لا البكاء علي شهداء ماسبيرو والاسكندرية.. ولا التحقيقات التي تجريها النيابة العسكرية مع المتهمين.. ولا الكلام عن الفلول والقلة المندسة.. ولا القانون الموحد لدور العبادة.. ولا التصريحات التي يدلي بها رجال الدين.. ولا القبلات والاحضان.. ستحقق الامن للوطن. نحن في حاجة لثورة ثقافية لتصحيح المفاهيم والاخطاء الفادحة التي تراكمت في وجدان الغالبية العظمي من ابناء هذه الامة.. منذ سنوات الطفولة وأدت لتمزيق الامة.. واهدار قوانا المجتمعية.. وصرفنا عن البناء والتقدم.. واللحاق بركب العصر الذي نعيشه. نحن في حاجة لثورة ثقافية من اجل النهضة وازالة الافكار الاجرامية العبثية التي عرقلت خطوات الإصلاح الاقتصادي.. ودفعتنا إلي الاستكانة والاستسلام للجور والظلم والفقر.. والتنقل من كرب إلي كرب.. نحن في حاجة لثورة ثقافية.. تقدس العمل.. وترفع من شأن الاجتهاد والاتقان والنظافة الشخصية.. وجمع القمامة وتجعلنا نتوقف عن استيراد الطعام والكساء وفوانيس رمضان.. وان يسود الاحترام والود بين شركاء الوطن بصرف النظر عن المعتقدات الدينية التي لا يعلمها إلا الله.. وبصرف النظر عن الجنس واللون. وهذه الثورة الثقافية..ليست مهمة رجال الدين.. الذين نكن لهم كل الاحترام.. ولكنها مسئولية الدولة.. مسئولية نظام التعليم الذي يبدأ في دور الحضانة وفي البيوت وفي برامج الاذاعة.. علي نحو ما كان يقوم به برنامج إلي »ربات البيوت« في خمسينيات القرن الماضي.. وقام النظام الإجرامي البائد بإلغائه في اطار سياسته التي كانت تأتينا من الخارج.. من اجل اهدار قوانا المجتمعية التي تسبق في الدول الراقية قواها العسكرية والاقتصادية. قوة المجتمع وتناغم مفرداته.. هي القوة الضاربة الاساسية في اي مجتمع.. ولنا في تجربة الصين قدوة.. تستحق التأمل. فعندما قام الزعيم الصيني ماوتسي تونج بثورته سنة 9491 خطط للعديد من المشروعات الاقتصادية للنهوض بالريف واقامة الصناعات البسيطة.. ونشر الاعمال الحرفية بين شباب الطبقة العاملة.. ولكن كل مشروعاته باءت بالفشل.. ولم تحقق النجاح المنشود. وكانت الاتهامات توجه في كل مرة لما يسمي بالبرجوازية واصحاب رؤوس الاموال الذين يعرقلون خطط الاصلاح من اجل المكاسب الخاصة.. وقام سنة 7591 بحركة تطهير هائلة تحت شعار »دع مائة زهرة تتفتح ومائة مدرسة تتنافس« لتمكين ملايين الصينيين في الكفاح لبناء الوطن.. وفشلت خطط التطهير ايضا.. إلا انه اكتشف ان المعتقدات التي تناقلتها الاجيال عبر آلاف السنين.. والتقليل من شأن العمل.. وتحريم قتل الذباب.. وغيرها.. هي التي تعوق برامج الاصلاح.. وان انتشار الخرافات والغيبيات والخزعبلات هي اساس المشكلة.. وان ثمة جماعات ممن يدعون صلتهم بالارواح.. تدعو الناس لممارسة اساليب الاجداد الذين كانوا يعيشون قبل اختراع الكهرباء. المهم.. ان ماوتسي تونج اكتشف ان الصين في حاجة لثورة ثقافية.. تطيح بالثقافات القديمة.. وتضع مئات الملايين في الصين امام الواقع الذي يعيشه العالم المعاصر.. وقام في اغسطس 6691.. بإلقاء خطاب امام اللجنة المركزية لحزبه الحاكم اعلن فيه عن عزمه عن اشعال ثورة يطيح فيها بالافكار التي كانت سائدة منذ آلاف السنين واستبدالها بعلاقات الانتاج ومحو الامية.. وتنظيم الاسرة.. وتحديد عدد المواليد.. كانت الامية المنتشرة في ربوع الصين هي السبب وراء رسوخ المعتقدات البالية.. ولذلك فقد اعد ماوتسي تونج الملايين ممن اطلق عليهم »اللجان الثقافية« التي تضم الفتية والفتيات الذين تلقوا الدراسات العلمية التي تسمح لهم بمخاطبة كل مواطن في الصين.. وتوعيته باساليب الحياة المعاصرة التي تواكب الزمن.. ومحو أميته. وحققت الثورة الثقافية في الصين نجاحا كبيرا لاسيما بعد ان تشكلت فيما بعد »لجان المجندين« في فرق الثورة.. التي كانت اشبه بنظام »التجنيد« الاجباري عندنا في مصر. ودارت الأيام.. ومات »ماوتسي تونج« إلا ان الثورة الثقافية استمرت.. وكانت السبب الرئيسي في وصول الصين إلي المكانة العالمية التي تشغلها الان.. سواء في اعدادها لمباريات كأس العالم.. أو غزوها للفضاء.. أو تحديها للاقتصاد الامريكي.. بحجم ما تصدره من منتجات للولايات المتحدة. خلاصة الكلام ان الصين لم تصدر القرارات الاصلاحية.. وتوقع العقوبات علي المخالفين.. أو حتي القاء القبض علي عصابات النصب والاحتيال - التي تعيش علي تعميق افكار التخلف - وانما سلكت الطريق الصحيح.. بثورتها الثقافية التي اسهمت بالنصيب الوافر في تحويل البسطاء من هوامش تعيش علي نمط ما كان يجري في عهود الظلام.. إلي مواطنين يرسلون سفن الفضاء إلي الكواكب والاجرام. اريد ان اقول.. اننا في حاجة إلي ثورة ثقافية علي نحو ما جري في الصين.. خصوصا بعد ان كشفت الحالة الثورية المجيدة التي اندلعت في 52 يناير الماضي.. عن وصول العديد من اعضاء التيارات الوهابية المزودة بالاموال إلي مصر.. من اجل اثارة الفتن واشعال الحرائق ودفعنا لمزيد من التخلف لتحقيق اهدافهم الغريبة علينا.. وعلي ثقافتنا.. وتقاليدنا.. واذا تأملنا ما يصدر عن بعض من يتصفون بسمات دينية من خلال الفضائيات التي تتسابق لاذكاء الفتن المذهبية والتحريض علي الاضراب الطائفي.. نجد اننا امام منزلق بالغ الخطورة.. وامام العديد من الفتاوي التي تحرك التعصب.. وتحرق ما تبقي بيننا من تماسك ابناء الامة الواحدة.. مثل تحريم تعامل المسلم مع غير المسلم في انواع العقود.. سواء كانت تبرعات أو هبة أو هدية أو عقود معاوضات كالبيوع والاجارة.. الخ. ومنذ ايام كتبت الدكتورة درية شرف الدين في »المصري اليوم« عن مؤتمر جماهيري عقده حزب الاصالة السلفي لصاحبه اللواء عادل عفيفي.. المؤلف الموسيقي.. وتم فيه استدعاء ابناء سلفيي منطقة المطرية ورفع فيها الاطفال اللافتات التي تحمل الشعارات الدينية لحزب الاصالة عليها عبارات »بالروح والدم نفديك يا اسلام« و»الشعب يريد تطبيق شرع الله« و»مصر اسلامية« إلي جانب لافتات تدعو الناس لاختيار الشيخ حازم ابواسماعيل رئيسا للجمهورية »!!« وتتساءل الدكتورة درية: هل يعرف الاطفال الابرياء مدلول ما يحملونه من شعارات؟.. من قال للاطفال ان مصر ليست دولة إسلامية؟ وهل القتل والدم هما الطريق إلي الدعوة؟ وهي تساؤلات مشروعة يطرحها كل مسلم غيور علي دينه.. ومحب للوطن الذي يعيش علي ارضه.. ويشارك مع عباد الله في خيراته.. والامثلة.. علي أية حال.. لا تقع تحت حصر. يبقي بعد ذلك السؤال: هل تساعد حرائق ماسبيرو.. وادعاء احد مرشحي الرئاسة بأن كنائس الاقباط تحولت لمخازن للاسلحة.. في الدعوة لتحسين صورة الاسلام في ربوع العالم؟! هل تخدم هذه الاعمال التي تتسم بالرعونة.. علاقاتنا بدول العالم التي تقف إلي جانبنا عند الدفاع عن قضايانا؟ الاجابة هي: لا.. وتعالوا نتأمل ردود الافعال العالمية التي صدرت في اعقاب الاعتداءات التي ارتكبت ضد المصريين.. لمجرد انهم ينتمون لدين سماوي آخر.. وهي ردود افعال تسيء الينا والي الوطن العظيم الذي ننتمي اليه.. وتسحب من الرصيد الايجابي الذي حققناه طوال الايام الاولي من اندلاع الحالة الثورية في 52 يناير الماضي.. والتي اكدنا فيها لشعوب العالم.. وحدة الصف.. ووحدة الهدف.. وقدمنا نموذجا مشرفا لقدرتنا علي التغيير بالوسائل السلمية والشعارات التي توحد ولا تفرق. الثورة الثقافية.. هي الحل!