إذا كانت "لو" تفتح عمل الشيطان فإنها أيضا يمكن أن تلفت النظر إلى ما قد يغيب عن الكثيرين و خاصة في ظل حالة الصخب التي تسيطر على المشهد في مصر حيث تتوه وتلوى الحقائق عن غير قصد في قليل من الأحيان وعن قصد وبفعل فاعل في كثير من الأحيان.ومن بين الحقائق التي يتعمد تغييبها حقيقة المسئول عن تعطيل عجلة الإنتاج. إن ما حدث في مصر بعد الثورة العظيمة ليس غريبا ولا استثنائيا فالثورات عادة ما يصاحبها بعض التبعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مثل تزايد مخاوف المستثمرين واتساع رقعة الاختلاف السياسي وتكشف حالات فساد وظهور الكثير من المظالم والمطالب الاقتصادية والاجتماعية على السطح. حدث هذا في مصر وتونس ودول أوربا الشرقية. وعلى هذا فان ما حدث لم يكن شاذا بل كان متوقعا أو كان يجب أن يكون متوقعا وخاصة في ظل العدد القياسي للاحتجاجات والاعتصامات التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة. وفى ضوء ما سبق فان الاستعانة ب"لو" قد تساعدنا في التوصل لحقيقة المسئول عن تعطيل عجلة الإنتاج. ماذا لو أدركت الإدارة السياسية حقيقة أن عجلة الإنتاج لا يمكن أن تدور في ظل غياب الأمن والانضباط؟ وكيف لنا أن نتوقع عودة السياحة إلى حالتها الطبيعية و أهل البلد أنفسهم يفتقدون ألأمان؟ ماذا لو قام وزير الداخلية بإعادة هيكلة حقيقية للأجهزة الأمنية واستبعد العناصر الفاسدة ومنح الفرصة للعناصر الشريفة ذات الكفاءة؟ وماذا لو استمع إلى سيل الاقتراحات والأفكار التي لو اخذ ببعضها لعاد الانضباط والأمن خلال أسابيع معدودة؟ (ملحوظة: يرفض الوزير الحالي استخدام لفظة "تطهير وزارة الداخلية" التي كانت مسئولة عن تزوير الانتخابات وامتهان كرامة الإنسان المصري قبل الثورة وقتله أثناء الثورة وإشاعة الفوضى والذعر وكأن وزارة الداخلية قطعة من الجنة كل من بها من الصالحين والملائكة) ماذا لو قام كل وزير بتطهير -عفوا وزير الداخلية- وزارته من العناصر الفاسدة والمفسدة وهى معروفة وقام بتكوين فريق عمل "حقيقي" من العناصر المشهود لها بالكفاءة والنزاهة تكون مهمته دراسة أوضاع الوزارة وهيئاتها وقطاعاتها والاستماع إلى شكاوى ومظالم واقتراحات العاملين بها والتعرف على تصوراتهم لتطويرها وتلبية ما يمكن من مطالبهم؟ ماذا لو كان قد طلع علينا رئيس الوزراء من وقت لآخر موضحا حقيقة الأمور و رؤيته وخطط التعامل معها؟ ماذا لو كان قد تم تكريم شهداء الثورة التكريم المعنوي والمادي اللائق وتم رعاية مصابيها وهم من سيظل الشعب المصري مدين لهم لعقود قادمة؟ ماذا لو كان قد تم التعامل بجدية مع قضايا قتل الثوار و استرداد ثروات الشعب ومحاكمة العصابة التي سرقت ثلاثة عقود من عمر الشعب المصري؟ ماذا لو تم استثمار تلك الروح العظيمة لدى الشباب في أعقاب الثورة والذين قاموا بتنظيف الشوارع بدلا من إنهاكهم في الاعتصامات والمطالبات بحقوق لا خلاف عليها بين الجميع؟ ماذا لو تم كل ما سبق وغيره وهو ليس بالأمر المستحيل ولا يتطلب موارد مالية وان كان يتطلب حد أدنى من الحس السياسي و الإرادة وإدراك دقة المرحلة التي تمر بها البلاد. هل كنا سنشهد كل هذه المظاهرات والاعتصامات والحالة الضبابية التي نعيشها والإحباط الذي بات يسيطر على الغالبية؟ أشك كثيرا. إن المسئول الرئيسي عن تعطيل عجلة الإنتاج هو الفشل الغير مسبوق للإدارة السياسية وسواء كان ذلك عن حسن نية أو غير ذلك فان التاريخ لن يرحم من سرق فرحة ملايين المصريين بثورة من أعظم الثورات فالطريق إلى جهنم محفوف بحسن النوايا.