المفاجأة التي لا يعرفها سمير فريد أن وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني لم يكن ينوي أصلا تعييني رئيسا للجهاز القومي للتنسيق الحضاري. بل اتفق معي قبل عودتي من روما في أغسطس 2004، حيث كنت مديرا للأكاديمية المصرية للفنون هناك، علي تولي رئاسة الهيئة العامة للكتاب بعد وفاة المرحوم الدكتور سمير سرحان. وفوجئت قبل بضعة أيام من مغادرتي روما بأن الوزير غير رأيه، وأرسل لي بقرار وزاري علي فاكس الأكاديمية بندبي رئيسا للجهاز القومي للتنسيق الحضاري. عدت علي عجل لأكتشف أن فاروق عبد السلام رئيس قطاع مكتب الوزير كان قد رتب ليتولي هو رئاسة الجهاز. لذلك بدأ حربا ضدي، تحت سمع وبصر فاروق حسني، استمرت حتي إقالة الوزارة في يناير الماضي. لهذه الحرب وقائع يجب أن تروي يوما ما، حيث استخدم فيها عبد السلام قاعات محاكم مجلس الدولة وصفحات الصحف، فضلا عن أروقة الوزارة وأوراقها. هذا عن حديث المناصب التي توليتها والتي اعتبرها سمير فريد دليلا علي دور الرئيس السابق وأسرته في حصولي عليها. هو استخدم تعبير " أسرة الرئيس " التي تضم أيضا ابنيه اللذين لم أرهما أو أتحدث معهما في حياتي. ولكنها رغبة سمير فريد المتعمدة في الإيحاء بسيناريو، بصفته ناقد سينما، لم يحدث. متناسيا تماما أهم منصب أتمتع به وهو منصب الكاتب. هو فتح هذا السجال كله بمناسبة مقالات لي ككاتب وليس كمسئول في وزارة. مع ذلك فهو رد علي مقالاتي من باب الوزارة. علي كل حال يهمني توضيح أنني لست في معركة مع سمير فريد. وأنه ليس هدفا لهذه السلسلة من المقالات. هدفي فقط هو إظهار الحقائق المجردة كما هي. وهي حقائق لم يكن يعرفها غير شهودها. علق أحد القراء علي مقالة الأسبوع الماضي بأنه لا يعرف ما إذا كنت أهاجم فيها فاروق حسني أو أدافع عنه. فأجبته بأنني أعتبر تساؤله هذا شهادة لصالحي. فهي تعني أنني لم أكتب لأهاجم أو لأدافع. وإنما للكشف عما حدث. الكتابة عن فاروق حسني بالنسبة لي محفوفة بالحرج الشديد. عملت معه طوال فترة توليه وزارة الثقافة، التي ربت علي ثلاثة وعشرين عاما، ولم أنشر مقالة واحدة مدافعا عنه كما كان يتباري غيري من الكتاب. ولم أوقع أي بيان من البيانات المؤيدة له كما وقعها كثير غيري من الكتاب والفنانين وقيادات وزارة الثقافة. لذلك فالاعتماد علي ذكر الحقائق المدعمة بالمستندات هو سبيل الخلاص الوحيد من هذا الحرج. الغرض الحقيقي من تساؤلات سمير فريد، التي نشرها في جريدة " المصري اليوم " في 11 يونيو وأضاف إليها في 14 يونيو الماضيين، يظهر في التساؤل الأخير : " أم أن سمير غريب كان من معارضي النظام في حزب سري قام بالثورة ". هذا هو مربط فرس فريد . فلقد بدأت سلسلة مقالاتي عن مكتبة الإسكندرية بتساؤل : " أين الثورة؟". سمير يريد أن يقول - من خلال لي أعناق الأسئلة السابقة - أنني كنت من رجال الرئيس السابق. ويساوي بيني وبين آخرين يدافع هو عنهم كانوا مساعدين مباشرين للرئيس السابق وللسيدة حرمه. وبالتالي فلا يحق لي أن أكتب ما كتبت. ولماذا يلوي أعناق الأسئلة ؟ ليبطل مبدئيا حقي في فتح الملفات التي فتحتها وعلق عليها، وليدافع عمن عينه مستشارا رغم أنه يتقاضي أقل أجر بين المستشارين للأسف وهو مبلغ 6734 جنيها شهريا. وليصل إلي ما تصوره الضربة القاضية متمثلة في تساؤله الأخير. ويسعدني أن أفاجئ صديقي الناقد السينمائي بإجابة سريعة صحيحة : نعم، كنت معارضا.. ولكن في حزب علني، وليس حزبا سريا كما تهكمت. عارضت علنا أوضاعا خاطئة، ووقفت ضد حالات فساد رأيتها. ليس فقط في عهد الرئيس السابق، بل وفي عهد الرئيس الأسبق، ومنذ كنت طالبا في الجامعة في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي. وقبلت الانتقال من الصحافة إلي وزارة الثقافة لأخدم بلدي أولا وبفاعلية أكبر. وقد فعلت وبما يشرفني تماما. لم يمنعني عملي في مؤسسات حكومية من معارضة الحكومة، بل ومعارضة سياسات وزارة الثقافة التي أعمل فيها، علنا وعلي صفحات الصحف. وليس هذا إدعاء أدعيه الآن، والصحف موجودة تشهد. دلني علي كاتب آخر عمل مسئولا في الحكومة وعارضها. سأوضح كل ذلك بأدلتي ومستنداتي. لكي لا يطول كلامي سأحاول الاختصار وأبدأ من الآخر : - بعد أن عدت إلي مصر وإلي الكتابة المنتظمة في جريدة " الأخبار " منذ حوالي سبع سنوات ، احترق قصر ثقافة بني سويف ومات في حريقه الشهير عدد من خيرة المسرحيين المصريين، منهم أصدقاء لي. فنشرت مقالتي : " من المسئول عن كارثة قصر ثقافة بني سويف ؟". نوهت عنها جريدة الأخبار في الصفحة الأولي. كتبت فيها صراحة " أن الإهمال ضارب في الهيئة العامة لقصور الثقافة وفي غيرها من الهيئات "، وضربت مثلا بكارثة حريق آخر هو حريق قصر المسافر خانة الأثري. وطالبت بمحاسبة مسئولين كبار في وزارة الثقافة ولم استثن الوزير كما فعل كتاب آخرون. اتصل بي صديق مطلع بعدها وحذرني صراحة " الوزير مش هيفوتها لك ". بالفعل أصدر الوزير بعد فترة قصيرة قراره، الذي سحبه بعد ساعة من صدوره، بإقالتي من رئاسة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري. وللتوضيح، إن شاء الله، بقية.