كان حديثي في المقال السابق عن 32 يوليو، و52 يناير، وحتمية التوافق بين الثورة وثوارها، وبين الثورة وحماتها من الجيش أيا كان اختلاف الظرف واختلاف موقع كل طرف تاريخا وتجربة، وكنت أنوي أن استكمل لكني توقفت.. حين رأيت أمامي الشيطان بقرنيه وذيله الخيالي المعروف يتلوي مع رقصه وغنائه. كان يرقص ويغني في نشوة انتصار.. لأن قطعانه من البلطجية وحلفائه من أركان النظام بالداخل، وأركان النظام العالمي الحاكم يحققون في مصر انتصارات بلغت ذروتها في الأيام الأخيرة، وأنهم علي الطريق الصحيح.. وأننا ابناء المحروسة قد ضللنا الطريق بعدما أمسكنا ببدايته في لحظة معجزة يرونها ولت ولن تتكرر!.. وإلا فمن يفسر لنا المشهد العبثي الذي نعيشه الآن؟! فُرقة وتمزّق وتفتيت وشقاق يتسع الرفق معه من كل جانب بين أصحاب المصلحة الواحدة، أصوات ووجوه ناشزة لا تتفق مع منطق أي عاقل أو جوهر أي دين، شكوك وتشكيك يكاد يطال الجميع.. تخوين واتهامات متبادلة دون بيّنة وفي ضباب، وأواصر تقطع وما لها أن تقطع وإلا كانت سيولة النزيف المميت، لا مجرد سيولة في واقع يتشكل ويحتمل الجدل والاختلاف بما يقرب ويفيد، وليس ما يفرق ويقطع الخيوط.. وتقع العين وسط ذلك كله علي لقطات متناقضة لا يملك أحد معها ان يعرض من يحرص علي هذا - هذا المشهد بما ذكرنا وغيره أخطر ما فيه أنه يمكن أن يصل بالشعب الذي التأمت جموعه علي قلب رجل واحد في بداية الثورة إلي ان يشارف الآن علي اليأس من تلك الثورة أو الشك في جدواها.. وهو ما أصر علي رفض القبول به مهما كانت التداعيات وما تعتقده الثورة المضادة الظاهر منها والخفي.. ومهما امتد أجل تلك المرحلة.. واكتفي بطرح أسئلة تفيد الآن وأترك الاجابة عليها للقارئ ومن يهمه الأمر. الحق بيّن: مهما تخفي الباطل أو تزين بدهاء.. والحق البيّن فيما نحن فيه واضح لمن يبتغيه!.. وهو المصلحة العليا للجماعة الوطنية.. الأمة.. وهذا المبدأ فوق كل اعتبار.. وهو المحك الحقيقي الذي يكشف حقيقة الوجوه حتي لو طالت قليلا أو كثيرا مزاعم الباطل، وعلي سبيل المثال فإن الفتنة الكبري في عهد عليّ كرم الله وجهه انما اشعلها من رفعوا راية للحق زائفة.. من رفعوا قميص عثمان رضي الله عنه الذي تلطخ بدمه.. مثلما رفعوا المصاحف الشريف علي أسنة الرماح خداعا لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه ثم كان ما كان من أمر الأمة بعد عصر الخلفاء الراشدين، لكن هناك بالمقابل مثال أخر حُسم فيه أمر المصلحة العليا للأمة وألا شئ يعلوها وحوصرت بالتالي فتنة كانت تستهدف الأمة والدعوة وتحريما كان يخفي مكائد تدُبر. ذلك أن الرسول »ص« حين حل بالمدينة وأصحابه ظل عزم سادة قريش علي أشده من أجل استهدافه ومن معه بالمدينة.. فوضع خطة للتحالف وعدم الاعتداء مع من حوله في المدينة وخطة لإرسال سرايا استكشاف للطريق نحو المدينة وحولها في مواجهة تربص قريش.. وكانت احدي السرايا في رجب من العام الأول الهجري وقد أرسل الرسول »ص« علي رأسها عبدالله بن جحش الأسدي ومعه أثنا عشر رجلا من المهاجرين ومضي حتي نزل مكان يدعي »نخلة« بين مكة والطائف وفق تعليمات مكتوبة من الرسول »ص« ومرت قافلة لقريش تحمل تجارة وفيها عمرو بن الحضرمي وعثمان ونوفل ابنا عبدالله بن المغيرة والحكم ابن كيسان مولي بني المنيرة فتشاور عبدالله مع المسلمين وقالوا: نحن في آخر يوم من رجب »الشهر الحرام« فإن قاتلناهم انتهكنا الشهر الحرام، وان تركناهم الليلة دخلوا الحرم، ثم اجتمعوا علي اللقاء بهم، فرمي أحدهم عمرو بن الحضرمي فقتله، وأسروا عثمان والحكم وأفلت نوفل، ثم عادوا بالعير »القافلة« والأسيرين.. وانكر الرسول »ص« ما فعلوه وقال ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام.. وتوقف عن التصرف في العير والأسيرين. ووجد المشركون فيما حدث فرصة لاتهام المسلمين بأنهم أحلوا ما حرم الله وكادوا بمساعدة يهود المدينة أن ينجحوا في خلق فتنة بين مسلمي المدينة من مهاجرين وانصار، تصل إلي التشكيك في الدعوة.. وهنا نزل حكم الله بقوله تعالي »يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصّد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل« هنا يرد قوله تعالي الفتنة عن المسلمين ويرتفع بالمصلحة العليا للأمة فوق أي استثناء حتي لو كان أن يحل المسلمين بعض ما حرم.. ويؤكد سبحانه ان ما اقترفه المشركون في حق المسلمين والدعوة والمسجد الحرام هي أكبر عند الله.. »والفتنة أكبر من القتل«!.. وبالتالي وباختصار يؤكد الله القاعدة: المصلحة العليا للأمة فوق كل اعتبار.. ولا يتفقد دونها أي استثناء عند الضرورة، والأخذ بذلك هو المحك الحقيقي لكشف المواقف فمحاولة تغليب مصالح خاصة أو أهواء أو مصالح في ثناياها ضرر بمصالح الأمة، تحت أي دعاوي مهما كانت شكليا صحيحة بالمنطق أو بالشرع أمر مرفوض حين يتضح فسادها بالقياس علي المصلحة العليا للأمة أو الوطن.. وتلك ليست بخافية لمن يبتغيها بصدق مثلما قلنا ان الحق بيّن وساطع لمن يبتغيه.. لا لمن يسعي للالتفاف عليه. هنا أسأل علي سبيل المثال: 1 التفاف كل القوي في بداية الثورة حول أهداف واضحة لم يكن عليها خلاف مما منح الشعب قوة وثقة في البداية.. ثم تحول ذلك إلي حالة من التنافس السياسي الذي يساعد الثورة المضادة من ناحية، ويحول المشهد إلي حسابات خاصة بكل فصيل.. ضيقة ونفعية في أغلب الأحيان.. تقود إلي الاستقطابات التي نراها الآن.. ألا يعتبر ذلك إغفالا للمصلحة العليا للأمة وإضرارا بمسار الثورة. 2 وعلي سبيل المثال عندما يقاتل فصيل سياسي أو أكثر من أجل تثبيت مبدأ الانتخابات أولا ويختلف بغضب مع المجلس العسكري عندما يؤجل الانتخابات شهرين لظروف الأمن ناهيك عن تغافل عينيه لمبدأ ان الدستور هو الاساس لكل المؤسسات، هل هذا الاصرار من ناحية والتغافل من ناحية ثقة في ضمانهم الأكيد لنتائج الانتخابات لصالحهم وضمان التحكم في وضع الدستور بعدها وكذلك انتخاب الرئيس.. هل هذا يتفق والمصلحة العليا للوطن والواضحة لمن يبتغيها.. لا لمن تحكمه حساباته وحسب؟! 3 عندما يتحول الكيان الشبابي الذي فجر الثورة وبهر العالم.. من ائتلاف قوي موحد منحه الشعب والقوي السياسية كل الثقة في البداية - عندما يتحولّ إلي تشرذم غريب.. يصل إلي عشرات الائتلافات.. رغم ان أهداف الثورة واحدة في جوهرها ولم تتغير!! هل يتفق ذلك وإيمانهم بالثورة وحرصهم علي قوتها في وجه اعدائها.. وحرصهم علي عدم فقدان ثقة الجماهير.. هل يتفق ذلك والمصلحة العليا للأمة.. وطريقها واضح لمن يبتغيها؟ وعندهم البداية وهي الدليل! 4 عندما يقف أحد شيوخ السلفيين في ميدان مهاجما كل من في ميدان التحرير دون استثناء، وتتعالي الهتافات حوله لا علمانية ولا مدنية دون توضيح منه لفهم أو تفسير لذلك.. ثم يكتمل المشهد بدعوة الشيخ للشباب لن امامه وحوله بالزحف إلي التحرير يوم الجمعة لتحريره! علي نحو فيه تحريض لما يشبه الحرب الأهلية. هل هو بذلك يبتغي المصلحة العليا للأمة حقا؟؟ هل لديه ضمير رجل مسلم؟ 5 هل من المصلحة العليا للأمة ومستقبل الثورة ان يطلق هذا المسئول أو ذاك اتهامات بالعمالة دون بيّنة أكيدة، وأن تنهمر الاتهامات المتبادلة.. ونحن نقف جميعا علي سطح ملتهب رجراج؟؟ هل.. وهل.. وهل؟ الاسئلة كثيرة وكلها تردنا إلي المربع الأول للثورة »الاسراع بالتوحد ثانية - دون مصادرة علي حق الاختلاف الذي يبني الديمقراطية« التوحد سريعا هذا رهاني علي فطرة الشعب المصري.. هو يلتئم ويحتضن ذاته حين يطبق الخطر ونحن في عين الخطر.. وسنري الشيطان يبكي في نهاية الطريق.. وإلي لقاء بعد شهر رمضان الكريم إن شاء الله. هوامش مازلت أجد صعوبة في أن انطقها.. ولكن لا مفر من أن أقولها.. وداعا للفتي العامر بالحب والبهجة.. وكنت أظنها ستهزم المرض.. وداعا للصديق عماد عبدالرحمن. دينا عبدالرحمن: من الطبيعي ان تكون ابنة المناضل الدمياطي الصلب صديقي عبدالرحمن أبوطايل.. للاعلام المصري أن يزهو بها. نصيحة ثلاثية ألقاها عليّ مواطن بسيط: »محاكمة مبارك بحق« »جمع كل البلطجية المسجلين كما فعل ممدوح سالم قبل انطلاق حرب 37« »تفعيل قانون الغدر مطورا«.. ويضيف لو أنها تمت جميعا منذ البداية لتغير المشهد الآن تماما.. أؤيده. قرار تفريغ دوائر قضائية.. ملزم ولم نره حتي الآن. تطهير أو تطهّر القضاء من أسماء لها أدوار معروفة ومثبته تأخر.. رغم وجود معالي المستشار الغرياني الآن.. وبكل صلابته في الحق.