مرة ثانية وثالثة وعاشرة، أكتب عن مبادرة الرئيس للقضاء علي فيروس سي، فقد عشت سنوات مريرة في عذاب ورعب وأهوال، بسبب مرض زوجتي رحمة الله عليها بهذا الفيروس اللعين، ورأيت كيف تذبل أجمل زهرة في الوجود أمام عينيك، دون استطاعة أن تفعل شيئاً، وسافرت شرقاً وغرباً أبحث عن العلاج، دون جدوي، حتي نفذ قضاء الله. البيت الذي فيه مريض بفيروس سي لا يعرف السعادة، وتتحول حياة الأسرة إلي شقاء وتعاسة وألم وعذاب، فهذا المرض لا يصيب الجسد فقط، بل يمتد إلي الروح فيشقيها، ويجعلها تبحث عن الراحة في الفضاء الفسيح، وتتسلح بالدعاء خشية فيروس لعين، شيمته الغدر والمفاجأة دون سابق إنذار. المصريون تحولوا إلي حقل تجارب لأدوية عديمة المفعول منذ سنوات طويلة، مثل إنترفيرون قصير المدي ثم الممتد المفعول، وكانت حقناً باهظة التكاليف، وثمنها ثلاثة آلاف جنيه أسبوعياً، وتصيب الجسد بآلام رهيبة، وفي النهاية أنت وحظك، إما اختفي الفيروس أو عاد أكثر شراسة. أما زراعة الكبد، فما أدراك ما الزراعة، حين تهيم علي وجهك في الأرض والسماء بحثاً عن متبرع، ويا ويل من يقع في براثن مافيا تجارة الأعضاء، فهم دائماً يقدمون متبرعاً يستنزف أموالك، وفي النهاية هم متأكدون أن التحاليل الأخيرة ستثبت أنه غير صالح، بعد أن يكون قد استولي علي عشرات الآلاف من الجنيهات. أوربا لا تنقل الأكباد لغير مواطنيها، وأمريكا لديها كشوف انتظار عدة سنوات، والصين معظم من ذهبوا إليها ماتوا بعد سنوات قليلة، لأنها أكباد فاسدة، ثم أغلقت أبوابها في وجه طالبي الزراعة، واقتصر الأمر علي مواطنيها. كانت أعداد المصابين بفيروس سي كبيرة، ولا تقل عن 15% من عدد السكان، وكثيراً ما شاهدت شباباً يصابون بالانهيار، وهم في اختبارات الكليات العسكرية أو مسافرون للخارج، وبمجرد أن يقول الطبيب »فيروس سي»، فهذا معناه رحلة الرعب إلي الموت المحقق، فلا أمل في الشفاء، حتي بعد أن يستنزف ثروات الأسرة مهما كان غناها. جاءنا الفيروس اللعين من البلهارسيا، من التلوث، من الدم المنقول ؟ الله وحده هو الذي يعلم، فقد أصاب أناساً غير تلك الحالات، ومن أشهر ضحاياه عبد الحليم حافظ، الذي عاني من كل أعراض المرض، قبل أن يكتشفوا الفيروس. فيروس سي عرف في بدايته باسم الشبح، لأنه لا يمكن اكتشافه بالأشعات أو التحاليل، ولكن يمكن التعرف عليه من الأجسام المضادة، وبعدد هذه الأجسام يمكن حساب كميته.. يعني كل العلاجات كانت تحارب شبحاً غامضاً. إلي أن حدثت المعجزة، وظهرت المجموعات الدوائية المقاتلة، التي استطاعت حصار الفيروس والقضاء عليه، بعد أن استباح أجساد المصريين، وعبث بها وحطم حياتها، وقادها إلي القبور، وتصوروا أن ملايين الذين ماتوا في عز شبابهم، كان يمكن أن يكونوا بيننا أحياء الآن، ولكن لكل أجل كتاب. مرة ثانية وثالثة وعاشرة، أكتب عن مبادرة الرئيس للقضاء علي فيروس سي، فهو إنجاز لا يضارعه إنجاز، لأنه يمنح اليائس فرصة جديدة للحياة، بلا ألم ولا رعب ولا مستشفيات ولا قيء دموي، ولا مشارط جراح تعبث بسلامة الجسد، وتبث الوجع والألم. معني أن تكون مصر خالية من فيروس سي 2020، أننا انتصرنا علي العدو الأكبر للمصريين، مستعمر وحشي ليس في قلبه رحمة ولا شفقة، ويفوق كل المستعمرين الذين جاءوا علي مصر، وذهبوا، دون رجعة.