وتمضي مصر في خطتها الطموح للخروج من حلقة دول العالم الثالث ذات الاقتصاديات المتواضعة والتي لا تسمح بأية طموحات تشكل أعباء إضافية علي ميزانياتها سعياً إلي الانضمام لنادي الدول ذات الطموحات الاقتصادية بدءاً من الاهتمام بمقومات البنية الأساسية التي تصلح منصة لبناء اقتصاد ذي طموحات وصولاً إلي الاقتصاد ذاتي التنامي إلي منظومة تنمية الإنسان المصري بشرياً ليصبح قادراً علي المنافسة محلياً بالمقاييس العالمية. لذا فإن الخروج من هذه الحلقة الضيقة يحتاج عزماً وعزيمة ولقد بدأت بشائرها في الانجازات المتتابعة التي نسمع عنها كل يوم ونسعد بها كأصحاب فكر تنموي يستطيع أن يري بوصلة اتجاه الأحداث. هذا الأمر في حد ذاته له تبعاته الاقتصادية التي يتحملها الشعب كله بقطاعاته الإنتاجية وفئاته سواء الميسورة أو الطبقة المتوسطة الآخذة في الاضمحلال، وهو أمر له خطورته (إذ إن الطبقة المتوسطة هي طبقة التوازن في المجتمع وفيها مخزون الإرادة الشعبية الواعية التي لها تأثير رشيد علي نتائج الانتخابات الديمقراطية) ناهيك عن الطبقة الكادحة والتي تتحمل في صبر نصيبها من تلك التبعات المرتبطة بانتقال الدولة من مرحلة إلي مرحلة أفضل. شاءت الظروف أن أكون متواجداً بأحد الأندية في نقاش ضم دائرة صغيرة من المفكرين بدأ في أوله محتدماً، تبني جانب منهم النظرة التشاؤمية لمسار الاقتصاد المصري من ارتفاع الكلفة ووقعها علي الطبقات الوسطي والكادحة واختلال تسلسل أولويات المشروعات التي يجب أن تسير طبقاً لقاعدة الأهم فالمهم ثم الأقل أهمية. وقد عقبت علي هذه النظرة بأن الجاهزية لإتمام مشروع ما قبل الآخر قد ترتبط باكتمال الإمكانيات الفنية والتمويلية مما قد يضع قائمة مغايرة من الأولويات علي المحك قد يؤتي بمشروع رقم 4 مثلاً ليكون في المرتبة الأولي طبقاً لأولويات التنفيذ بديلاً عن الالتزام بقائمة الأولويات التقليدية والتي قد يتعطل تنفيذها انتظاراً للمشروع رقم 1 الذي قد يكون غير جاهز للتنفيذ في هذه المرحلة. أسعدني حوار من أحد المتفائلين والمتحمسين للدور التنموي الصاعد الذي تتبناه مصر حالياً والذي قد يتضمن ميزانية ضخمة لتحقيق هذا الطموح اللازم لنقل الاقتصاد والأداء المصري من مستواه الحالي إلي مستوي أعلي، حيث أتبع ذلك مجموعة من الأسئلة طرحها بذكاء والتي جاءت إجابتها من الطرف المعارض كلها مؤيدة.. أسوقها كالآتي: ولادك بيروحوا النادي كل يوم؟.. أيوه. صيفت السنة دي؟.. أيوه. بتنزل تسهر مع صحابك عادي؟.. أيوه. طب عندك لا قدر الله جيش منقسم ومنشق؟... لأ والحمد لله. جزء من بلادك محتل؟.. الحمد لله برضو لأ. عندك قواعد عسكرية بتنتهك سيادتك علي أرضك؟.. الحمد لله رب العالمين مفيش. سبت بيتك ووطنك وقاعد في مخيم علي حدود أي بلد مستني طيارة ترمي لك رغيف؟.. الحمد لله محصلش. حد من معارفك اتدبح والدواعش لعبوا الكورة برأسه قدام الكاميرا؟.. اللهم احفظنا لأ محصلش. ولادك مدارسهم وجامعاتهم اتعطلت والسنة الدراسية اتلغت؟.. لأ. عندك فتنة طائفية بتحصد كل يوم مئات من دول ودول؟.. لله الحمد والشكر.. لأ. عندك أزمة كهربا في صيف خانق الحرارة فيه وصلت لأرقام قياسية؟.. لأ. الشتا اللي فات كنت نايم في خيمة والثلج نازل حواليك لمدة شهر؟.. لأ. بتنام من غير عشا؟.. الحمد لله مستورة. وهنا نهضت مغادراً الحلقة النقاشية للحاق بدعوة علي الغداء تأخرت فيها عن موعدي قائلاً: عمار يا مصر يا أم الدنيا يا جميلة. مصر ستنهض بشعبها وكثافتها السكانية التي نرجو لها أن تتحول إلي طاقة إنتاجية داعمة للاقتصاد ومحققة لطموحات الفرد والمجتمع والدولة، وحفظ الله مصر بجيشها العظيم من كيد الكائدين وإن كره الكارهون. • رئيس مجلس الأعمال المصري الألماني