أدركت الآن ان شكي كان في محله بعد ان افرجت الدولة وجهازها الاعلامي متمثلا في شاشات التليفزيون والموجات الإذاعية عن كنوز أحاديث ووثائق وأفلام حرب أكتوبر. الشك كان في تعمد النظام السابق نسب النصر لنفسه فقط وتهميش دور أبطال الحرب الحقيقيين أصحاب النصر العظيم، فجيلي من الذين عاشوا مرارة الهزيمة في 7691 وحلاوة الانتصار في 3791 يعرف بالاسم عشرات وآلاف الأبطال الذين خاضوا غمار الحرب وعاشوا لحظاتها وعشنا معهم ومع بطولاتهم قبل ان تخفيها الحقبة السابقة فمنهم من ضحي بنفسه كإبراهيم الرفاعي واللواء أحمد حمدي ومنهم من عاش بيننا كعبدالعاطي صائد الدبابات الذي قنص وحده 33 دبابة ومجنزرة بسلاحه اليدوي. لا أدري سر تلك الحساسية التي كانت لدي مبارك في التعامل مع أكتوبر خاصة في السنوات الأخيرة فقد كان يتعمد قصر الاحتفال علي خطاب مكرر وإذاعة لأحاديث باهتة أو تجاهل الأمر والسفر إلي خارج البلاد في رحلات غريبة حتي تطغي احداثها علي الاحتفال وهو ما كنت اتعجب له وطالبت في العديد من مقالاتي في هذا المكان بضرورة جعل أكتوبر عيدا حتي لا ننسي ما قام به أبطالنا منذ 83 عاما كاملة وهم من تغنينا ببطولاتهم قبل ان تتواري بفعل فاعل مقصود حتي لا تظهر. الحقيقة هذا الموقف الغريب من النظام السابق لحرب أكتوبر وأبطالها جعلنا لا نري إلا صاحب الضربة الجوية فقط، ولا ننكر أهميتها، ولكن أكتوبر لم تكن أبدا حرب أفراد ولكنها بطولة جماعية لجيش مصر بكل أسلحته وألويته وجنوده وضباطه ملحمة سطرها المصريون بدأت من الثانية وخمس دقائق ظهر 6 أكتوبر وعلي مدي أيام من الفخار والانتصار حتي وقف اطلاق النار وتحقيق النصر. ولعلي اتذكر ما قاله لي الشاعر الكبير عبدالرحمن الابنودي حيث كان يقدم احد اعماله الاكتوبرية (انشودة مصرية) علي مسرح الجلاء بالاسماعيلية وكان الاوبريت يتضمن فقرة عن عبدالعاطي تطالب بتكريمه باعتباره رمزا لمقاتلي اكتوبر، ولم يكن الابنودي يعلم ان ممدوح الليثي وكان رئيس قطاع الانتاج بالتليفزيون، دعا عبدالعاطي للحفل الذي يحضره الرئيس ونادي الفنان القدير أحمد ماهر بصوته الجهوري علي عبدالعاطي تقدم الجندي الجسور فاذا بالمسرح ينفجر تصفيقا وهتافا له بعد ان تقدم من الخلف إلي حيث يجلس مبارك وصافحه ولكن يبدو ان هذا الامر ازعج الرئيس تماما فنال عبدالعاطي ومن دعاه ومن سمح له بالتواجد من غضبه حتي مات غريبا وهو البطل في مستشفي منيا القمح. لقد كتب قادة اسرائيل ديان وجولدا مائير وارييل شارون وديفيد اليعازر مذكراتهم التي لم يستطيعوا فيها ان ينكروا حجم وهول أكتوبر عليهم، وليس كثيرا علينا نحن اصحاب النصر ان نعبر عنه بما يخلده. في الاحتفال بالعيد الفضي لانتصار أكتوبر عقدت القوات المسلحة ندوة جمعت فيها شهادة ابطالها بالصوت والصورة وظلت تلك الشهادات حبيسة الادراج حتي الآن وكم نتمني أن نقدمها للاجيال الجديدة. أما مسألة تجسيد الحرب في فيلم عالمي فهذا ما نحتاجه الآن فرغم مرور 83 عاما لم يخرج فيلم يتحدث عن البطولات وحكي لي المنتج الكبير ممدوح الليثي انه كان يعد لفيلم عن كتاب للكاتب الكبير صلاح قبضايا يحكي القصة الكاملة حول حجم استعدادنا لخوض المعركة علي كل المستويات بما فيها عملية الخداع التي أذهلت العدو وحتي بدء العبور، ولا أدري لماذا لا يري هذا الفيلم النور هل لان اسمه وبدأت الضربة الجوية؟ الليثي يؤكد ان الفيلم لا علاقة له بالضربة الجوية فهو يحكي القصة الكاملة حتي بدء العبور فقط، وإذا كان الاسم هو المشكلة فلنبحث عن اسم آخر.