فيما يخص أمريكا اللاتينية فالوجه الأمريكي واحد، لا فرق بين ترامب وأوباما أو أي من أسلافهم العنصريين وحلفائهم الغربيين من متحف الاستعمار الأوروبي القديم، الذين لايرون الدول إلا من خلال مصالحهم ولتذهب الشعوب إلي الجحيم، إنها غطرسة القوة ولا أخلاقية السياسة. فخلال الأسبوع الماضي طالعتنا سحنة ترامب وتابعه بومبيو بلا أية مواربة تؤيد »خوان جوايدو» رئيس البرلمان والمعارضة الفنزويلية في انقلابه علي الرئيس مادورو، وراحا ينفخان في نيران متأججة ربما أدت لحرب أهلية تأكل الأخضر واليابس. تبدي الوجه الأمريكي القبيح بلا أقنعة ولارتوش تجمل قبحه وتموه حقيقة جشعه وتدخلاته السافرة لاستلاب موارد الدول وقلب الأنظمة في حرب قذرة سنتها وهندست لها الإدارات الأمريكية في صيحات متتالية، قادها »المحافظون الجدد» وقبلهم »برنارد لويس» صاحب فكرة تفتيت دول الشرق الأوسط إلي كانتونات وكارتلات متناحرة، وكذلك إبان حكم ليندون جونسونونيكسون ورونالد ريجان، ثم ورثهم رئيس أخرق »ترامب» وإدارة مارقة خرجوا علي كل قواعد القانون الدولي وهددوا استقرار العالم وتبعتهم أوروبا في نفس المسلك المشين لكن مع بعض المساحيق والماكياج، في محاولة لإخفاء الوجه القبيح وإن حافظت علي نفس الأهداف والسياسات التوسعية الاستعمارية، لإسقاط مادورو وتدعيم الانقلاب لصالح عميلهم المصنوع علي أعينهم »خوان جويدو» وبسرعة البرق أيد انقلابه كنداوالبرازيل وكولومبيا و11 دولة أمريكية لاتينية »مجموعة ليما» بينما أعلنت كوبا وبوليفيا وتركيا وإيران والمكسيك ودول أخري قريبة من روسيا دعمها لنيكولاس مادورو، فيما طالبت الصين بحل سياسي للأزمة، واعتبرت روسيا أن أمريكا وحلفاءها يدعمون محاولة انقلابية لاغتصاب السلطة وعقاب مادورو علي سياساته المستقلة عن أمريكا والغرب الأوروبي الاستعماري. ومازالت تفاعلات الأزمة تعلن عن تداعياتها في احتمال حرب أهلية مدمرة في فنزويلا. وبترتيب أمريكي عقد مجلس الأمن جلسة طارئة السبت قبل الماضي أمطرنا فيها بومبيو بأكاذيبه الفاضحة المكشوفة وتباكيه المصطنع علي مواطني فنزويلا الذين أفقرهم مادورو وتبعه مندوب بريطانيا الذي قال إن موقف بلاده ضد مادورو ليس موقفاً استعمارياً بل أخلاقيا لحماية معارضي مادورو الذين خرجوا في مظاهرات ضده. والنبي إيه؟ وهل لم تخرج المظاهرات في فرنسا ضد ماكرون؟ فلماذا لم يطالبوا بعزله حماية لأصحاب السترات الصفراء، وإذا كان بكاؤهم علي أطفال فنزويلا الجائعين، فلماذا لم يبكوا علي أطفال فلسطين واليمن والمهجرين السوريين. إنهم مستعمرون تأخذهم غطرسة القوة وغباء السياسات والشره لسرقة البترول أينما وجد. في مارس 2016 وأثناء زيارته للأرجنتين وقف باراك أوباما ليعلن بأن بلاده، وبعد التورط في دعم الانقلاب العسكري في الأرجنتين عام 1976، »تعلمت الدرس، ولم تعد تلك الدولة التي دبرت انقلابات بالجملة في دول مختلفة بالقارة». وكالعادة كان كاذباً مراوغاً، فبعد شهر واحد من هذه الطمأنة، كُشف النقاب عن دور »الصندوق الوطني للديمقراطية» الأمريكي، وكذلك »الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية» في عزل رئيسة البرازيل »ديلما روسيف» كما وقفت وراء الانقلاب عليها نخب »وول ستريت» المالية؛ حيث دخلت من باب الأزمة الاقتصادية لشراء الشركات الحكومية البرازيلية. وقبل الانتخابات الرئاسية لفقت قضية ل »لولا دي سيلفا» الاشتراكي صاحب نهضة البرازيل وأدخل السجن ليفوز بالرئاسة شخص باهت يميني متعصب »بولسونارو» كان أول قراراته نقل سفارة بلاده للقدس. لقد تدخلت الولاياتالمتحدة في تاريخها الحديث والمعاصر خمسين مرة بقواتها وسياساتها لترتيب انقلابات تطيح بقادة وطنيين في كل من بنماوالأرجنتين ونيكاراجوا وكوبا وفيتنام وكولومبيا وتشيلي والبرازيل وهندوراس وتاهيتي وأوروجواي وفيجي وفنزويلا وغيرها من دول أمريكا اللاتينية التي طالما اعتبرتها فناءها الخلفي الذي لابد أن يكون تابعاً لها غير مستقل، ولتحول ضد تنمية بلاده، لتظل رهينة القبضة الأمريكية. وهي في سبيل إنجاح تدخلاتها تلك سمحت للشركات الأوروبية بالحصول علي جزء من كعكة اقتصاد هذه الدول وثرواتها. ولعل التفكير السطحي لترامب وإدارته قادتهم إلي هذا الانقلاب للتغطية علي مشاكلهم المتفاقمة في الداخل الأمريكي من تحقيقات موللر وال FBI ومجلس النواب مع ترامب وإدارته بشأن العمالة لصالح روسيا والفساد المالي الرئاسي ومنع مجلس النواب لترامب من إلقاء الخطاب الرئاسي بشأن حالة الاتحاد إلا بعد إنهاء الإغلاق الحكومي ورفض تمويل إقامة جدار فصل عنصري في الحدود مع المكسيك. هذا بشأن الموقف الأمريكي، لكن المرء يتعجب للموقف الأوروبي والكندي في دعم هذه السياسات الأمريكية الاستعمارية الخرقاء في تجاوزها السافر للقانون الدولي ومناهضتها لحريات الشعوب في اختيار انظمتها الحاكمة، وهم الذين يتشدقون بالقيم الديمقراطية ومبادئ العالم الحر. لقد تبدي لنا وللعالم كله وجه »البوزا هكسا Die böse Hexe – الساحرة الشريرة» التي خرجت من أضابير الأساطير والسحر الأسود، لتطل علينا من واجهات فنزويلا المغدورة بالجنون الأمريكي والتواطؤ الأوروبي وديكتاتورية مادورو.