»الطريق إلي جهنم محفوف بالنوايا الطيبة أو الحسنة!!« رحم الله زمانا.. انتشر فيه الجهل.. وغطي كل شئ! وكنا بطبيعة الحال لا نريد لأمتنا ذلك الجهل.. ولكنه حدث بحسن نية.. وقديما قالوا: ان الطريق إلي جهنم محفوف بالنوايا الطيبة أو الحسنة!.. وهكذا كنا نحن في ذلك العصر الذي أخذنا فيه الحماس في تأييد الثورات والثوار.. والأحرار في كل مكان إلي بعيد.. حتي أخذ منا الحماس عقولنا.. ولم نعد قادرين علي التفكير أو التأمل! فالانقلاب العسكري الذي حدث في مصر.. وأيده الشعب عام 2591.. جعلنا نسرف في تأييد كل ما نسمع عن الثوار والأحرار في كل مكان.. في الجزائر. في العراق، في السودان، في أمريكا اللاتينية، وأفريقيا. ولا بأس من تأييد جيفارا الثائر في كوبا وفي أمريكا الجنوبية.. ونؤيد كاسترو الشيوعي في كوبا.. مثلما أيدنا عبدالسلام عارف وعبدالكريم قاسم في العراق.. وأيدنا أحمد بن بيللا في الجزائر، وأيدنا نيكروما في غانا.. وزوجناه من السيدة فتحية رزق المصرية رحمهما الله، وفرحنا بمصاهرة الثوار! وامتد هذا التأييد ليشمل قطاع الطرق والخارجين علي القانون!.. ما دام ادعي هؤلاء انهم أحرار.. وثوار.. والحماس يجرفنا بعيدا عن التحقيق والتدقيق في أي شئ! حتي صار التأييد لكل ثورة أو ثائر نكتة.. نرددها فيما بيننا هنا في بر مصر المحروسة!.. وأذكر ان إحدي دور العرض السينمائي في القاهرة.. عرضت فيلما باسم »ثورة علي السفينة بونتي«.. وكانت الاعلانات تغطي بعض الأماكن في الشوارع، وبعض المساحات الاعلانية في الصحف عن هذا الفيلم. وفجأة تداول الناس فيما بينهم هذه النكتة.. وكانوا يقولونها سرا.. وفي جدية شديدة.. حتي تأخذ النكتة طعمها.. وحلاوتها!.. كان الناس يقولون فيما بينهم أن الرئيس جمال عبدالناصر طلب من الدكتور عبدالقادر حاتم وزير الارشاد القومي والمتحدث الرسمي ان يعلن تأييد مصر المطلق للثورة علي السفينة بونتي!.. وجاء في بيان التأييد ان مصر الثورة تضع كل امكانياتها في خدمة الثوار والاحرار في جميع انحاء العالم، ومصر كانت تدرك ماوصلت فيه الأوضاع علي السفينة بونتي من فساد مما جعل الثوار فيها.. والأحرار فيها يقومون بثورتهم المباركة لطرد تلك الطغمة الفاسدة التي حكمت السفينة بونتي!.. ثم اذاع الراديو نشيد ثوار.. ثوار.. إلي آخر مدي ثوار.. ثوار!! وفي ظل هذا الجو المشحون بمثل هذا الكلام كنا نعيش، وتحت تأثير هذا »الهجص الثوري« كنا نفكر بلا عقل!.. ووقعنا في الاخطاء القاتلة.. ولا ندري.. وكيف ندري.. وقد اسلمنا عقولنا لكلمات مثل الثورة.. والثورية.. والأحرار.. والحرية.. وخلاص!.. و اذكر انني في ظل هذا الجو سافرت إلي الأردن بدعوة من الملك حسين.. كان قد وجهها لي اثناء انعقاد مؤتمر القمة العربي في الخامس من سبتمبر عام 4691 بفندق فلسطين. وطلب من وزير اعلامه صلاح أبوزيد ترتيب هذه الزيارة بما يتناسب مع الوقت الملائم للضيف الكريم.. والضيف الكريم هذا هو حضرتي!.. لأن الدعوة وجهها الملك حسين في وجودي.. ووجود الوزير ذاته! الملك حسين مشهور بأدبه.. وجمال لغة الخطاب عنده.. وسبب الدعوة هو انني طلبت مقابلة مع الملك.. وتحدد لي وقت المقابلة.. وإذا بأحد اعضاء الوفد الأردني يبلغني بأن جلالة الملك ألغي المقابلة.. لأنه سيعقد مؤتمرا صحفيا في نفس وقت المقابلة.. وأنا مدعو للحضور! وعندما جاء الملك إلي حيث الصحفيين بفندق فلسطين.. لمحني.. وقال لي بعد المؤتمر: أنا عند وعدي لك بلقاء.. بس في بلدك عمان.. تزور هناك كل شقفة أرض أردننا الحبيب! ولبيت الدعوة وذهبت.. والتقيت هناك بكل السياسيين وحضرت جميع حفلات التكريم التي أقامها لي وزير الاعلام، ورابطة الصحفيين والأدباء والكتاب والمفكرين والشعراء. ومن ضمن من التقيت بهم هناك المرحوم سليمان النابلسي »أبوفارس« الذي كان رئيسا للوزراء.. وأصبح في المعارضة، زرته في بيته بدعوة منه في حضور الأستاذ حكمت المصري أحد أقطاب الضفة الغربية، وحضر اللقاء صديقي القديم الدكتور قدري طوقان صاحب كلية النجاح الوطنية في نابلس.. وعضو مجمع اللغة العربية في القاهرة.. وكان وزيرا للخارجية في ذات الوقت.. وكان من أهل العلم.. وصاحب الكتب والمؤلفات المعروفة باسم »تاريخ العلم عند العرب«! وهو عم الشاعرة المعروفة فدوي طوقان! وفي ذمة التاريخ يا اتهامات!! الأحد: رسالة إلي ساويرس!! بالرغم من مرور ما يزيد علي ثلاثة شهور من تركيب محطة تقوية محمول علي الدور السابع بعمارتنا ش حدائق الأهرام أول طريق مصر إسكندرية الصحراوي، وذلك بالمخالفة للقانون إذ قامت الشركة بتركيبه علي دور صدر له قرار بالإزالة.. إلا ان المحطة مازالت قائمة هناك تتحدي بكل جبروت وقوة القانون، وبرغم الانذارات التي وجهها للشركة اللواء أشرف شاش رئيس حي الهرم وهو الرجل الشجاع والقوي والذي لم يرضخ لأي تهديد وأشرف بنفسه هو ومساعديه حلمي لاشين ومحمود عبدالحميد وسيد راشد علي تنفيذ القانون بكل قوة بعد اصدار قرار الإزالة من الأستاذ الجامعي المحترم د. علي عبدالرحمن الذي تجددت الثقة به كمحافظ للجيزة مرة أخري.. ومن هنا اتساءل ويتساءل معي الجيران الذين بذلوا كل الجهود في سبيل انقاذ أولادهم من أمراض السرطان التي أثبتت الأبحاث العلمية انها تتسبب من جراء الاشعاعات الصادرة عن المحطة.. والكل يتساءل: هل سلطة شركات ساويرس تتحدي القانون؟ أم أنها دولة داخل الدولة؟ سؤال نريد الاجابة عليه بصراحة ووضوح؟