ان متابعة إيجابية للساحة السياسية حالياً تعطي انطباعاً جازماً بأن ثقافة الحوار الذي يستهدف مصالح هذا الوطن العليا مازالت غائبة. كل الدلائل تؤكد اختفاء هذه الثقافة الحضارية التي يمكن من خلالها اقامة الكيان الديمقراطي المأمول للدولة المصرية الجديدة. يجب أن يستند هذا الحوار الي أهداف ثورة 52 يناير الحقيقية التي دعت الي الاصلاح والتغيير وفتح الطريق امام الديمقراطية الحقيقية التي تعطي لغالبية الشعب وليس للأقليات والأصوات المرتفعة والتنظيمات المتربصة الحق في تولي حكم هذا الوطن. رغم الاجتماعات والتصريحات الوردية التي لا تظهر ما في الصدور والتطلعات غير المشروعة القائمة علي الهيمنة والتسلط علي ارادة الأغلبية فإنه مازالت هذه الثقافة الحوارية بعيدة كل البعد عن أي حراك سياسي. كنا نرجو أن يكون هناك حوار هادفا يقوم علي الاقناع والفهم وعدم اللف والدوران.. يتجنب المناورة والانحياز للمصالح السياسية الضيقة ويضع الصالح الوطني فوق كل اعتبار. هذا الحوار الذي نأمله مازال مفقوداً وللأسف علي كل المستويات خاصة بين ما يسمي بالقوي السياسية الجديدة والمجلس الأعلي للقوات المسلحة المفوض من الشعب في ادارة شئون الدولة حتي الرسو علي بر الأمان من خلال تولي سلطة شعبية تمثل الغالبية حكم هذه البلاد. كان يجب أن يتركز هذا الحوار بداية علي القضايا الاساسية للوطن التي تضمن الأمن والاستقرار باعتبارها الطريق الصحيح لاثراء المسيرة الديمقراطية وابعادها عن أي تأثيرات تؤدي إلي وأدها وهي مازالت في المهد. ليس خافياً أن هذا الوضع قد أصاب الغالبية من أبناء هذا الشعب الذي يجد نفسه متفرجاً علي هذه التمثيلية المأساوية بالاحباط تجاه المستقبل وهو ما يعد مناخاً سلبياً لاصلاح الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الشيء المؤسف أنه في غياب هذه الثقافة أصبح لا يوجد علي الساحة سوي الدعوات للتظاهرات من كل نوع دون ضابط أو رابط سوي قيامها علي شعارات لا تعني شيئاً سوي زيادة حالة الاضطراب والقلق والفوضي. الأغرب من كل هذا أنه رغم هذا المناخ الذي لا يدعو إلي الاطمئنان مازالت حالة التردد سائدة تجاه مواجهة الانفلات الأمني الذي أصبح هاجساً يثير الخوف والهلع في كل البيوت المصرية بلا استثناء. الدلائل تشير الي ان الشرطة مازالت تحت تأثير الضغوط النفسية التي تمنعها وتعيق حركتها في التحرك بالقوة اللازمة لفرض هيبة الدولة علي الشارع المصري. ان شبح المحاكمات مازال يدفع بعض عناصر هذه الشرطة رغم استيعابها لدروس ثورة 52 يناير الي السلبية في المواجهة والتي ان تمت فإنها تنتهي ونتيجة لذلك بخسائر فادحة في أرواح رجالها. ان عملية البحث عن ثقافة الحوار الهادف الذي لا يستهدف سوي مصلحة هذا الوطن مازالت في حالة ضياع نتيجة الضغوط وعمليات الارهاب الفكري والتخويف الدائر من وقت لآخر بما يسمي »مليونيات« لا يجني من ورائها الوطن في الوقت الحالي سوي التراجع عن طريق التعافي من حالة عدم الاستقرار التي نعيشها جميعاً. السؤال الذي يبحث له عن جواب حالياً هو أين نتائج عمل لجنة الحوار الوطني التي كان يتولاها الفقيه الدستوري نائب رئيس الوزراء السابق يحيي الجمل.. في عملية الخروج من هذا المأزق الذي يهدد الوطن ومستقبله؟!