في ظل توتر العلاقات بين روسيا والغرب بسبب الأزمة الأوكرانية والنزاع في سوريا والاتهامات بالتدخل في سياسات دول غربية، تجري موسكو مناورات عسكرية هي الأضخم في تاريخها منذ الحرب الباردة بمشاركة الجيشين الصيني والمنغولي. ويطلق علي هذه التدريبات العسكرية اسم »فوستوك 2018» وتجري علي مساحات شاسعة من سيبيريا ومناطق أخري تقع في أقصي شرق البلاد. ومن جانبه، وصف حلف شمال الأطلسي (الناتو) تدريبات » مع الصين كبروفة علي صراع واسع النطاق. وأظهرت هذه المناورات قدرة روسيا علي نشر قواتها بسرعة وأنها لاتزال قوية وتتحدي العقبات. إذ شارك فيها أكثر من ألف طائرة و300 ألف عسكري وأسطول المحيط الهادئ والأسطول الشمالي وقوات الإنزال بالكامل. ولم تكشف بعد روسيا عن تكلفة هذه المناورات الضخمة، لكن المتحدث باسم الكرملين أكد بأنها »ضرورية ومبررة ولا غني عنها بسبب الوضع الدولي الراهن الذي يتسم عادة بالعداء تجاه بلدنا». وتتزامن المناورات العسكرية الثنائية الروسية الصينية مع فرض زمرة جديدة من العقوبات الاقتصادية والمالية من قبل الولاياتالمتحدة علي بعض الشركات الروسية وكبار المسئولين الروس. الأمر الذي يؤجج الحرب الخفية الدائرة بين البلدين في ما يتعلق بالسباق نحو التسلح. وتشكل المناورات لحظة انتصار بالنسبة للرئيس الروسي »فلاديمير بوتين» الذي جعل تحديث الجيش أولوية قصوي في أعقاب الركود ما بعد السوفييتية، وسلط الأضواء علي أسلحة نووية جديدة رائعة في خطابه عن حالة الأمة في مارس الماضي. وقال مراقبون إنه قبل أسبوع من انعقاد قمة بين زعماء كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، ستعيد هذه المناورات العسكرية التأكيد علي محاولة موسكو أن تصبح لاعبًا عسكريًا ودبلوماسيًا رئيسيًا في المنطقة. وإلي جانب عرض القوة القتالية الروسية، فإن فوستوك هو تعزيز لعلاقاتها الدافئة مع جارتها الشرقية وعدوتها السابقة الصين التي تخوض حاليا حربا تجارية مع الولاياتالمتحدة. وهنا يبدو أن روسياوالصين يريدان بناء علاقات قوية لوقف الهيمنة الأمريكية، وكلاهما يقولان أيضا إن السبب الرئيسي للمناورات المشتركة هو تهديدات أمنية مختلفة. وقالت روسيا إنها ستنقل المهارات التي اكتسبتها من خلال تدخلها في سوريا إلي القوات الصينية، التي لم تخض حربًا منذ عام 1979، مما يمنحها لمحة عن المهارات القتالية الحقيقية. وبخصوص مشاركة الصين ب3200 عسكري و900 قطعة عسكرية بينها مقاتلات ومروحيات، أكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري يوسكوف »بأن المشاركة الصينية تدل علي أن البلدين الحليفين يتعاونان في كل المجالات». فقد صوتوا مراراً وتكراراً ضد قرارات الولاياتالمتحدة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في السنوات الأخيرة، وسعت روسيا علي نحو متزايد إلي الحصول علي الائتمان والاستثمار الصيني بعد قطع التمويل الأمريكي. ورحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في فلاديفوستوك بنظيره الصيني شي جينبينغ ليحل ضيفاً رئيسياً علي المؤتمر السنوي، الذي يتركز جدول أعماله حول الشرق الأقصي الروسي. من منظور الصين، يرسل التحالف العسكري الناشئ مع روسيا إشارة قوية إلي الولاياتالمتحدة وحليفتها اليابان. وتعتزم الصين الدفاع عن مصالحها في بحر الصين الجنوبي. وتتعاون الصينوروسيا بصورة منتظمة في مجال المناورات العسكرية الثنائية. لكن هذه هي المرة الأولي التي تقوم فيها موسكو بإدراج القوات المسلحة الصينية ضمن المناورات الاستراتيجية السنوية، المخصصة عادة لأقرب حلفاء روسيا: الطائرات المسيّرة، وقوات المظلات والمدفعية، والطائرات الحربية المنتشرة في ساحة المعارك الوهمية. ويتوقع بعض المراقبين أن تدخل روسياوالصين تحت مظلة تحالف رسمي موحد، علي غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو) الغربي. لكن البلدين يرسلان إشارة واضحة إلي إمكانية المشاركة في حلف عسكري مشترك يعبّر عن توافق في المصالح بينهما، في حالة بلوغهما مرحلة المواجهة المباشرة مع واشنطن.