المفاوضات تحولت بالمنطق الإسرائيلي إلي مصيدة لابتلاع الوقت وتصفية القضية الفلسطينية وتضليل الرأي العام العالمي. ويكفي أن يقال إن هناك مفاوضات، وأن أصحاب القضية يفاوضون، وأن الحقوق.. في طريقها إليهم! ويبقي المشهد الفلسطيني علي حاله في الأراضي المحتلة: حصار واستيطان وتهويد، واعتقالات واغتيالات للعناصر الوطنية، ومصادرة للأراضي، وتفريغ القدس والضفة الغربية من السكان، وتجويع وتعطيش.. الخ. وعلي سبيل المثال، فإن النشاط الإسرائيلي لا يتوقف بغرض دفع سكان القدس إلي الهجرة، كما سحبت السلطات الإسرائيلية عشرة آلاف هوية من الفلسطينيين، وهدمت منازل وسيطرت علي أخري، وأخذت تغير أسماء الشوارع والميادين والمناطق، وربما تتجه إلي تغيير أسماء الناس! ويقيم ثلاثة آلاف مستوطن الآن في كيلومتر مربع واحد في البلدة القديمة بالقدس حيث توجد 21 مستوطنة كبري، بمعني 21 مدينة هناك.. وما يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمساندة أمريكية هو مفاوضات من أجل المفاوضات تنتهي بمفاوضات حول المفاوضات! وتعتمد استراتيجية التفاوض علي تناول تفاصيل هامشية ثم العودة لتركيز العملية التفاوضية، بعد بضعة شهور، أو بضع سنوات علي نفس القضايا كما لو كانت الأمور قد عادت إلي نقطة الصفر لكي لا تصل المفاوضات إلي نهاية أو اتفاق،.. بل ان ما سبق أن تم التوقيع عليه في جولات تفاوضية قبل سنوات طويلة..، يخضع بدوره إلي مفاوضات جديدة(!!) وفي أحيان أخري، تتحول إلي مرحلة انتقالية نصت عليها اتفاقيات سابقة، إلي مرحلة دائمة علي أيدي المفاوضين الإسرائيليين!.. والغريب أن يكون البديل لفشل المفاوضات.. هو المزيد من المفاوضات! هكذا يصبح الفلسطينيون مثل »حمير الساقية«، علي حد تعبير كاتب فلسطيني.. ويستمرون في الدوران في نفس الحلقة المفرغة والدائرة المرسومة لهم، ولا يملكون سوي الدعاء لدفع البلاء.. والاستجابة لما يطلب منهم في كل مرة لإعادة واجترار نفس الكلام، وتوهم ان العملية التفاوضية هي مصلحة فلسطينية وعربية. إنها حالة انعدام وزن وفقدان إرادة.. وذاكرة. فبعد عشرين عاما من المفاوضات، سواء المباشرة أو غير المباشرة، يؤكد المفاوض الفلسطيني المخضرم أحمد قريع أبوعلاء عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أنه لا جدوي من المفاوضات، وأنه يستحيل الاتفاق مع الإسرائيليين..، فهم لم يحلوا مشكلة واحدة. وقضايا المفاوضات معروفة: الأرض الحدود القدس الاستيطان اللاجئين المياه الأمن.. فما هو الموقف الإسرائيلي من هذه القضايا؟ إنه: ضم الكتل الاستيطانية، والسيطرة الإسرائيلية علي منطقة غور الأردن، ورفض عودة القدسالشرقية إلي الفلسطينيين، ورفض عودة اللاجئين، وضرورة الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية، مما يعني طرد فلسطينيي 8491 الذين مازالوا يقيمون داخل إسرائيل. ما هي مرجعية المفاوضات؟ لا توجد مرجعية. ونتنياهو يرفض أي مرجعية. وهذا هو السبب في أن الفلسطينيين يسيرون في طريق دائري يقودهم، في كل مرة، إلي نفس النقطة التي كانوا قد انطلقوا منها. وبالنسبة لإسرائيل فإن تكلفة الحفاظ علي الأمر الواقع.. أرخص كثيرا من تكلفة السلام! ومن هنا نقول إن وقوف الأمريكيين والأوروبيين ضد الاعتراف بدولة فلسطينية علي أراضي 4 يونيو 7691 ورفضهم حصول الفلسطينيين علي عضوية كاملة في الأممالمتحدة يشكل إعلانا عن السقوط الأدبي والأخلاقي للغرب. فالأمريكيون والأوروبيون يعرفون سلفاً أن المفاوضات لن تؤدي إلي أي نتيجة سوي تحقيق مكاسب جديدة لمصلحة إسرائيل وخسائر إضافية للعرب، ويعرفون أن إسرائيل لا تري الآن وجود ضرورة للتسوية.. فالعيش وراء جدار الفصل العنصري »يحل جميع المشاكل« و»الاستيطان مستمر« والقدس عاصمتها الأبدية! وللقادة الفلسطينيين تجربة مع ثمانية رؤساء حكومات إسرائيلية. وظلوا لسنوات يطالبون الأمريكيين بتحديد المرجعية حتي لا تصبح المفاوضات مضيعة للوقت.. ولكن الأمريكيين دأبوا علي أن يقولوا للفلسطينيين: »اجلسوا إلي مائدة المفاوضات لكي تروا ما يحدث معكم«!.. واستمر الماراثون التفاوضي العبثي! ويعرف الأمريكيون والأوروبيون أن الطرف الفلسطيني يدخل المفاوضات وهو لا يمتلك شيئا من أوراق القوة، وأنه سبق للفلسطينيين أن قبلوا الدخول في مفاوضات بدون شروط مسبقة ووجدوا أنفسهم في طريق لا يصل بهم إلي شيء سوي القضاء علي ما تبقي من آمال في حل عادل لقضيتهم. ورغم أن العرب اشترطوا للانتقال إلي مفاوضات مباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.. حدوث تقدم ما في المفاوضات غير المباشرة.. إلا أن العرب اعتمدوا قرار دخول المفاوضات المباشرة! ومورست جميع أشكال الضغوط السياسية والمالية والإعلامية علي الجانب الفلسطيني من جانب واشنطن واللجنة الرباعية لاستئناف المفاوضات في الثاني من سبتمبر 0102، ورد نتنياهو علي ذلك بالإعلان عن مناقصة لبناء 0061 وحدة سكنية استيطانية جديدة! وإذا كان هناك في الغرب من يتظاهر بالتعاطف مع الربيع العربي ويدافع عن »التدخل الإنساني« لحلف الاطلنطي في ليبيا أو الاستعداد للتدخل في دول عربية أخري.. فلماذا لا يشمل هذا التعاطف مع الربيع العربي.. فلسطين؟ وأين »الإنسانية« تجاه الفلسطينيين؟ ورغم ان الدول الغربية نفسها هي المسئولة عن مأساة الفلسطينيين، فإنها ترفض طوال 36 عاما ايجاد حل وطني لقضيتهم، وتفرض الحماية علي الدولة التي اغتصبت أرضهم وأهدرت حقوقهم القومية، وتوفر لها الحصانة من العقاب الدولي. وبينما تتحدث هذه الدول الغربية عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإنها تقدم الغطاء لكل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل، وتمارس الضغط علي السلطة الفلسطينية لإجبارها علي الانتقال من مفاوضات إلي مفاوضات عقيمة، وتلوح بعقوبات اقتصادية وسياسية توقعها علي الفلسطينيين إذا طالبوا بحقوقهم! وأصبح الأمريكيون بمثابة الببغاوات التي تتحدث بلسان إسرائيل، ويريدون من الجانب الفلسطيني القبول بالحل الإسرائيلي.. جملة وتفصيلا. وبينما يعلن جاكوب بيري، رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي السابق منذ يونيو 2002، أنه آن الأوان للاعتراف بضرورة انسحاب إسرائيل إلي حدودها عشية حرب يونيو 7691. .. وبينما يعلن »ستيفن والت« الكاتب الأمريكي الكبير، أن الرئيس الأمريكي أوباما تخلي، منذ زمن، عن أي تظاهر ببذل ضغوط ولو متواضعة علي نتنياهو.. فإنه يمكن القول بأن القضية الفلسطينية لم تشهد، في تاريخها قط، هذا القدر من التآمر، ولا هذا القدر من التواطؤ.. عقب هذا الانحياز المطلق والأعمي من جانب أوباما لإسرائيل ورفضه تنفيذ كل قرارات الأممالمتحدة السابقة حول القضية الفلسطينية أو اعتبارها مرجعية لحقوق الفلسطينيين الوطنية. وهكذا بعد 44 عاما من الاحتلال الإسرائيلي لاتستطيع الأممالمتحدة أن تقوم بأي مبادرة أو خطوة لدعم الحق الفلسطيني بسبب السيطرة الأمريكية علي القرار الدولي. وكلنا نعلم أن سبب نهاية »عصبة الأمم«، والتي تأسست في سنة 9191 بمقتضي »صلح فرساي«، هو عجزها عن كبح نزعات التوسع الألمانية واليابانية والإيطالية. كلمة السر: لا مفاوضات قبل الاعتراف بدولة فلسطينية علي أراضي 4 يونيو 7691، فهي المرجعية الوحيدة المقبولة كأساس لأي تفاوض.