بقلم : عبلة الرويني ablaelreweny @yahoo.com صرخ مدوية اربكت الحفل، أطلقها رجل وسط الحاضرين أثناء دقيقتي الصمت علي أرواح ضحايا الحرب في الاحتفال الملكي الذي اقيم هذا الاسبوع في هولندا بذكري الحرب العالمية الثانية. انقلب الحفل رأسا علي عقب، واخرجت شرطة أمستردام الملك والملكة من قاعة الاحتفال وألقت القبض علي المجنون »دائما يسمونه مجنونا«!! بعد ذلك عاد الهدوء الي القاعة، وعاد الملك وسط تصفيق الحاضرين! المؤكد ان صاحب الصرخة ليس »مجنونا«، والمؤكد ايضا ان شرطة امستردام تعرف تماما معني الصرخة، وتدرك خطورتها وتأثيرها.. والمؤكد ثالثا ان الموجوع ليس بوسعه الا الصراخ، بل لابد له ان يصرخ، فالصرخة نوع من الحل، الصرخة ضرورة، شكل من أشكال السلامة النفسية، او شكل من أشكال »العقل« لا »الجنون«،.. بعض العلاجات النفسية تدخل المريض الي غرفة عازلة للصوت وتطلب منه أن يطلق صرخته.. يصرخ الي اخر طاقته ، يصرخ حتي تنهك قواه ليخرج الرعب من احشائه ويفجر كل الضيق والقلق من داخله. هذا النوع من العلاج يزيح التوتر ويخفف من حدته ويريح الجسم .. لكن قيمة الصرخة الاكبر والاهم هي في وصولها ، في تلك العلانية والمجاهرة في ذلك السطوع والدوي يهز سكون الجميع وصمتهم.. قيمتها الحقيقة في كونها شكلا من اشكال الاحتجاج أكثر من مجرد التنفيس عن الالم والسماح للبخار المكتوم بالخروج. هل يصل الصوت؟ تلك قيمة الصرخة.. ان تدوي ليسمعها الجميع ... الجالسون علي رصيف مجلس الشعب يصرخون، ويبتكرون طرائقهم المختلفة في أعتصام مفتوح.. يصرخون بالمزمار والطبل البلدي بحثا عن لفت الانظار، لفت انظار »الدكتور نظيف« شخصيا .. الجالسون علي رصيف وزارة المالية »طبعا« يصرخون والمطالبون برفع رواتبهم يصرخون.. حتي أصحاب أحد العقارات في عابدين نزلوا من بناياتهم وافترشوا الرصيف احتجاجا علي ارتفاع فاتورة الكهرباء. في الصرخة حياة وصراع ورغبة المكتوم في التعبير عما داخله، انه يمارس »حريته« وتلك قيمة اخري. هذه الحرية هي طاقة تعبير هائلة، طاقة احتجاج وتمرد وهو بالضبط ما قصده الرسام النرويجي ادوارد مونش بقوله »الجمال هو صدق التعبير« ورغم ان لوحته »الصرخة« 3981 ليست بكل هذا الجمال لكن طاقتها التعبيرية والدراما الداخلية هي قوتها الحقيقية وجمالها وهي ما وضعها في قائمة أعظم اللوحات العالمية متجاوزا ثمنها »08« مليون دولار. كتب مونش حكاية الصرخة »كنت امشي في الطريق بصحبة صديقين وكانت الشمس تميل الي الغروب عندما غمرني شعور مباغت بالحزن والكآبة.. وفجأة تحولت السماء الي لون أحمر بلون الدم ووقفت هناك أرتجف من شدة الخوف والرعب.. وفجأة سمعت صوت صرخة عظيمة تردد صداها طويلا عبر الطبيعة المجاورة«. ومازال صداها يتردد إلي اليوم !!