ياخسارة وألف خسارة بعد هذا المنعطف الخطير الذي دخلت فيه ثورة 52 يناير التي بهرت الدنيا وسجلت انتصارها في التاريخ الإنساني باعتبارها ثورة بيضاء استهدفت صالح شعب وأمة تتطلع إلي الاصلاح والتغيير ومحاربة الفساد وارساء حياة حرة ديمقراطية سليمة.. لقد اعتبرها العالم مثالا يحتذي ليقظة شعب تمتد جذوره إلي أعماق التاريخ. نعم لقد كان متوقعا ان تمضي هذه الثورة بعيدا عن مظاهر الفوضي التي كان مقدرا لها أسابيع قليلة تستقر بعدها في تحقيق أهدافها في الاصلاح والتغيير والذي توج بإسقاط نظام حاكم بأكمله. كان لابد ان يضع القائمون عليها في اعتبارهم انتصار القوات المسلحة لها ووقوفها إلي جانب إرادة الشعب وانه لولا مساندتها وتقديم الحماية لهذه الثورة والتصدي لمحاولات اجهاضها لكان الفشل مصيرها حتي لو سالت حمامات من الدماء. ان الأمل ولا جدال كان معقودا وبعد ان أكد موقف القوات المسلحة نجاح الثورة علي أن يكون هناك تحرك رشيد مدعوم من عشرات الملايين من المصريين الذين وقفوا إلي جوارها حيث تحددت تطلعاتهم في توفير الاستقرار وتحقيق النهضة والتقدم بما يليق بدولة مصر العظيمة. ولكن وكما يقولون.. يا فرحة ما تمت.. فقد ظهر علي الساحة من أراد الانحراف بهذه الثورة وتحويلها إلي فوضي وانفلات أمني ورعب وترويع وتخريب وتدمير وتعطيل للانتاج ولمسيرة الحياة . لقد جنحت الفئة غير الحريصة علي الثورة بها تجاه المصالح الخاصة. في هذا الإطار وبعد أن عانينا طويلا من غياب دولة القانون والنظام لخدمة أهداف معينة فاجأتنا هذه الفئة التي ركبت موجة الثورة وفئات انتهازية أخري مثلها بالعمل من أجل أن تكون دولة مصر الثورة بلا قانون ولا نظام. ولا مانع أيضا من التخطيط لاختلاق دستور يخدم كل هذه الأغراض.. ووجدنا الاعلام واقلاما حاقدة تساهم عن غباء وجهل تنفيذا لمخطط انحطاطي مدبر.. في تسخير امكاناتها.. وصل الامر الي حد تقديم القتلة علي انهم نجوم وابطال. وسط هذا التخبط والتضارب والفوضي المنظمة التي تولتها جماعات فوضوية يبدو من اعمالهم وتصرفاتهم أنهم لا يرجون لمصر استقرارا ولا أمنا ولا عدالة اساسها القانون. لجأوا إلي استثمار لوعة وحزن قطاعات من الشعب فقدت فلذات أكبادهم شهداء في ميدان التحرير وفي ميادين تجمعات الثوار بعدد من محافظات مصر. حاولت هذه الجماعات اضفاء صفة الشهادة علي من لا يستحقها وهم الذين سقطوا صرعي اثناء محاولاتهم الإجرامية مهاجمة أقسام الشرطة ومديريات الأمن والسجون لتدميرها وحرقها وسرقة ما فيها من أسلحة ميري وبيعها بتراب الفلوس علي الأرصفة. المذهل ان يتحول المدافعون عن هذه المواقع الحكومية الذين كانوا يؤدون واجبهم الوطني العسكري إلي متهمين ويتحول الجناة الذين أرادوا اغتيال كل مصادر تحقيق الأمن والأمان إلي ضحايا وشهداء!! لا أحد يمكن بأي حال أن ينكر حق الشهداء الحقيقيين الذين سقطوا في رحاب ثورة 52 يناير والذين لابد ان نقف لهم تحية وإجلالا ونقدم لهم كل ما يخلد ذكراهم ويخفف من آلام ذويهم ونرعاهم تقديرا لتضحياتهم. وإذا كنا نطالب بحق القصاص ممن يثبت أنهم قتلوهم أو ضالعون في قتلهم عن عمد وسبق واصرار فإنه ليس معني هذا ان يتم ذلك في غيبة من احترام القانون والعدالة التي من المفروض ان تحكمنا جميعا خاصة بعد قيام الثورة.. ان غير ذلك يعني تحويل حياتنا إلي غابة يلجأ فيها الفرد إلي استخدام القوة بأي وسيلة للحصول علي حقه. اننا إذا خضعنا لنزعة الانتقام الأعمي بعيدا عن القانون والعدالة فإننا نكون بذلك قد سلكنا نفس مسلك النظام الذي قامت الثورة من أجل تصفيته وعملنا علي اسقاطه. وللحديث بقية جلال دويدار [email protected]