أصبحت مصر كمريض سقط مغشيا عليه يصارع الموت ويتنفس بصعوبة بالغة، وبدلا من أن يبادر من تجمع حوله بمحاولة إنقاذه، فإذ بهم يتشاجرون ويتصارعون ويتركونه موشكا علي الموت. الثوار انقسموا إلي كيانات لا يستطيع أي متابع أن يحصيها إحصاء جيدا وسيطرت علي غالبيتهم مشاعر التفرد ويرون فيمن يخالفهم فلولا للنظام السابق. منتسبو التيار الديني يرون فيما سواهم، بما فيهم المعتصمون في ميدان التحرير والميادين الأخري، علمانيين وربما كفارا. من يطلقون علي أنفسهم الأغلبية الصامتة، يرون في الثوار معطلين للإنتاج ومهددين للإستقرار ومسيئين لصورة البلاد. رموز النخبة السياسية روجوا أراء وأفكارا تصلح لبلاد لديها تجارب ديمقراطية ناضجة، وعندما لم يتجاوز تأثير ما يقولونه حدود الغرف والقاعات التي يتحدثون فيها، وخرج الناس للمناداة بتحقيق مطالب مختلفة، اختفي رموز النخبة تماما من المشهد. وسائل الإعلام في مجملها أصبحت ك " الأطرش في الزفة " تعزف ألحانا نشازا لا تطرب سوي الإعلاميين فقط ولا أحد سواهم. أما أسر شهداء ومصابي الثورة، وهم الفئة التي أشعر بتعاطف كبير معها، فقد تاجر بهم الجميع بما فيهم الحكومة والكل اتخذ منهم تكئة لتحقيق أهداف خاصة. المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي انحاز للثورة مخالفا تعليمات قائده الأعلي لم ينصفه أحد قدر إسهاماته ويقف الآن حائرا بينا الجميع مؤثرا التمسك بالصبر.. حسبي الله ونعم الوكيل في كل من الرئيس السابق والرئيس الأسبق، فالسادات لم يختر مبارك ليخلفه بسبب رؤي خلاقة يملكها أومشروع طموح يحمله للقفز بمصر لأفاق العالم المتحضر، ولكنه اختاره لأسباب شخصية بحتة، ومبارك مارس مهمته كموظف بقدرات محدودة، وعندما تقدمت به السن وألمت به الأمراض ترك إدارة البلاد لعصابة ملأت رأس ابنه بقصة التوريث رغبة في السيطرة علي الثروة والسلطة مما مهد لقيام الثورة لتكون نقطة فاصلة بين ما فات وما هو قادم وهو ما لم يتحقق حتي الآن.