مع رغبة الأغلبية في الأخذ بنظام القائمة النسبية في الانتخابات التشريعية، فإن مجلس الشعب القادم سيكون مختلفاً عن المجالس السابقة. أبرز ايجابيات النظام المقترح أن النواب سيتفرغون للمهام التي أنشئت البرلمانات من أجل تحقيقها. أو بمعني آخر: إنهاء العرف السائد الذي يضع النواب تحت رحمة المطالب الشخصية للناخبين الذين اختاروا نواب دوائرهم بالاسم وليس لانتماءاتهم الحزبية. المجلس التشريعي يدرس مشروعات القوانين. يوافق عليها أو يطلب تعديلها أو يرفض بعضها لأنها كما تري الأغلبية ليست في صالح جموع الشعب. كما يراقب المجلس الأداء الحكومي، و يحاسب الوزراء علي تقصيرهم كل في موقعه في تنفيذ برنامج الحكومة الذي سبق لرئيسها طرحه أمام مجلس الشعب وحظيت الحكومة بالموافقة عليه، مع احتفاظ النواب بحقهم في مراقبة خطوات التنفيذ وتحديد صلاحيتها والتصدي لاخفاقاتها. ومن الطبيعي أن ترتفع أصوات يعارض أصحابها تفرّغ النواب لأدائهم: التشريعي والرقابي، علي حساب احتياجات ومطالب وحقوق أهالي الدوائر الانتخابية الذين جاءوا بهؤلاء النواب من أجل تحقيق خدمتهم وتوفير مطالبهم وفرص عمل لأبنائهم وعلاج مرضاهم و.. و.. إلي آخر المطالب الفئوية والشخصية. اعتراض أهالي الدوائر علي هذا التصوّر له مبرراته وتجاربه. فالمركزية المفرطة في إدارة الدولة كنظام حكم في مصر منذ آلاف السنين.. كما قال عمرو موسي »تمحور وتركز علي العاصمة، وأهمل في الوقت نفسه باقي المحافظات بكل مدنها وقراها وسكانها طبقاً لأولويات وضعتها المركزية المفرطة وتمسكت بها رغم سلبياتها المفرطة تجاه الغالبية العظمي من المصريين. ووجد المظلومون المهمشون أن فرصتهم الوحيدة لسماع آلامهم والمطالبة بأبسط حقوقهم هي مسئولية النواب الذين منحوهم أصواتهم لا لشيء إلاّ لينقذوهم من الإهمال والتجاهل والحرمان والبطالة والفقر من خلال تفرغهم بعد انتخابهم للتردد علي مكاتب المركزية المفرطة لنيل الموافقات علي طلباتهم واستغاثاتهم واسترداد حقوقهم. والسؤال الآن: كيف يمكن قيام مجلس تشريعي، رقابي، يتنافس نوابه علي توفير وتحقيق أهم ما في برامج الأحزاب السياسية الممثلة بنوابها وفي الوقت نفسه لا يتجاهل آلام الغالبية العظمي من المصريين في طول الدنيا وعرضها، شمالها وجنوبها؟«. الإجابة الوافية علي هذا السؤال المهم.. وجدتها في مقال عمرو موسي المنشور منذ أيام في »الأهرام« مقترحاً السعي إلي قيام سلطات محلية منتخبة تنتقل إليها بشكل مؤسسي وتدريجي مسئولية وصلاحيات صنع القرار في كل ما يتعلق بالشأن المحلي بما في ذلك تمويل الانفاق المحلي عن طريق تطوير الرسوم أو الضرائب المحلية. ولا يكتفي عمرو موسي بطرح الحل، وإنما يبادر بتوضيح خطواته بدءاً بقيام: (1) أجهزة تنفيذية يأتي علي رأسها المحافظون، ورؤساء الوحدات المحلية، والعمد، ويتم انتخابهم لفترة محددة ولتكن نفس فترة رئيس الجمهورية علي أن يعاد انتخابهم لمرة واحدة. (2) مجالس شعبية محلية تتوفر لها صلاحيات حقيقية بما يضمن المشاركة الفعالة في تحديد الأولويات وصنع القرار والرقابة علي السلطة التنفيذية المحلية، ومحاسبتها، وتوجيهها بقرارات لها صفة الالزامية فضلا عن سلطة سحب الثقة منها إذا لزم الأمر. ولا يكتفي عمرو موسي بما ينادي به وإنما حرص في مقاله المهم علي تنبيهنا إلي أن [ التحول إلي اللامركزية يتطلب إطاراً دستورياً وقانونياً يجب العمل علي توفيره من خلال النص صراحة في الدستور الجديد وفي قانون جديد للحكم المحلي علي اللامركزية كنظام لإدارة الدولة وبشكل يحدد المسئوليات والصلاحيات وقواعد المساءلة]. واختتم عمرو موسي المرشح لرئاسة الجمهورية مقاله قائلآً: [ان تحقيق هذا التحول الثوري في نظام الحكم والإدارة المصري المتجذر منذ آلاف السنين سيحتاج لوقت وعمل كبيرين ولكنه ضروري إذا أريد لوجه الحياة في هذا الوطن ان يتطور ويتغير إلي الأفضل].