مع تواصل تقدم ثوار ليبيا تحت مظلة الحماية التي توفرها قاذفات »الناتو«.. بدأت الخلافات تتصاعد بين الفصائل التي قادت الحرب ضد القذافي. ظهرت علي السطح مشاهد عدم التوافق علي تشكيل حكومة وحدة وطنية لقيادة البلاد في هذه المرحلة الحاسمة والفارقة. كل فصيل يريد أن يحظي بأكبر عدد من المناصب الوزارية وهو الأمر الذي قاد إلي انشقاقات وتصريحات متضاربة. هذا الموقف ان دل علي شيء فإنما يدل علي بداية التنازع علي اقتسام الكعكة دون النظر إلي أهمية اعادة الحياة الي شرايين ليبيا والتي تقطعت نتيجة الحرب الأهلية الضروس التي عاني منها هذا البلد العربي علي مدي سبعة شهور متتالية ومازالت مستمرة. ورغم النجاحات التي حققتها الثورة الليبية فإن الدلائل وحتي تصريحات المسئولين عنها مازالت تشير الي ان المعركة ضد القذافي مازالت في انتظار الحسم النهائي.. تضمنت هذه التصريحات الشعور بالخوف من استمرار المناوشات بين الطرفين والتي اصبح توقفها مرهون بالقبض علي القذافي أو القضاء عليه. هذه المخاوف من التطورات تنطلق من توافر الأموال الكثيرة لدي العقيد الهارب التي يمكن استخدامها في تمويل مواصلة المقاومة واثارة القلاقل في ربوع ليبيا الشاسعة. لا تقتصر الخلافات في ليبيا علي اقتسام كعكة الحكم بل انها شملت أيضاً دور الأيديولوجية والتوجهات الدينية للذين شاركوا في تحقيق الانتصارات. وهناك ادراك وفهم بين القوي الليبية المختلفة بأنه لولا تدخل قوات الناتو بالتدمير للقوة العسكرية للقذافي ومطاردته ما استطاعت قوات الثوار التي كانت تفتقد للسلاح والتدريب من تحقيق أي تقدم في المجال العسكري. يبدو أن مهمة الناتو وبعد طول تردد قد امتدت أيضاً الي تقديم كميات هائلة من السلاح الذي تم توزيعه بدون ضابط أو رابط وأصبح يمثل حالياً خطراً علي امن واستقرار ليبيا. ولطمأنة المواطنين وللتخفيف من هالة الهلع نتيجة انتشار هذا السلاح أعلنت مصادر المجلس الوطني الانتقالي بأنه وبعد الانتصار الكامل وتحرير كل الأراضي الليبية ستتم عملية جمع للسلاح وهو أمر مشكوك فيه وسط تفشي السيطرة القبلية. ومن الطبيعي ان ترفض هذه القبائل التخلي عن هذه الثروة القيمة التي حصلت عليها مجاناً أو بتراب الفلوس. ولعل ما يحدث علي حدود مصر مع ليبيا من عمليات تهريب للسلاح وعرضه للبيع أحد صور هذه الفوضي التي تولدت عن كميات السلاح الهائلة التي تدفقت علي ليبيا. من ناحية أخري فقد بدأت الدول التي قادت عمليات الناتو ضد ليبيا تبحث عن حقها من الكعكة الليبية والتحرك للحصول علي المقابل في شكل احتكارات للشركات البترولية وعمليات تعمير لما قامت به طائراتها من تدمير للمنشآت الليبية. كما شملت المطالبات عقود لتوريد الاحتياجات الكثيرة للدولة بعد اتمام التحرير. ان هذه الدول تري في هذه المطالب حقاً وثمناً للدور الذي قامت به في انهاء ديكتاتورية القذافي وانقاذ القائمين علي الثورة من عمليات التصفية في حالة التمكن من مواجهتها. ولقطع الطريق علي اي أطراف أخري يمكن ان تسعي لأن يكون لها نصيب في هذه الكعكة فقد حرص كل من الرئيس الفرنسي ساركوزي ورئيس وزراء بريطانيا جورج كاميرون علي زيارة ليبيا لأخذ التعهدات اللازمة بالحصول علي هذا الحق. ان هذه الزيارة تؤكد ما سبق ان قلناه في مقالات سابقة بأن حماس هاتين الدولتين للتدخل ليس أبداً بدون ثمن وأن ما تم انفاقه علي هذا التدخل العسكري لا يمكن أن يكون أبداً لوجه الله. لقد وضعا في اعتبارهما تجربة ما حدث في العراق التي انفردت الولاياتالمتحدة بمعظم العائد المادي لعمليات التعمير بعد الغزو. وهكذا تكشف الأيام ان تدخلات هذه الدول ليس من هدف لها سوي خدمة مصالحها أولاً وأخيراً.