فولكهارد فيندفور عميد المراسلين الصحفيين بالقاهرة، ومدير مكتب مجلة دير شبيجل الالمانية أشهر المجلات الاوربية في المانيا وأوربا والمنطقة العربية، يعيش بيننا في مصر منذ عام 1955م، عندما أجبرته ظروف الحرب العالمية الثانية هو ووالدته الي النزوح الي مصر، بعد مقتل والده في احدي الغارات الجوية علي المانيا، حصل علي الثانوية العامة الألمانية من القاهرة، ودرس اللغة العربية وآدابها في جامعة القاهرة، ثم درس اللغات الشرقية في جامعة عين شمس. بدأ عمله في الاعلام في اذاعة الجمهورية العربية المتحدة عام 1958م، ثم انتقل الي بيروت عام 1967م، وبعد ثلاث سنوات عاد الي المانيا مشرفا علي البرنامج العربي لاذاعة صوت المانيا في كولونيا، وعندما افتتحت مجلة دير اشبيجل مكتبا لها في بيروت عام 1971م، اختير ليكون مراسلا للمجلة بمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، واستمر هناك حتي الحرب الاهلية اللبنانية، وبعد اختطافه والافراج عنه انتقل مكتب المجلة الي القاهرة عام 1976م، بموافقة شخصية من الرئيس الراحل انور السادات، حيث سبق أن التقاه في جزيرة الفرسان بالاسماعيلية في اعقاب اعادة افتتاح قناة السويس عام 1975م. ولانه مديرا اقليميا لواحدة من أكبر وأشهر المجلات العالمية في المنطقة، فقد التقي بقادة المنطقة عن قرب، وأجري العديد من الحوارات الصحفية معهم، وارتبط بعلاقات ودية وحميمية معهم، فقد سافر مع الرئيس أنور السادات الي القدس، والتقي عدة مرات بالرئيس السابق مبارك، وعاد مع الامام الخوميني من فرنسا الي طهران بطائرة الامام، وشهد لحظة الاطاحة بالرئيس السوداني الراحل جعفر النميري بعد ثورة الشعب السوداني ضده في مطار الخرطوم، ورفض عودته الي الخرطوم، وأحداث أخري كثيرة شارك فيها هذا الصحفي المخضرم، ولهذا كان لنا معه هذا الحوار: الاخبار: رافقت الرئيس الراحل انور السادات في رحلته التاريخية الي القدس وزيارته للكنيست الاسرائيلي، وأجريت معه أكثر من لقاء حدثنا عن انطباعاتك عن هذه الحوارات؟ فولكهارد فيندفور: الرئيس السادات كان منفتحا جدا مع الصحفيين، يرد علي كل سؤال، ويتسم بروح فكاهية جميلة، ولديه موهبة صحفية، فلقد دار حوار شخصي معه بعد انتهاء الحديث الذي أجريته معه بجزيرة الفرسان في الاسماعيلية حول عالم الصحافة، وعندما قام بمبادرته الشهيرة بزيارة القدس وجه د.مرسي سعد الدين بدعوتي لمرافقته ضمن الوفد الصحفي المرافق له الي القدس، كانت بحق رحلة تاريخية، تحول حقيقي في تاريخ المنطقة، كما أجريت آخر حديث معه قبل اغتياله بأربعة أيام، حيث تطرقت معه في هذا الحوار، الي ان هناك محاولة تدبر لاغتيالك في المنصورة ورغم ذلك قمت بزيارتها ولم تعبأ بالتهديدات، فقال لي: دول أولادي والاولاد لايقتلون والدهم. أول حديث مع مبارك الأخبار: متي أجريت أول حوار مع الرئيس السابق وكيف كان؟ أجريت أول حوار مع الرئيس السابق عام 1982م، بعد ثلاثة أشهر من توليه مهمته كرئيس لمصر، والحقيقة كان جاهزا للاجابة لدرجة أنني اندهشت من سرعة اجابته علي نحو 60 سؤالا، بين اسئلة معقدة وحساسة، ثم تعددت اللقاءات بيننا في عدة مناسبات. الاخبار: متي لمست التغيير في تعاملاته معك؟ وهل تغيرت ؟ عام 2002م بدات اشعر بحالة قلق وتوتر وتشديد في الحلقات المحيطة بالرئيس، ولمست ذلك في الجهاز الرئاسي كله، الكل تغير ولم يصبح الجو لطيفا كما عاهدته، بخلاف البساطة والهدوء اللي كان موجود. وأضاف فولكهارد فيندفور: ومع عام 2004م، لمست التغيير في الرئيس نفسه ، بدأ يتحسس كلماته أكثر، يأخذ وقتا للاجابة، وفي عام 2005م بدأ الوجوم وحلت الهموم، وتغييرا غير عادية، وآخر لقاء لي معه كان عام 2005م في مقر الرئاسة بالاتحادية، وحينها اتسم الحوار معي بالغموض الشديد، والتهرب من الاجابات بخلاف السنوات الاولي، وفي بعض الاسئلة كان يقول لي اقفل الجهاز ده.. الكلام لك أنت. الأخبار: هل هذا يعني أن حوارات مجلة دير اشبيجل الالمانية توقفت مع الرئيس السابق مع هذا التاريخ؟. طلبت عدة مرات المقابلة وكانوا يطلبون كتابة الاسئلة مسبقا، ولكن هذا الأمر يتناقض مع سياسة المجلة، كنت أقول لهم ليست اسئلة ولكنها موضوعات للمناقشة، لكنهم لم يردوا علي، لا بالاجابة ولا باللقاء. الاخبار: بحسك الصحفي هل توقعت حدوث شيئ في مصر خلال السنوات الاخيرة؟ كنت أشعر بحالة عدم رضا تسود المجتمع من المثقفين وغيرهم. الشعب المصري لا يميل الي العدوان الاخبار: هل توقعت اوتخيلت ان تشهد مصر شعبية سلمية بالشكل الذي حدث؟ لم اتخيل في يوم من الأيام ان تقوم في مصر ثورة بهذا الشكل الراقي، فالشعب المصري صبور ومسالم، فعلي مدي نصف قرن وأنا اعيش في مصر وجبت قراها شمالا وجنوبا، تعرفت عن قرب علي الشعب المصري، شعب لا يميل الي العدوان ويحظي بحب الشعوب؟ مستقبل مصر الأخبار: كمحلل ومتابع لتطورات الموقف كيف تري المستقبل في مصر؟ الوضع الحالي مرحلة انتقالية، والجيش وضع نفسه في وضع المسئول عن ادارة شئون مصر، انني ألحظ حالة قبول شعبي لدور الجيش، والجيش وعد برغبته في تسليم البلاد الي سلطة مدنية منتخبة، الأمر يتطلب وقتا وصبرا وتفهما من الشعب وتعاون مع الحكومة والجيش لعبور هذه المرحلة، ليس من السهل ادارة دولة لمدة ثلاثين عاما بشكل معين ومن خلال حزب واحد يتحكم في كافة امور الحياة، ثم تطلب تغييرا سريعا وجوهريا، وأعتقد أن بداية خطوات البناء الاساسية والتي تؤدي الي بلورة حياة ديمقراطية سليمة وحقيقية، سوف تفرضها نتيجة الانتخابات التشريعية وتشكيل حكومة منتخبة ديمقراطيا، ورئيس للبلاد، في هذه الحالة يضع الشعب اولي خطوات البناء السليم. الاخبار: ماذا تقول للمصريين؟ أقول لهم اتفقوا علي الاولويات، ولا تفكروا في المناصب، ولا تستغلوا الفرص الديموقراطية كوسيلة لتحقيق مصالح شخصية بقدر الامكان وضعوا مصر في المقدمة كي تعبر السفينه عباب البحر في امان. الأخبار: رافقت الامام الخوميني في طائرته من منفاه في باريس الي طهران وشاهدت الثورة الشعبية الايرانية، كيف تقارن بين الثورتين؟ الفرق شاسع بين الثورتين الايرانية والمصرية، الثورة المصرية ثورة شعبية بيضاء شاركت فيها معظم فئات الشعب، تفهم الجيش مطالب الجماهير وتجاوب معها، وأنا نزلت كثيرا ورأيت كيف الاصرار وكيف أن هناك شبابا وفتيات خرجوا من منازلهم بدون علم اسرهم، في اصرار غريب وعنيد، أما الثورة الايرانية فكانت دموية داميه حدثت مجازر، الجيش والسفاك من ناحيه ورجال الخوميني من ناحية اخري، عشت 18 يوما حالكة، لاتوجد نسبة بين الثورتين، الثورة المصرية كانت بسواعد شباب بلا عنف، وانتمائهم الاول والاخير للبلد. الأخبار: هناك تخوف في دول الخليج من التغلل الايراني في مصر، وأن المد الشيعي قد يصل مصر، بصفتك تجولت في منطفة الشرق الاوسط رؤيتك لهذه المخاوف؟ هذا صحيح التخوف الخليجي من المد أو التواجد الايراني، ولكنني أري أن ذلك صعب بل مستحيل في مصر.. الأزهر صمام الأمان، والمصريين علي مدي العصور لم يستطع أي احتلال أن يغيرثقافتهم أو دينهم أو عاداتهم أو تقاليدهم بل هم الذين أثروا فيهم، ليس ذلك في عهد الاحتلال الانجليزي او الفرنسي فقط، بل نجد أن نابليون لم يستطع تغيير شيئ في حياة المصريين، ومن عهد الاغريق، والمصري المسلم متمسك بمصريته واسلامه، والقبطي متمسك بمصريتة وديانته القبطيه، وكلاهما يعيشان في وئام وسلام. ألمح صورة لك مع احد قيادات الاخوان المسلمون .. كيف تري نشاط ودور الجماعة؟ لي مع بعضهم اتصالات وعلاقات من فترة وزرتهم في مقارهم، ورؤيتي انهم قوة مؤثرة في الشارع المصري، وكل واحد من حقه ان يعبر عن نفسه، وهذه هي الديموقراطية كما أن للاقباط الحق في التحدث والمشاركة السياسية، والان الساحة مفتوحة لجميع الاحزاب والتيارات، المهم أن يقر كل الاطراف بحق الجميع في الحوار والرأي والرأي الاخر في التعبير في حدود المبادئ الاساسية التي يحددها الدستور ويرتضيها الشعب، ومن يريد التفرقة علي أساس ديني لا يخدم البلد، بل يهدد الوحدة الوطنية التي لم تكن في خطر في يوم من الايام، أعيش في مصر منذ عام 1958م، والشعب المصري منصهر في مصريته والمسلم يحافظ ويحترم المسيحي، والمسيحي صديق للمسلم في العمل والجيرة هناك تتداخل غريب وعجيب للشعب المصري، فلم أشهد وجود مناطق للمسيحيين فقط أو المسلمين فقط، فالعمارة الواحد تجد فيها المسلم والمسيحي..الانسان المصري له جوهره الاصيل، الاوربيون الذين عاشوا في مصر فترة طويله يحلمون بالعودة اليها والعيش فيها، المصري بتاريخه لا توجد له أي مشكلة من الاجنبي، بعض ملوك مصر كانوا من أصل يوناني وتمصروا وانصهروا في البوتقة المصرية. الوضع العربي الراهن الاخبار: انت صحفي متجول في المنطقة وخبرتك طويله .. كيف تري الوضع العربي الراهن؟ الدول التي تحكمها نخب قليلة العدد نسبيا لاتوجد مشاكل حاليا داخلية، طالما تمكنوا من ارضاء الرعايا ماليا، ولكن هذا وضع مؤقت، أتوقع ان تثور الشعوب مستقبلا، وقد تحذوا حذو جيرانها أو دول اخري، فالاتصالات جعلت العالم قرية صغيرة، ولا يمكن أن نتصور أن الانظمة غير الديموقراطية ستبقي بدون تأثير في خضم ما يجري حولها، وفي ظل نظام اتصالي خيالي . الاخبار: الشعب الالماني كيف ينظر لمصر الآن؟ الشعب الالماني معجب ومبهور بالحضارة المصرية القديمة، نفس الأمر مبهور بثورة مصر السلمية، والالمان يتطلعون الي سرعة عودة الامن والاستقرار لمصر، هناك علاقات عشق ألماني لمصر من مئات السنين وليس اليوم، فلا توجد جامعة المانية الا وفيها قسم لدراسة التاريخ المصري، هناك كتب لمؤلفين المان عن مصر طبعت عشرات الطبعات، ولا توجد مدينة صغيرة الا وتجد بها معرض فرعوني أو لمنتجات مصرية فرعونية، والالمان يتابعون ويترقبون عن كثب كل ما يجري في مصر، واستطيع أن أقول لك أنه يندر أن يكون هناك علاقات جيدة مثلما هي بين الشعبين الالماني والمصري.