواصلت »الغناء» بأعمال كثيرة كان أعظمها حديثي مع المرابطين في المسجد الأقصي رغم بعد المسافات وصعوبة الزيارة ولكنها كانت دائما إحدي حلقات العشق الذي يطير بالأرواح فوق كل الأزمنة والأسوار والسجون. ثم حصلت علي جائزة القصة الإنسانية بنقابة الصحفيين عام 2008 وكانت عن معاناة فتاة فلسطينية فقدت أسرتها في حرب غزة الأولي. ثم جائزة محمد عيسي الشرقاوي عام 2016 عن ملف لدعم محاكمة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية عن جرائمها. ثم أكرمني الله بالحصول قبل شهور علي تكريم جديد عن تقرير نشرته عن عهد التميمي ونضال عائلتها ضد الاحتلال. وجاءني تتويج آخر من السفارة الفلسطينية التي كرمتني قبل أيام في يوم الأرض بعبارات أبكتني. ورأيت فلسطين في وجوه كل الحاضرين، وعشت معهم يوما في فلسطين الحبيبة. فشكرا من القلب علي تحقيق جزء من حلمي وسأظل دائما علي عهدي مع أبو عمار وأواصل الغناء حتي نحرر فلسطين وننشد معاً نشيد النصر.