لمدة 6 أشهر.. ترامب يحظر الطلاب الأجانب من الدراسة في جامعة هارفارد    الكرملين: بوتين أبلغ ترامب بأن المحادثات مع أوكرانيا في تركيا "كانت مفيدة"    اليوم، تشغيل 4 قطارات إضافية مكيفة على خط القاهرة - أسوان    تهنئة عيد الأضحى 2025 رسمية مكتوبة    شريف بديع ل الفجر الفني: كنت شاهد على تحضيرات ريستارت..ورسالته مهمه وفي وقتها ( حوار)    عالم أزهري: أفضل أيام العشر يوم النحر يليه يوم عرفة    موعد صلاة عيد الأضحى 2025 في مصر لجميع المحافظات    ترامب يأمر بفتح تحقيق بشبهة التستر على الحالة العقلية ل بايدن    سعر الدولار أمام الجنيه الخميس 5-6-2025    وداعًا سيدة المسرح العربي| سميحة أيوب.. فصل الختام في سيرة لا تنتهي    حجاج بيت الله يواصلون التوافد إلى عرفات لأداء ركن الحج الأعظم    كامل الوزير يكشف تفاصيل إنتاج ألبان أطفال (فيديو)    فرصة تعيين جديدة.. «التعليم» تفتح باب التقدم ل 9354 و ظيفة معلم مساعد في اللغة الإنجليزية بجميع المحافظات    زلزال العيد.. هزة أرضية تضرب دولة عربية بقوة    موعد إعلان نتيجة 3 إعدادي محافظة جنوب سيناء الترم الثاني.. رابط الاستعلام بالاسم و رقم الجلوس فور اعتمادها    دعاء يوم عرفة مستجاب كما ورد في السنة النبوية    فضل الدعاء في يوم عرفة.. أمين الفتوى يوضح    أبطال مجهولون في العيد.. وقف ‬الراحات ‬وحملات ‬مكثفة ‬وانتشار ‬أمني ‬واسع    اليوم.. «بيت الزكاة والصدقات» يقدِّم 4000 وجبة إفطار للصائمين بالجامع الأزهر    عيد الأضحى موسم للتواصل مع الناخبين.. الأحزاب تسابق الزمن استعدادا للانتخابات    إصابة 3 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكي في الوادي الجديد    حبس عصابة تخصصت في سرقة مواقع تحت الإنشاء ببدر    محافظ قنا يستقبل وفدًا من مطرانية الأقباط الأرثوذكس للتهنئة بعيد الأضحى    الفاصوليا ب 70 جنيهًا.. أسعار البقوليات في أسواق الشرقية الخميس 5 يونيو 2025    أيمن موسى يكتب: «جورجي إسرائيلي كوري بيلاروسي»    والدة شيكا ترفض 108 آلاف جنيه.. أبرز ما جاء فى بيان أرملة إبراهيم شيكا    حكايات العيد والحج.. إبداع بريشة المستشرقين    وول ستريت جورنال: ترامب نفد صبره من انتقادات ماسك للمشروع الضخم    تشكيل الزمالك المتوقع ضد بيراميدز في نهائي كأس مصر.. الجزيري يقود الهجوم    دي أمراض أنا ورثتها، كامل الوزير يقيل أحد مسؤولي وزارة الصناعة على الهواء (فيديو)    له فضل عظيم.. دعاء يوم عرفة    «أضحى الخير» يرسم البسمة على وجوه 5 آلاف أسرة بالوادي الجديد.. صور    قاضٍ أمريكي يوقف ترحيل عائلة المصري المشتبه به في هجوم كولورادو    ناجي الشهابي مهنئًا الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك: نقف خلفكم.. ومواقفكم أعادت لمصر دورها القيادي    «اصبر أحنا مطولين مع بعض».. محامي زيزو يتوعد عضو مجلس الزمالك بعد واقعة الفيديو    بعثة الأهلى تغادر مطار دبى إلى أمريكا للمشاركة فى كأس العالم للأندية    رد جديد من اتحاد الكرة بشأن أزمة عقد زيزو مع الزمالك: «ملتزمون بهذا الأمر»    المصرية للاتصالات WE تطلق رسميًا خدمات الجيل الخامس في مصر لدعم التحول الرقمي    «صحة مطروح» تستعد لعيد الأضحى    موعد أذان الفجر اليوم في القاهرة وجميع المحافظات للصائمين يوم عرفة    الإفتاء تحسم الجدل.. هل تسقط صلاة الجمعة إذا وافقت يوم العيد؟    غرفة عمليات ذكية لضمان أجواء آمنة.. صحة مطروح تُجهز الساحل الشمالي ل صيف 2025    ب3 أرقام.. كريستيانو رونالدو يواصل كتابة التاريخ مع البرتغال    أحمد سالم: صفقة انتقال بيكهام إلى الأهلي "علامة استفهام"    رسميًا.. الهلال السعودي يعلن تعاقده مع سيموني إنزاجي خلفًا لجيسوس    بحضور نجوم الفن.. حماقي وبوسي يحييان حفل زفاف محمد شاهين ورشا الظنحاني    بعد ارتفاع عيار 21 لأعلى سعر.. أسعار الذهب اليوم الخميس 5 يونيو بالصاغة محليًا وعالميًا    نجاح أول جراحة لاستبدال الشريان الأورطي بمستشفى المقطم للتأمين الصحي    نصائح مهمة يجب اتباعها على السحور لصيام يوم عرفة بدون مشاكل    صحة الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى خلال إجازة عيد الأضحى    حدث ليلًا| استرداد قطعًا أثرية من أمريكا وتفعيل شبكات الجيل الخامس    قبل صدام بيراميدز.. كم مرة توج الزمالك ببطولة كأس مصر بالألفية الجديدة؟    نجاة السيناريست وليد يوسف وأفراد أسرته من حادث سير مروع    القائد العام للقوات المسلحة ووزير خارجية بنين يبحثان التعاون فى المجالات الدفاعية    الرسوم الجمركية «مقامرة» ترامب لانتشال الصناعة الأمريكية من التدهور    التعليم العالى تعتزم إنشاء أكبر مجمع صناعي للأجهزة التعويضية    5 أبراج «مايعرفوش المستحيل».. أقوياء لا يُقهرون ويتخطون الصعاب كأنها لعبة مُسلية    فوائد اليانسون يخفف أعراض سن اليأس ويقوي المناعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
هل نقول.. وداعاً سقارة
نشر في الأخبار يوم 30 - 08 - 2011

مرت علي هرم سقارة خمسة آلاف عام، اصبح شاهدا علي مسار الإنسانية، عرف الزلازل، والصواعق والامطار، وغارات الهمج، وصمد، والان أصبح مهددا بعد ان نال منه الفساد.. الفساد الذي تخلل حياتنا كلها..
علاقتي بالأهرام بدأت منذ طفولتي المبكرة. عندما كنت اقف فوق السطح الممتد أمام شقتنا في درب الطبلاوي. وأسافر بالبصر المتسائل إلي افق المدينة الرحب الخالي وقتئذ من الابراج والتلوث، استوقفني كثيرا تتابع الاهرامات عند خط الغرب، كان من الممكن وقتئذ رؤيتها واضحة، جلية من الجمالية، الآن لا يمكن رؤية اهرام الجيزة عند الوقوف امامها بسبب العشوائية المعمارية، والفساد المحلي الذي سمح ببناء المباني القبيحة من جميع الجهات، وأخيراً امتد الفساد إلي جسم أقدم بناء حجري في العالم وأكثرها رمزية وقداسة، هرم سقارة، تم ذلك بعد خرم جدران الهرم الاكبر الداخلية لحساب شركة امريكية خاصة، الآن هرم سقارة يتداعي والسبب ما جري حوله من حفريات أدت إلي خلخلة الارض المستقرة منذ آلاف السنين، وقد وجهت صباح الاثنين رسالة الي الامين العام للمجلس الاستاذ محمد عبدالفتاح وهو عالم محترم، ويلقي اجماعا من زملائه والعاملين بالمجلس الذين مروا بظروف صعبة وتظاهروا عدة مرات خلال الشهور الماضية، طلبت منه اجراء تحقيق دقيق في الاسباب التي أدت إلي وصول اهرام سقارة الي هذه الحال الخطيرة، واعلان ذلك في بيان صريح لا يجامل أي مسئول سابق، كما طالبت الدكتور محمد عبدالمقصود باعلان الاسباب التي دعته إلي طلب المساعدة من اليونسكو؟ أعرف ان وفدا من علماء اليونسكو سيصل خلال ايام، أمل أن نقف علي الحقيقة والمسئولية الدقيقة، فالامر الآن لا يتعلق بمخالفة مهنية أو وظيفية، أو مجاملة مسئول سابق. الأمر يتعلق الان بتراث انساني ملك للبشرية، أقدم بناء حجري في التاريخ، لقد مرت علي هرم سقارة اعاصير طبيعية وزلازل، حيث يوجد مركز لها قرب دهشور، وتوافد اقوام من الهمج عبر الصحراء، وفرس دمروا اعظم ما تمتلكه مصر في حملة قمبيز، واشوريين ورومان وعرب واتراك واجانب استهدفوا كنوز مصر، لكن هرم سقارة ظل سامقا، صامدا، حتي اخشاب الارز التي جلبت من لبنان وكانت تسند جدرانه ما تزال سليمة، قائمة، لماذا يتهاوي الآن؟ لماذا قدر لنا ان نشهده مصلوبا، مهددا، احجاره بدأت تتساقط، لماذا قدر لنا ان نشهد ذلك الآن بعد كل هذه العصور؟ انه الفساد المتستر بالعلم انه فساد الادارة. لذلك لابد من اعلان دقيق لا مجاملة فيه، انني لا اشك في نزاهة العلماء الذين يتولون مسئولية الاثار الآن، محمد عبدالفتاح الامين العام، وكمال وحيد مدير منطقة سقارة، مطلوب تشكيل لجنة من كبار علماء الاثار المصريين المتخصصين من ذوي الضمائر الحية والذين لم يبدلوا مواقفهم ومواقعهم نتيجة القاء الفتات، يجب ان تمتد ايدي علماء مصر بالتشخيص الدقيق والرعاية لاقدم أثر حجري علي الاطلاق. يجب عدم التستر علي أي شخص. ان المجاملة هنا تحمل من يقوم بها المسئولية كاملة، والاهم من ذلك ان يلقي المتسبب في وصول هرم سقارة إلي هذه الحال جزاءه القانوني ردعاً لمن تسول له نفسه في المستقبل ان يعبث في اثارنا لارضاء مؤسسات اجنبية او سعيا وراء المال والشهرة التي تخفي تبديد تراثنا ومفرداته، للأسف الشديد كان الاجانب ارحم بآثارنا من بعض الذين ائتمنتهم مصر من ابنائها، لقد افن العالم الفرنسي لوير عمره في خدمة منطقة سقارة، واعادة تركيب احجارها، وصيانة هرمها. ثم يجيء بعض من المصريين للعبث والتسبب في هذه الكارثة مطلوب الحقيقة بلا زيف ولا اخفاء.
مطلوب العقاب الرادع وعدم افلات المتسببين، وقبل ذلك كله الحقيقة ولماذا جري اخفاؤها حتي يوم الاحد الماضي في الخبر المقتضب الذي نشرته الأخبار؟
اقول بأسي، ان ما شهدته اثار مصر خلال السنوات الاخيرة، يفوق كل ما مرت به من مراحل تدمير وتشويه في مسار تاريخنا الطويل الملئ بالمآسي لكننا نعيش اعظمها فداحة، هذه القطع النادرة التي تتجول في العالم لعدة سنوات، وهرم سقارة الذي قد يختفي بين لحظة وأخري، نريد ان نعرف بدقة حقيقة ما يتردد الآن عن حفريات تمت وترتب عليها سحب كميات كبيرة من الرمال التي تعتبر جزءا من الاثر نفسه، ما هي الحقيقة، ومن قام بهذه الحفريات؟ وما الهدف منها؟ بدون المصارحة الشديدة والشفافية سيظل ما تبقي من اثارنا مهددا بالفساد وخواء الضمائر.
تهديد
الاثنين:
يرن جرس هاتفي المحمول. المح رقما يبدأ بالسادس، عشر، جاءني صوت قدرت انه لشاب، يقول ان رقمي فاز بجهاز »لاب توب« قيمته خمسة آلاف جنيه، وانه سيأتي وفد من الشركة لتسليمي الجهاز في العاشرة ليلا، قال انه يطلب اسمي ثلاثيا وعنوان البيت بدقة، قلت له ان عنوان البيت واسمي مثبوت في الشركة وفي نقابة الصحفيين، فكيف تستفسر عنهما، قال انه من إدارة الجوائز وانها تتعامل مع أرقام، وان المعلومات الاخري في خدمة العملاء. قلت ان الرقم الذي يتصل به لا علاقة له بالشركة التي أتعامل معها، هنا جري تغير نوعي في صوته، ارتبك قليلا، ثم بدأ وصلة من السباب الذي لم يسبق لي سماع مثله. وتضمن السباب عبارات تهديد واضحة »احنا حنقطعك حتت يا....«، »حنوريك ازاي تتطاول علي اسيادك...«.
أغلقت الهاتف، الحقيقة انها المرة الأولي التي اتعرض فيها لمثل هذا التهديد، قمت باسترجاع تفاصيل المكالمة وكان من الواضح انه يحاول الوصول إلي عنوان البيت، في الحقيقة انني لم أدر ما ينبغي فعله بالضبط، في الماضي كان يوجد جهاز شرطة متماسك، جهاز للأمن السياسي، وللأمن الجنائي. وقد تم تدميرهما في خطوات غامضة وحتي الآن لا توجد جهة متماسكة يمكن ان يلجأ إليها الإنسان عند تعرضه لاعتداء لفظي وتهديد واضح كهذا، استعدت المصادر المحتملة. لي مواقف محددة من جهات وشخصيات متنفذة، لي موقف من أحد المرشحين للرئاسة نتيجة رؤية وقناعة، وخلال الفترة الأخيرة قام هذا المرشح بالاتصال بأصدقاء لي مستهدفا الضغط اما لالتزام الصمت أو الكف، وهنا تفاصيل تحتاج إلي وقفة أطول لان ما تعرضت له خلال الأسابيع الماضية لم يحدث لي طوال نصف قرن من الكتابة وقد عرفت المعتقل والتعذيب والفصل والتجميد، لكن لم يحدث ان أي جهة بذلت جهدا مباشرا لاثنائي عن رأي أو موقف كما جري، الموقف الآخر الذي اتخذه ضد بعض الشخصيات المتنفذة في الآثار، وللآثار مافيا عالمية ومحلية أقوي من مافيا المخدرات والسلاح. اخيرا ربما ينتمي صاحب المكالمة إلي عصابة توهم الناس بالفوز وتتعرف علي عناوينهم وتهاجم في الأوقات المحددة، في كل الأحوال اعرض الأمر علي الرأي العام لتحذير الآخرين، اما ما يتعلق بموقفي من المرشح الرئاسي الذي لجأ إلي شخصيات محترمة تربطني بها علاقة فسوف اكشف عنه مفصلا فلم اعتد ذلك قط.
اشواق الروح في الغوري
الخميس:
عندما وصلت إلي قبة الغوري، المدخل الجانبي المؤدي إلي الفناء الكبير، فوجئت بالزحام، جمهور كبير، مواطنين من مستويات مختلفة، اجانب، كان الفنان انتصار عبدالفتاح المسئول عن مهرجان سماع الصوفي والذي يعقده ويقيمه منذ خمس سنوات باصرار قوي ورؤية محددة رحبة، قصر الغوري مركز للانشاد الصوفي والسماع تم تخصيصه لهذا الهدف منذ عدة سنوات. وقد عاصرت بدايته وكانت الامكانيات محدودة للغاية، الا ان انتصار عبدالفتاح يضرب لنا مثالا في قوة الارادة، والحزم مع النفس في اقامة بنيان من لا شيء، لقد بدأ بتكوين فرقة من اصحاب الاصوات الجميلة القوية، معظمهم فقراء من الريف المصري، وقد استمعت اليها كثيرا واصغيت الي اصوات قوية، مبهرة، ورأيت الفرقة مكتملة في المغرب وكان ذلك في مراكش منذ عدة سنوات، واسعدني انهم حضروا ندوة كبري لدراسة اعمالي والاحتفاء بها حضرها متخصصون من ثقافات مختلفة. في مصر تراث عريق للانشاد الصوفي ترجع جذوره إلي الحضارة الفرعونية، وقد استمر في التراث الموسيقي الغنائي للكنيسة القبطية، ثم مدرسة الانشاد الصوفي التي عرفت عباقرة مثل الشيخ علي محمود، والشيخ طه الفشني، والشيخ نصر الدين طوبار، والشيخ النقشبندي، وعشرات في الريف المصري لم يسمع بهم أحد، وقد قدمت عددا منهم في برنامج »علامات« الذي قدمته من خلال قناة النيل للأخبار.
عندما دخلت الي صحن قبة الغوري المكتظ بالجمهور، وعندما بدأ دخول الفرق المشاركة في الليلة الختامية رأيت تجسيدا لنجاح مجهود الفنان انتصار عبدالفتاح، هذا العام يستحق وصف دولي بامتياز علي المهرجان، ستة واربعون عرضا من خمس عشرة فرقة جاءت من بلدان مختلفة، وكانت المفاجأة فرقة موسيقي وانشاد كنسي من الولايات المتحدة، ومطربة من النرويج متخصصة في الموسيقي والغناء الروحي، وفرقة من اسبانيا تعزف نفس الالحان بنفس الآلات التي كانت مستخدمة في الزمن العربي، طبعا اضافة إلي فرقة اخري من الاقطار العربية والاسلامية.
ليلة الختام كانت فريدة بحق. علي المسرح فرق من مصر، اسلامية وقبطية، من الهند واندونيسيا من الجزائر والمغرب والسودان. والنرويج واسبانيا ورغم خصوصية كل منها الا ان الجهد الذي بذله انتصار عبدالفتاح في تقديم عرض متنوع متآلف يرقي الي مستوي التأليف الرفيع، اضافة إلي قيادته المتميزة وخلق اسلوب خاص به يناسب خصوصية الموسيقي، ساعتين من الموسيقي الروحية النابعة من ثقافات مختلفة ومن اماكن عديدة من الكوكب، طبعا لم يكن ممكنا ان يتم هذا بدون تعاون وثيق بين اجهزة وزارة الثقافة، خاصة ادارة العلاقات الثقافية بقيادة المستشار حسام نصار، وصندوق التنمية الثقافية بجهد مديره المهندس محمد ابو سعدة.
لكن أليس من الغريب ان تشهد مصر هذا المهرجان الكبير المليء بالدلالات علي رسالة مصر الخالدة في ظرف دقيق الي العالم وألا يحضره الاعلام بكثافة، كان المفروض ان تظهر كاميرات القنوات العامة والخاصة. لم يحضر الا البرنامج الثقافي للتليفزيون، لقد رأيت مهرجانات مماثلة في العالم للموسيقي الصوفية، في فاس، مراكش، شوفشاون، في البوسنة، وفي حلب ويمكن القول ان مهرجان قبة الغوري فاقها من حيث ضخامة العدد ودقة الاختيار، والوعي باحتياجات الانسان في هذه المرحلة، اقترح علي المهندس محمد ابو سعدة وحسام نصار ان يتم طبع فعاليات المهرجان علي اسطوانات مضغوطة مسموعة ومرئية بأسعار رمزية، ويمكن الاتفاق مع شركة عالمية لترويجها علي مستوي العالم.
بهجة من الذاكرة
الاربعاء:
في الحارة كان للعيد عدة وتأهب، لكل من العيدين بهجة مغايرة، وفي مخيلتي الاولي كنت اجسدهما كما اعتدت تجسيم المعاني، للشر وجه، وللخير ملامح مغايرة، لكل من الشهور سحنة، وكذلك الايام، اما رمضان فكان يبدو شيخا طيبا يرتدي الملابس البيضاء، يحل ضيفا لطيفا، ويرحل مودعا لدنيا الحنين والتشبه بالكبار، اما عيد الاضحي فكان يبدو لي الشقيق الاكبر سنا للعيد الاصغر، لماذا لا ادري، دائما مرجعية الكون في سنواتي الاولي للانسان، للسماء ملامح وللشمس ايضا اما القمر فهو الوجه المستدير المنبت المطل علينا من الفراغات السحيقة. لا يمكن تخيل اي معني بعيدا عن الانسان، اكتشف بعد عشرات السنين الصلة بين هذا الخيال وذلك القول المأثور عن الصوفية الكبار..
الانسان عالم صغير، والكون انسان كبير.
الحارة عالم صغير، كون متكامل، وعند اكتشاف مكوناته نعرف دخائلنا وذواتنا ايضا، لا معني لبهجة العيد بدون الحارة، بصحبة الوالد نمضي الي ضريح مولانا فجرا، اعتدنا الصلاة في الأزهر، كان عبدالناصر يصلي في مسجد مولانا، وكان الزحام يحول بيننا وبين دخوله، فنمضي الي الأزهر الفسيح، الرحب الذي كان يرقرق روحي بالسكينة، وكانت تكبيرات العيد بموسيقيتها التلقائية من مكونات اصغائي، واصول تربيتي، ذلك التكبير المهيب، وتبادل المجموعات في ارجاء المسجد، مرة من اليمين ومرة من الشمال، مرة من الوسط، ومرة من الاطراف، من اعلي، من اسفل، من كل حدب وصوب، يغني البشر ويبقي التكبير الذي يسبق الصلاة، قبس من مكونات الكون الفسيح، فللأفلاك موسيقاها ايضا.
لا يكتمل العيد الا بانتظار موكب عبدالناصر، الذي كانت له هلّة وضاءة، وحضور قوي، ثم زيارة مولانا الحسين، وسيدنا هو الركن الركين في عالمي، وقد افضت في وصف رقائقي نحوه في »كتاب التجليات« الذي استغرق من وقتي المحدود في هذا الكون ست سنوات، من الشخصيات المهيبة التي افكر فيها كثيرا عند عودتي الي الحارة الشيخ صالح الجعفري رحمه الله، ولي عودة اليه، ادركته وسمعت منه، والان ازور ضريحه واشارك في الحضرة الجميلة التي تقام قربه، وقد عشت مراحل حضوره بين القوم بعد وفاته. ذاكرتي عامرة بهؤلاء الطيبين، خاصة من اهل حارتنا.
نجتاز مرة اخري حارة الوطاويط، انها الحد الفاصل بين الجمالية المنطوية علي تاريخها والمحتضنة للبشر الساعين فيها، وبين ميدان سيدنا المنفتح علي الدنيا الفسيحة، علي المغامرة والخطر والمجهول.
علي ناصية شارع قصر الشوق دكان العسال، كان صاحبه يرتدي نظارة طبية ذات اطار مذهب، كأنه طبيب، للدكان رائحة خاصة، مزيج من حلوي الفوندام والملبن والسجائر والشيكولاتة وفي العيدين يعلق البالونات وألعابا صغيرة، احد مصادر البهجة، البهجة مصادرها عديدة، منها اجتماع الاسرة حول الافطار الاستثنائي، الثريد باللحمة يعقبه خروج الوالد لزيارة اشقائي الراحلين، واخرين من صحبه سبقوه منذ زمن بعيد، عندئذ انطلق الي الحارة، مزودا بالتحذيرات المعتادة، ألا اخرج الي الشارع، الحارة المغلقة امان، ولكن الاقتراب من المدخل المؤدي الي شارع قصر الشوق يعني الخروج الي عالم لا اعرفه، كنت اقف مرتديا ثيابي الجديدة، منطلقا الي الحركة في الطريق الذي بدا في ذلك الوقت عريضا، لا نهائيا، ويقترح احدنا ان نمضي الي حارة الوطاويط، أو ميدان بيت القاضي، ويتغلب اغراء الاكتشاف علي المحاذير لكننا لم نقترب قط من المسافرخانة، ظلت بالنسبة لنا منطقة الصمت القائم، ومربع الخطر الذي يجب ألا نغامر بولوجه، وكان لابد ان تمضي سنوات عديدة قبل عبوري بوابتها وبدء علاقتي بهذا المكان المعتق، الذي تسرب الي حواسي، فأصبحت جزءا منه، واصبح جزءا مني،نحوم حوله نتطلع الي اسواره، نتخيل ما يكمن خلفه.
لا يستمر نهار العيد انما يحل الظهر، وبعده العصر، وللعصر وطأة تستدعي مشاعر رمادية لازمتني حتي الان، فالفرح والبهجة لا يمكن معرفتهما إلا بنقيضهما، وهو انقضاء مسبباتهما وبواعثهما، ولا اذكر انني عرفت وحشة كتلك التي كانت تكتمل عندي اذ يولي نهار العيد وانا اقف وحيدا في الحارة مترقبا نزول الليل.
حكاية
الاثنين:
لا اذكر اين قرأت هذه الحكاية، احبها حتي انني ارويها مرارا، كأنما اتمني لو كنت منشئها.
يقال ان شابا سمع عن شيخ تقدم في العمر اوتي الحكمة والعلم، يعيش في جزيرة منعزلة، بعيدة، قرر الشاب ان يرحل إليه، ان يعبر الفيافي والبحار، ان يقطع المسافات، لذلك تزود بالقليل ولم يصحب معه الا كتابين، بعد سنوات من السفر وصل الي الجزيرة، قصد الشيخ المهيب، وجده جالسا في غرفة شبه خالية، بالقرب منه كتابان، ابدي الشاب دهشته، قال انه لا يري مكتبة كبيرة ولا اوراقا كثيرة، انه جاء بكتابين فقط لانه بعد سفر طويل، عندئذ تطلع اليه الشيخ هادئا. قال: »أنا أيضا علي سفر!..«.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.