اللقاءات الثنائية بين الرئيس مبارك وأمير الكويت تستهدف دائما خدمة المنطقة العربية علامة مميزة جديدة في مسيرة طويلة وراسخة بين شعبين عربيين شقيقين يضعها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في الزيارة الرسمية التي يبدأها في ال15 من الشهر الجاري الي جمهورية مصر العربية في مستهل جولته العربية التي تشمل أيضا كلا من سوريا والأردن ولبنان،يلتقي خلالها الرئيس حسني مبارك لبحث الاوضاع الراهنة علي الساحة العربية والاقليمية والقضايا المشتركة بالاضافة الي المستجدات التي طرأت علي القضية الفلسطينية والمصالحة الفلسطينية الفلسطينية وبناء المستوطنات الاسرائيلية علي الاراضي الفلسطينية . وفي اطار الزيارات الرسمية المتبادلة بين القيادتين العربيتين فان هذه الزيارة لأمير الكويت الي مصر العروبة تعد الثانية منذ توليه مقاليد الحكم في الكويت عام 2006 حيث كانت الزيارة الرسمية الأولي في أغسطس 2006 والتي استهدفت توطيد العلاقات الأخوية ودعم التعاون المشترك بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين علي وجه خاص والأمة العربية بشكل عام إضافة الي بحث آخر المستجدات علي الساحتين العربية والدولية. ولعل هذه الأهداف السامية في العلاقة بين البلدين الشقيقين تجلت في أبهي صورها في يناير 2009 عندما استضافت الكويت أعمال القمة العربية الاقتصادية والتنموية بحضور رؤساء الدول العربية أو ممثليهم وفي مقدمتهم الرئيس المصري حسني مبارك حيث لعبت الكويت ممثلة في قيادتها الحكيمة دورا بارزا في تحقيق المصالحة بين الأشقاء العرب. من هذا المنطلق فإن العلاقة بين الكويت ومصر تعتبر نموذجا مميزا في العلاقات العربية - العربية حيث بدأت جذور هذه العلاقة منذ ما قبل استقلال الكويت متخذة من الجانب التجاري والثقافي مرتكزا لها ثم ما لبثت أن تحولت الي علاقة سياسية قوية عام 1961. فالجانب الثقافي هو البداية الحقيقية في العلاقة بين البلدين الشقيقين والمرحلة الأولي في تعرف الشعب الكويتي علي حضارة مصر وثقافتها والنهل منها عن طريق البعثات الطلابية الكويتية الي مصر والتي لم تقتصر علي الطلبة فقط بل كان للطالبات نصيب منها حيث أرسلت الكويت أول بعثة من الطالبات الي القاهرة عام 1956 مما يمثل دلالة واضحة علي عمق العلاقات بين البلدين ومدي الاستقرار والأمان اللذين تمتعت بهما مصر العروبة ولا تزال.. ومثلما كانت مصر العروبة سندا دائما للكويت في السراء والضراء فإن الكويت لم تغفل أبدا عن دورها العربي المتمثل في تقديم الدعم المادي والعسكري للشقيقة الكبري مصر سواء في حرب الاستنزاف عام 1967 أو في حرب أكتوبر 1973 عندما شاركت القوات المسلحة الكويتية جنبا الي جنب مع نظيرتها المصرية ليسقط 40 شهيدا كويتيا روت دماؤهم ارض سيناء مسجلة ملحمة فريدة في التضامن العربي. أما عن العلاقات الاقتصادية فقد ظهرت ملامحها منذ بدايات النصف الأول من القرن الماضي ثم ما لبثت بعد استقلال الكويت عام 1961 ان بدأت تأخذ الشكل النظامي حيث وقعت أول اتفاقية بين البلدين عام 1964 وهي اتفاقية التجارة ثم توالت الاتفاقيات التجارية التي تنظم العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين مصر والكويت ومن أهمها اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة واتفاقية التعاون بين الغرف التجارية المصرية وغرفة تجارة وصناعة الكويت اللتان وقعتا في ابريل 2001. ولم يتوقف الجانبان الكويتي والمصري عن عقد العديد من الاتفاقيات التي تدعم التعاون الاقتصادي فيما بينهما وكان آخرها في ديسمبر 2009 عندما تم خلال أعمال الدورة الثامنة للجنة العليا الكويتية - المصرية المشتركة التي عقدت في الكويت التوقيع علي 5 اتفاقيات تعاون شملت مجالات الشؤون الجمركية والسياحة والتربية والثقافة والإعلام إضافة الي الإسكان والتعمير. وقد أكد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الكويتي الشيخ الدكتور محمد الصباح عشية توقيع هذه الاتفاقيات مدي عمق العلاقات والروابط التي تجمع الكويت ومصر وأهمية التنسيق بين الجانبين في جميع المجالات بينما وصف وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط العلاقات بين البلدين بأنها علاقات "استراتيجية" تجمع بين شعبين ودولتين مستمرتين في التعاون. ولا يتوقف التعاون الاقتصادي بين الكويت ومصر علي الاتفاقيات التجارية الثنائية فقط بل يتعداها الي خطوات أكثر عمقا وأهمية وخاصة في مجال الاستثمار حيث تحتل دولة الكويت المرتبة الأولي في سلم الدول العربية المستثمرة في مصر بنسبة بلغت 25 في المائة تمثل نحو 5ر11 مليار جنيه مصري موزعة علي 532 مشروعا تبلغ القيمة الاستثمارية الاجمالية لها نحو 5ر28 مليار جنيه حتي عام 2008 وتتركز الاستثمارات الكويتية في مصر في معظمها علي قطاعي السياحة والعقارات. من جانب آخر بلغ حجم الصادرات المصرية الي الكويت 1ر170 مليون دولار عام 2007 فيما بلغ حجم التجارة بين البلدين 4ر242 مليون دولار للعام نفسه . وتتمثل أهم الصادرات المصرية للكويت في الخضروات والفواكه الطازجة والمجمدة والأجبان والأرز والمشروبات الغازية وخزانات وقضبان الحديد إضافة الي سيارات النقل. ويلعب المواطن المصري دورا مهما أيضا في ترسيخ العلاقات الكويتية - المصرية حيث تحتضن الكويت نحو 500 ألف مصري يعمل 36 ألفا منهم في القطاع الحكومي إضافة الي 220 ألفا تقريبا يعملون في القطاع الخاص. وعند ذكر العلاقات الاقتصادية بين الكويت ومصر فانه لا يمكن إغفال دور الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية في تكريس وتعزيز هذه العلاقات بل وإكسابها الصبغة الاجتماعية في كثير من الأحيان. فقد بلغ مجموع القروض التي قدمها الصندوق لتمويل مشاريع في جمهورية مصر العربية 33 قرضا بقيمة إجمالية بلغت حوالي 9ر493 مليون دينار كويتي وذلك لتمويل مشاريع في مختلف القطاعات كان آخرها في مارس 2010 حيث قدم الصندوق الكويتي قرضا مقداره 30 مليون دينار للاسهام في تمويل مشروع محطة العين السخنة لتوليد الكهرباء في مصر. كما قدم الصندوق ثماني منح ومعونات فنية بلغت قيمتها حوالي 4ر1 مليون دينار خصصت لتمويل دراسات الجدوي الفنية والاقتصادية لبعض المشاريع إضافة الي قيام الصندوق بإدارة منحتين مقدمتين من حكومة دولة الكويت لحكومة جمهورية مصر العربية بقيمة بلغت 8ر4 مليون دينار لبناء بعض المدارس التي تأثرت بالزلزال الذي ضرب مصر عام 1993 وبناء بعض القري التي تضررت من سيول عام 1995. إن الحديث عن العلاقات السياسية والاقتصادية بين مصر والكويت لهو غيض من فيض نهر ممتد من العلاقات المتميزة بين البلدين الشقيقين والتي أصبحت اليوم نموذجا يحتذي في العلاقات العربية - العربية.