كنت اظن ان هوجة فلاسفة العصر سوف تنتهي بعد شهر او اثنين او ثلاثة أو حتي اربعة.. لكن الفلاسفة الجدد ركبوا موجة الثورة. وراحوا يفتون ويقررون مصائر الشعب.. ويحددون خريطة مصر الجديدة.. وهم يجلسون القرفصاء أمام عدسات الفضائيات.. وعمت الفوضي.. وانتشرت أعمال البلطجة وتهديد أرواح المواطنين بصورة لم نكن نسمع بها. الغريب أن من يركب الموجة الآن هم الذين كانوا الاقرب للسلطة واركان الفساد أيام الرئيس السابق حسني مبارك.. لم يكونوا مقربين فقط بل كانوا يقومون بأدوار مرسومة لهم بكل دقة. والاغلبية الصامتة التي حركت الثورة تعرفهم بالاسم والشكل والرائحة! كم اتعجب من كتبة مبارك وصفوت الشريف الذين انقلبوا عليهم ويصفونهم الآن بأحط الالفاظ.. كم اتعجب من كاتب طالما امتدح مبارك ورموز العهد البائد.. وقد تحول الآن الي المدافع الاول عن الثورة.. هل هي توبة.. هل هي نفاق.. هل هي مصلحة مصر.. ان من يفعل ذلك لايستحق ان يكون له مكان في الثورة البيضاء. الفضائيات مغرية لهواة التلميع الاعلامي.. الكل يظهر لعل وعسي يراه عضو في المجلس العسكري فيعجب به ويطلب يده ليكون وزيرا او محافظا او مسئولا مهما في اي مكان. لقد نجح الشباب في اسقاط نظام فاسد.. هذه حقيقة.. وراح ضحية تحرير مصر من النظام الفاسد الآلاف بين شهيد وجريح.. وتنبهت مصر انها كانت تعيش في خديعة كبري طيلة 03 سنة. والآن بعد ان نفضت عن كاهلها هذا العبء.. آن لها ان تستريح.. آن لها ان ينعم شعبها بثروتها.. آن لشبابها ان يجد فرصة ليعمل ويسكن ويتزوج ويعيش كما البني آدم في اي بقعة من ارض الله. آن للفقير ان ترعاه الدولة واجهزتها ومجتمعها المدني .. آن للصغير ان يجد تعليما محترما ينقله الي عالم اليوم والغد.. آن للمواطن ان يحقق طموحاته وامانيه..هل تحقق شيء من هذا؟! لم يتحقق اي شيء.. المشهد الآن محزن.. واليكم بعضا مما نري يوميا.. يتحدثون عن المباديء فوق الدستورية.. خناقات بين التيارات المختلفة.. البعض يري انها لا لزوم لها طالما صدر اعلان دستوري من المجلس العسكري.. وضع خططا معينة لاجراء الانتخابات البرلمانية تليها الانتخابات الرئاسية وتشكيل لجنة او هيئة تأسيسية لاعداد الدستور الدائم لمصر.. وبالتالي فانه لا لزوم لاصدار وثيقة فوق الدستور.. لان المفترض ايضا ان الدستور لاشيء فوقه.. ولايجوز ان يحكمه شيء آخر.. البعض الاخر يري أن الوثيقة فوق الدستورية مهمة جدا لانها تعبر عن مباديء الثورة التي حررت مصر.. وأهم ملامحها ان مصر دولة مدنية ديمقراطية تقوم علي المواطنة وسيادة القانون وتحترم التعددية وتكفل الحرية والعدل المساواة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون ان تمييز او تفرقة.. وان الاسلام هو دين الدولة ومباديء الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع، وأن السيادة للشعب وحده وهو مصدر السلطات وان النظام السياسي للدولة جمهوري ديمقراطي يقوم علي التوازن بين السلطات والتداول السلمي للسلطة وتعدد الاحزاب.. وان سيادة القانون هي اساس الحكم! هذا هو الدستور.. فلماذا نقول انها مباديء فوق الدستور.. اذن هي مماحكات ومماطلات تلهي الشعب بين عدة فرق.. مع او ضد لايهمني مايهمني ان الجدل الفلسفي السوفسطائي مستمر.. والشعب يعيش واقعا أليما.. لا احد من هؤلاء الفلاسفة يشعر بمعاناته.. لم يسأل احد من هواة الفضائيات نفسه.. كيف يأكل 09٪ من الشعب المصري.. وماذا يأكل الاطفال وكيف يعيشون.. وكيف يقضي الشباب اوقاتهم.. وكلها اوقات فراغ.. اننا نرتكب جريمة في حق مصر والشعب المصري. نعيش وهما.. كما ذكرت.. لم يشعر الشعب بأية نتيجة ايجابية حتي الآن لم يتم استرداد الاموال التي تم تهريبها الي الخارج.. لم يتم استرداد الاراضي والمساحات الشاسعة من لصوص ارض مصر.. لم يتم بناء وحدة سكنية واحدة لشاب من شباب مصر المحتاجين.. لان الوزير مازال يفكر ويفكر ويخطط ويخطط حتي يأتي موعد الخروج من الوزارة. نحتاج الي فكر ورؤية تنتشلنا من القاع لنري النور.. ونري الدنيا.. ونري ماذا ستقدم لنا الحكومة.. وماذا سيقدم لنا المجلس العسكري؟! نحن في مأزق حقيقي.. انهيار اقتصادي.. ضعف في الانتاج.. انهيار اخلاقي.. بلطجية في كل مكان.. مظاهرات فئوية تحمل شكاوي تغاضت عنها الحكومة.. اختراق امني من دول خارجية.. ذمم جاهزة للبيع والشراء والاستبدال، ارتفاع معدل قضايا التخابر.. في 6 أشهر 4 قضايا وماخفي اعظم.. تمعنوا في نصوص التحقيقات لتعرفوا كيف يتم اختراق المجتمع المصري والامن المصري بجواسيس تعمل لحساب الموساد الاسرائيلي.. والمخابرات الايرانية.. وطبعا الامريكية.. كل هذا بهدف زعزعة الاستقرار والامن.. وزحزحة مصر عن مواقفها التي كانت دائما مع الحق والعدل والانصاف. لقد بات الامر جد خطير.. ولم يعد يحتمل الكلمات تلو الكلمات.. نحتاج الي العمل الجاد.. والعمل الجاد يحتاج الي بداية سليمة.. والبداية لاتكون الا علي طهارة والطهارة تقتضي تحييد الفلول.. وكل من انتمي الي الحزب الوطني الذي افسد مصر.. الآن نحن احرار.. ولايصلح لقيادة الامة سوي الاحرار.. علينا ان نبدأ دولة مدنية يعيش فيها ابناء مصر في أمن وأمان واطمئنان.. ولايحكمهم سوي احرار.. لم يتلوثوا ولم يلهثوا وراء مناصب جلبت إليهم الخزي والعار بعد ثورة يناير.. وعلي الاحرار ان يتفرغوا لبناء الامة. لقد أصبح للاعلام دور جديد يساعد في العمل والانتاج.. لم يعد الاعلام الحديث اعلام ترفيه وتسلية... انما هو اعلام يبرز الايادي العاملة ويضعها في صدر اهتماماته.. أصبح الاعلام الملهم لصاحب القرار.. والمبصر له والمعين له علي اتخاذ مايلزم لصالح البلد.. وأصبح الاعلام منبر المواطن البسيط الذي يعرض من خلاله الصورة الحقيقية للمعاناة والآلام وكذا الامال والطموحات التي يسعي اليها.. لتكون تحت نظر وبصر صاحب القرار.. فتكون قراراته صائبة.. لم تعد القرارات تصدر عن تقارير سرية يكتبها المخبرون علي المقاهي. انذار! لاحظت في اجتماع مجلس الوزراء الاخير علو نبرة ضرورة زيادة اسعار بعض المنتجات والسلع خاصة البترولية والتموينية.. وهذا المنهج يعيدنا للوراء.. وتعود الينا حكومة الجباية.. والضغط علي الناس.. وهذا اسهل طريق في الاصلاح الاقتصادي.. لكنني متأكد ان الشعب لن يرضي بزيادة الاسعار... ولن يقف مكتوف الايدي امام قرارات باطلة لحكومة تسيير الاعمال.. نتائجها ستكون اكثر ألما علي الفقير من الامة.. وقد اعذر من أنذر!